الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 فبراير 2019 05:16
للمشاركة:

حتى داخل واشنطن! ما لا تعرفه عن أذرع إيران الجاسوسية حول العالم

جاده إيران- وكالات

ميرفت عوف تكتب في ساسة بوست عن جهود التجسس الإيراني حول العالم:

وقف الجنرال الإيراني أمير علي حاجي زاده يرتدي زيه العسكري الأخضر وينظر مبتهجًا إلى طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار أسقطت من ارتفاع شاهق من السماء الإيرانية في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) عام 2011.

لكن إيران التي لم تستجيب لطلب رسمي أمريكي بإعادة الطائرة، قالت بوضوح إنها خاضت عملية لاستخراج البيانات من الطائرة لتستخدمها في رفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة التي تتجسس على أراضيها، محققة بذلك ضربة موجعة للجهود التجسسية الأمريكية على إيران.
إذ كان الحلم الإيراني آنذاك هو القيام بنسخ روبوت الطائرة المتطور، لكن اليوم باتت طهران تطمح أن تعرف الكثير عن الولايات المتحدة الأمريكية، من عقر دارها، لا أن تنتظر شيئًا يأتي إلى أراضيها، ولذلك صارت ترسل الجواسيس، أو تجند مواطنين أمريكيين للتجسس على بلادهم، مع تطوير أنشطتها التجسسية عبر الفضاء السيبراني.

مونيكا ويت.. صفعة إيران الاستخباراتية على وجه أمريكا

ما بين 1997 حتى عام 2010، كانت أخصائية مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات التابع للقوات الجوية الأمريكية مونيكا ويت، قادرة على الحصول على تصاريح أمنية رفيعة المستوى تخول لها الحصول على معلومات حساسة، وعلى العمل مهاجمًا للاستخبارات المضادة في الشرق الأوسط.

هذا المنصب جعل مونيكا، التي تعلمت اللغة الفارسية في مدرسة عسكرية أمريكية للغات، وشاركت في مهام سرية في العراق والسعودية وقطر، محل طمع إيراني للتجسس لصالح طهران، وقد تضعضع ولاء ويت لبلادها حين حضرت لأول مرة في فبراير (شباط) عام 2012 مؤتمر دولي نظمته شركة «نيو هورايزون» التي تدعم جهود لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في تجنيد أجانب وجمع معلومات منهم، وما أن حل موعد ثاني لمؤتمر لنفس الشركة في العام 2013 حتى كانت مونيكا قد تجهزت للانشقاق بعد أن أقنعت عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية (إف بي آي) الذين زاروها بعد عودتها من إيران بأن محاولات محتملة من أجهزة الاستخبارات الإيرانية بشأن تجنيدها لم تحدث؛ لأنها لم تكشف عن عملها مع القوات الجوية الأمريكية.

وبعد انشقاقها، عجلت مونيكا لتقديم معلومات للإيرانيين ساعدت شركة «نت بيجارد سماوات» على شن حملة إلكترونية خبيثة استهدفت أفرادًا سابقين وحاليين بالحكومة والجيش الأمريكيين، بعد أن وفرت طهران أجهزة كمبيوتر وخدمات مثل السكن لتتبع عملاء مكافحة التجسس الأمريكيين الذين اعتادت مونيكا العمل معهم على الإنترنت. وفي فبراير 2019، قالت وزارة العدل الأمريكية: إن «مونيكا ويت جمعت ملفات بشأن ثمانية من عملاء المخابرات العسكرية الأمريكية كانوا قد عملوا معهم مع متسللين إيرانيين استخدموا «فيسبوك» والبريد الإلكتروني لمحاولة تثبيت برامج تجسس على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم»، أما مساعد المدير التنفيذي للأمن القومي في مكتب التحقيقات الفيدرالي، جاي تاب فقال: «قررت الانقلاب على الولايات المتحدة وتحويل ولائها إلى إيران» أو أنها كما قالت هي في رسالة بعثتها إلى الشخص المسؤول عنها في إيران عام 2012: «قد أحببت العمل، وأحاول أن استخدم التدريب الذي تلقيته لفعل الخير بدلًا عن الشر، شكرًا لإعطائي الفرصة».

