الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 يوليو 2022 18:28
للمشاركة:

هذه هي العوامل المشكّلة لحسابات خطة العمل الشاملة المشتركة الحالية

ناقش الكاتب الإيراني البرفيسور محمود سريع القلم، الحسابات المرتبطة بالاتفاق النووي الإيراني وسبل العودة إلى المحادثات غير المباشرة بين إيران وأميركا.

وقال سريع القلم في مقال له بموقع “معهد الشرق الأوسط” إنّ حسابات خطة العمل الشاملة المشتركة الإيرانية JCPOA تتشكل اليوم من خلال ثلاثة عوامل رئيسية: الانتقال المستقبلي للسلطة، الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا والتغيّرات في النظام الدولي الناشئ.

واعتبر الكاتب أنّ العامل الأكثر أهمية الذي يوجه حسابات إيران الخارجية والمحلية هو الانتقال المقبل للسلطة في المستقبل القريب وحتى المدى المتوسط، أي البديل الذي سيحل مكان القائد الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي.

وبحسب سريع القلم، تقوم النخب الأساسية الإيرانية بجميع الاستعدادات الدقيقة والطوارئ اللازمة للانتقال النهائي للسلطة في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود مقبلة، حيث اعتادت طهران على تسلسل هرمي معيّن للعلاقات وثقافة معيّنة في فنّ الحكم.

ولاحظ الكاتب أنّ فترات الانتقال في البلدان شديدة المركزية تنطوي بشكل عام على الاضطرابات وحالة من عدم الاستقرار، مضيفاً أنه بالنظر إلى السياسات الداخلية الإيرانية المتصدّعة، سيحتاج القائد الأعلى المستقبلي إلى وقت طويل لتوطيد سلطته.

ورأى سريع القلم أنّ السياسة الخارجية الإيرانية مرشحة للبقاء على ما هي عليه، أي الاستمرار بعدم الاندماج في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، وبالتالي عدم حدوث أي تحوّل تجاه الغرب.

وفي هذا السياق، برأي الكاتب، يكتسب البرنامج النووي الإيراني القوي والموقف الممانع لطهران أهمية متزايدة، باعتبارهما الوسيلتين الأكثر موثوقية لضمان استمرارية النظام السياسي.

وهنا رجح سريع القلم استمرار إيران بدفع برنامجها النووي إلى الأمام، من دون حصولها على سلاح نووي، لأنها تدرك العواقب العالمية الوخيمة التي من المحتمل أن تتحقق إذا تجاوزت عتبة القنبلة النووية، على حد تعبير الكاتب.

وجاء في المقال أنه في المدى المنظور، ستبذل إيران قصارى جهدها للحفاظ على نفوذها الإقليمي، حيث أنّ القيادة الإيرانية ستكون واعية وقادرة من الناحية التحليلية على فهم التطورات السياسية المحتملة في واشنطن.

وسأل الكاتب: “لماذا تستمر إيران بطرح مطالب غير عملية في كل من المفاوضات السابقة والحالية لخطة العمل الشاملة المشتركة؟”، مضيفًا: “تنتهج طهران سياسة الإطالة المتعمدة، فمن خلال هذه العملية المتوقفة، ستستمر بتحميل الولايات المتحدة مسؤولية المأزق”.

ووفق الكاتب، فإنّ إيران تشعر بأنّ الاحتفاظ بالردع النووي والنفوذ الإقليمي أمر أكثر موثوقية خلال فترة عدم الثبات السياسي في واشنطن، وفي ظل احتمالات كبيرة لأن يكون إنهاء العقوبات المفروضة عليها قصير الأجل، فضلاً عن تطوّر تحالف سياسي – عسكري بين دول عربية وإسرائيل.

إيران والحرب في أوكرانيا

كما ذكّر الكاتب الإيراني بأنه قبل اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في أواخر شباط/ فبراير الماضي، كانت إيران ممزقة بين مصلحتين متنافستين: التنمية الاقتصادية والردع النووي، لكنّ مستوى الدمار في أوكرانيا حوّل بشكل حاسم التوازن في النقاشات الداخلية في البلاد لصالح الردع النووي، كما أورد المقال.

وتابع: “هناك حاجة الآن لمئات المليارات من الدولارات لإعادة بناء البنية التحتية الأوكرانية. بالنسبة للقيادة الإيرانية، فإنّ الدرس المستفاد من حرب أوكرانيا هو أنه في حالة عدم وجود قدرة ردع وشركاء دوليين موثوق بهم، فإنّ إيران تواجه خطراً كبيراً من الضربات العسكرية وأو من حرب طويلة الأمد”.

علاوة على ذلك، فإنّ تأثير الحرب في أوكرانيا سلّط الضوء على حقيقة الوحدة الجيوسياسية لإيران، كما ذكر الكاتب، الذي لفت إلى أنّ ما زاد من قلق طهران هو حقيقة أنّ نصف العالم ظل محايداً في الوقت الذي دُمِّرت فيه دولة أوروبية.