ويبدو أن مونيكا التي تحوّلت إلى الإسلام لم يتم ابتزازها أو توريطها رغمًا عنها، وأن عملها مع الاستخبارات الإيرانية ناجم عن قناعة بأن عملها السابق كان «شرير» حتى أنها شاركت أيضًا في استجواب البحّارة الأمريكيين العشرة الذين قبضت عليهم إيران عام 2016، وقدمت على طبق من ذهب معلومات حول البرمجيات والأجهزة الخاصة بالتجسس التابعة لسلاح الجو الأمريكي، والهويات الحقيقية للمخبرين الإيرانيين الذين يتعاونون مع وكالة «سي آي إيه».

وفي القضية ذاتها، وجهت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أربعة إيرانيين هم: معصوم بور، وبهزاد مصري، وحسين باروار، ومحمد باريار، تهم اختراق أجهزة كمبيوتر وسرقة هويات من خلال مساعدتهما شركة «نت بيجارد» في إدخال برمجيات تجسّس في أجهزة كمبيوتر تابعة لزملاء مونيكا ويت التي لقبت بـ«العاصفة المُوجّهة»، وشوهدتآخر مرة في جنوب غرب آسيا في يوليو (تموز) 2013.

طهران.. «الصين الجديدة» في التجسس السيبراني

لم تكن الحادثة السابقة هي الأولى خلال العام الأخير التي تظهر حرص الإيرانيين على التجسس على الأمريكيين؛ ففي أغسطس (آب) 2018 كشف النقاب عن قيام مواطنين إيرانيين يحملان الجنسية الأمريكية بالتجسس لصالح طهران، أولهما أحمد رضا محمدي دوستدار؛ الذي قام في يوليو 2017 بجمع معلومات عن مؤسسات إسرائيلية ويهودية وتصويرها، مثل منشأة «تشاباد هاوس» اليهودية في شيكاغو ، وكذلك جمع معلومات عن معارضين إيرانيين مرتبطين بحركة «مجاهدي خلق» داخل الولايات المتحدة.

ويبدو أن دوستدار هو من دفع الإيراني الثاني، ويدعى ماجد غرباني، إلى التجسس لصالح طهران؛ إذ شارك الرجل المقيم بكاليفورنيا في تظاهرة نظمتها حركة «مجاهدي خلق» المعارضة لطهران في نيويورك في 20 سبتمبر (أيلول) 2017، وكانت مهمة غرباني هي تصوير المتظاهرين وكتابة معلومات عنهم. وفي مقابل ذلك حصل غرباني على ألفي دولار من دوستدار بعد أن عاد من زيارة إلى إيران، كما أنه في مايو (أيار) 2018 حضر مؤتمر «حرية إيران» لحقوق الإنسان التابع لـ«مجاهدي خلق» في واشنطن، وأدى ذات المهمة بالتقاط صور للمشاركين، ثم ناقش دوستدار حول طرق سرية لتسليم المعلومات إلى إيران.

لكنه وفي الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة والغرب بالترهيب من تنامي قدرات إيران العسكرية، انكبت طهران لتحقيق غايات لا تستطيع اتباعها في المجال الحسي نحو التجسس عبر الفضاء السيبراني الذي يسمح لها بمهاجمة خصومها عالميًا، فضاعفت إلى حد كبير جهود التجسس الإلكتروني ضد الولايات المتحدة، وشهد عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني زيادة في مخصصات الميزانية الفدرالية الإيرانية للأنشطة السيبرانية، بحوالي 12 ضعف، لتصطف إيران بجوار «القوى السيبرانية الخمس العظمى في العالم»، حيث تقع عمليات مكافحة التجسّس في صلب عمل أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

وقد أصبحت إيران الآن أكثر مهارة في إجراء التجسس الإلكتروني والهجمات التخريبية، وتصب جهودها ضد المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج، وضد خصومها من الدول العربية، وتمتد بشكل رئيس نحو إسرائيل والولايات المتحدة؛ إذ تؤكد دراسة شركة «مانديانت» الخاصة بالتهديدات السيبرانية حول العالم أنه خلال 2017 تزايدت بشكل ملحوظ عدد الهجمات السيبرانية التي نفذها مهاجمون ممولون من إيران، حتى وصفت الدراسة إيران بـ«الصين الجديدة» في الفضاء السيبراني لكونها أصبحت تشكل تهديدًا كبيرًا، وحسب الدراسة فإنه «بفضل هجماتهم (الإيرانيين) المدمرة، معظم أنشطتهم التجسسية مرت دون ملاحظة، وتشمل قائمة ضحاياهم حاليًا قريبًا كل قطاعات الصناعة وتمتد خارج نطاق النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط».

وتضيف الدراسة أن «القراصنة الإيرانيين نجحوا في مهاجمة عدد متنوع من المؤسسات، بالإضافة إلى أنهم وسعوا مؤخرًا نطاق جهودهم بشكل كان يبدو في ما مضى خارج نطاق قدراتهم. اليوم باتوا يستثمرون استراتيجية الاختراق الرقمي للاحتيال على مزيد من الضحايا وللحفاظ، في الوقت ذاته، على تغلغهم في عدة مؤسسات على مدى شهور وفي بعض الأحيان لسنين. وبدلًا عن الاعتماد على البرمجيات الخبيثة والأدوات المتاحة أمام الجمهور، طور القراصنة الإيرانيون واستخدموا برمجيات خاصة بهم. وعندما لا يكونون منشغلين بتنفيذ هجمات مدمرة ضد أهدافهم، يمارسون التجسس وسرقة البيانات مثل القراصنة المحترفين».

فإيران الآن قادرة على التسبب في الكثير من الفوضى عبر الفضاء السيبراني الذي تستخدمه في حملات التجسس المستمرة، والهجمات المعقدة المتعددة المراحل، بعد أن أظهرت نضجًا متزايدًا في مجال الأمن السيبراني الهجومي، وعكفت على التجسس المكثف ضد من يهمها أمره.

إيران.. التجسس على الجميع

في 24 يوليو 2018، خرج وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر ليؤكد على أن إيران زادت قدراتها الهجومية الإلكترونية على بلاده حتى أضحت أحدث سلطة في عمليات تكثيف الهجمات الإلكترونية مصطفة بذلك إلى جوار الصين وروسيا اللتين كانتا تشكلان أكبر التهديدات الإلكترونية والتجسسية لألمانيا.

وأرخ تقرير وكالة المخابرات الداخلية الألمانية (بي إف في) لجهود إيران نحو الاستيلاء على النظم الألمانية منذ عام 2014 ، حتى أصبحت في عام 2017 تمثل خطرًا على الشركات والمؤسسات البحثية الألمانية، وتسعى طهران للتجسس في ألمانيا بشكل أساسي على الحكومة الألمانية والمعارضين ومنظمات لحقوق الإنسان ومراكز أبحاث وصناعات الطيران والدفاع، وكذلك أفراد وجماعات لهم علاقة بإسرائيل، وجاء في تقرير «بي إف في» السنوي (2018) أن: « الحملات الإلكترونية المرصودة فعالة لدرجة أن العمليات التي تطلقها وتوجهها أجهزة المخابرات لجمع المعلومات قد تشكل خطرًا على الشركات ومؤسسات الأبحاث الألمانية»، وأضاف التقرير المؤلف من 355 صفحة أن إيران «عززت وضعها كلاعب قوي في مجال التجسس الإلكتروني، من المرجح أن تُزيد بدرجة أكبر قدراتها ورغبتها في استخدام هذه القدرات».