وأكمل سريع القلم: “بينما شاهدت إيران التدمير التدريجي لأوكرانيا على مدى أشهر، أدركت العواقب المحتملة لتحالف عسكري دولي – إقليمي يستهدف البلاد. في خضم حرب الظل المستمرة مع إسرائيل، الانكماش الاقتصادي، العقوبات الأميركية الشديدة، قيود الميزانية، الاضطرابات الوطنية والتضخم الزاحف المستمر، قد تكون النتائج مدمرة”.

وشدد الكاتب على أنه مع وضع هذه الظروف في الاعتبار، يبدو الردع النووي أكثر أهمية من التعاون الأمني مع موسكو، التي كانت في طليعة منظور الأمن القومي الإيراني في السنوات الأخيرة.

ونوّه سريع القلم إلى أنه في الوقت الذي تعرّضت فيه روسيا لنحو 11000 عقوبة ولتهميش سياسي على المستوى العالمي نتيجة لهجومها على أوكرانيا، فقد أطلق ذلك أجراس الإنذار بين المسؤولين الإيرانيين.

لذلك، يستخلص الكاتب، أن حرب أوكرانيا كانت ذات أهمية كبيرة في تشكيل حسابات خطة العمل الشاملة المشتركة الإيرانية، لا سيما في فترة الانتقال، مضيفاً أنه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن النظام السياسي، لا توجد أداة أخرى تبدو قوية وفعالة مثل الردع النووي.

النظام الدولي الناشئ

ورأى سريع القلم أنّ هناك اعتباراً أساسياً يؤثر على جميع حسابات السياسة الخارجية والأمن القومي من قبل الدولة الإيرانية، يتمثل بالرغبة بتأجيل التطبيع مع الولايات المتحدة لأطول فترة ممكنة.

وذكّر الكاتب بأنه على مدى عقود، ظلّت طهران ملتزمة بسياسة عدم التطبيع وعدم المواجهة مع واشنطن، مستندةً إلى فهمٍ معيّن بأنّ التطبيع مع الأميركيين سيغيّر تدريجياً هيكل القوة في إيران وبالتالي اقتصادها السياسي.

ولفت سريع القلم إلى أنّ التصريحات الإيرانية الرسمية والعلاقات الاقتصادية المزدهرة تؤكد وجود قرار استراتيجي بالتعامل مع الصين وروسيا، معتبراً أنّ المخاوف بشأن الفترة الانتقالية المقبلة تجبر الدولة الإيرانية العميقة على جعل الأمن القومي أولوية أعلى من التنمية الاقتصادية.

الكاتب الإيراني رأى أنّ تنشيط العلاقات بين النخب الإيرانية الأساسية والغرب من شأنه أن يجلب معه خطر زيادة النفوذ الغربي والتآكل التدريجي لسلطة الدولة الإيرانية على السياسة والاقتصاد والثقافة، مشيراً إلى أنّ التفسير الإيراني للاندماج مع الغرب هو استسلام تدريجي لاستقلالها السياسي والاقتصادي.

لكنّ المعضلة التي تواجه إيران أيضاً، بحسب الكاتب، هي أنه حتى المعاملات الاقتصادية مع الشرق تتطلب علاقات عمل مع الغرب، حيث تأمل إيران بالتمكّن من استخدام العملات الرقمية وتنظيم معاملاتها التجارية مع الصين وروسيا بطريقة تحررها من الاعتماد المالي على الغرب.

ونبّه سريع القلم من أنه حتى لو أصبحت إيران عضواً في مجموعة البريكس، فلن يكون لذلك تأثير كبير على نظامها المصرفي ووضع الاستثمار الأجنبي، كما سيكون للعضوية النهائية في منظمة شنغهاي للتعاون أهمية رمزية أكثر منها عملية.

الاتجاهات المقبلة

بسبب عائدات تصدير النفط الكبيرة، كان بإمكان إيران في السابق أن تتصرّف كدولة طرد مركزي، كما أورد المقال في موقع معهد الشرق الأوسط، ومع ذلك، مع مواردها المالية الحالية المتقلّصة، تواجه البلاد الآن تهديدات جاذبة خارقة. بعبارة أخرى، قد تطغى التحديات الداخلية تدريجياً على أهداف وجهود الردع.

وفي حين تم اتباع الدبلوماسية مع واشنطن في ظل جميع الحكومات، فإنّ الهدف الرئيسي برأي الكاتب هو إطالة أمد تسوية النزاعات الأميركية – الإيرانية، والتنافس على مركز أقوى في الشرق الأوسط. وبالتالي، فإنّ كيفية تحقيق التوازن بين المعادلة المحلية والمعادلة الخارجية ستكون العنصر الأكثر تحدياً في فن الحكم الإيراني في الأشهر والسنوات المقبلة، على حد تعبير سريع القلم.

وأضاف: “يمكن للمرء أن يتوقع أن تلعب روسيا دوراً حاسماً خلال الفترة الانتقالية، وبالتالي يتم تنسيق نتائج خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل وثيق مع موسكو”.

ورأى سريع القلم أنه لا يوجد دافع لدى إيران للسير نحو تسوية نووية حالياً، بسبب عدم وجود فوائد اقتصادية ضخمة تظهر وراء الأفق، لافتاً إلى أنّه على