بيد أن ألمانيا لمست أيضًا تجسس بشري على أراضيها لصالح طهران، فقد أعلنت في يناير (كانون الثاني) 2019،عن اعتقالها رجلًا مزدوج الجنسية (الأفغانية والألمانية) يعمل في الجيش الألماني خبير لغات ومستشار ثقافي، قام لسنوات بتمرير بيانات ومعلومات حساسة إلى أجهزة الاستخبارات الإيرانية أتيحت له بفضل عمله في الجيش، ومن ضمنها بيانات محتملة عن أماكن انتشار القوات في أفغانستان، كذلك أدانت محكمة ألمانية الاتحادية في مارس (آذار) 2017 باكستانيًا بالتجسس لصالح جهاز استخبارات «الحرس الثوري»، وفي نهاية العام 2015،أدين إيرانيَّين هما ميسم.ب ، وسعيد.ر بتهمة التجسس لصالح إيران ضد منظمة «مجاهدي خلق» المعارضة بعد أن كانا منضمين للمنظمة منذ سنة 2013.

ضربة أخرى كبيرة، كانت من نصيب «العدو اللدود» إسرائيل التي اكتشف يونيو 2018، أن إيران جندت لصالحها وزير الطاقة والبنى التحتية فيها بين 1995 و1996، وهو الإسرائيلي غونين سيغيف، الذي تجسس لصالح الاستخبارات الإيرانية منذ عام 2012 وبجهد من السفارة الإيرانية في نيجيريا.

وقد حصل سيغيف في التاسع من يناير 2019 على حكم بالسجن لمدة 11 عامًا، بتهمة التجسس لصالح إيران ومساعدة العدو أثناء الحرب، وتمرير رسائل عديدة إلى العدو، فقد نقل سيجيف إلى الإيرانيين معلومات تتعلق بقطاع الطاقة الإسرائيلي، والمواقع الأمنية في إسرائيل، والهياكل والبنى، وهوية المسؤولين في المؤسسات الأمنية والسياسية في إسرائيل

يقول الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان أن: «إيران لديها شبكة من أجهزة الأمن الاستخبارية المكلفة بجمع معلومات أمنية في خارج إيران، وجزء من عملائهم ينتحلون صفات دبلوماسيين في السفارات الإيرانية حول العالم، كما أن «الحرس الثوري» و«فيلق القدس» لديهما عدد من المجموعات الأمنية العاملة في صفوفهما، وهناك أجهزة أخرى تعمل في مجال التزود بالأسلحة والمعدات القتالية، خاصة فيما يلزم المشروع النووي من أدوات ووسائل لإنجازه».

ويتابع ميلمان القول: «إيران تحصل على هذه المعلومات عن إسرائيل من خلال تجنيد عملاء وجواسيس يتنكرون في صورة سياح أجانب، تم اعتقالهم من قبل حراس الأمن الإسرائيليين، أو أفراد الشرطة وموظفي الأمن المحليين، حين كانوا يقومون بتصوير مقار السفارات الإسرائيلية حول العالم، أو ملاحقة الدبلوماسيين والقناصل الإسرائيليين في عواصم العالم، ومعرفة جدول حياتهم اليومية، وخط سيرهم من بيوتهم لأماكن عملهم، وبالعكس»، مؤكدًا في مقاله بصحيفة «معاريف» العبريةأنه «بجانب التجسس البشري تسعى إيران لتحصيل معلومات أمنية واستخبارية عن إسرائيل من خلال الوسائل التكنولوجية والتنصت واختراق الحواسيب، وهو ما يسمى حروب السايبر، فقد نجحت إيران بالسنوات الأخيرة في توجيه فيروسات كمبيوترية، هجومية ودفاعية من خلال «الهاكرز» والقراصنة باتجاه أجهزة الأمن ومجتمع الاستخبارات ووزارات الحكومة الإسرائيلية».

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: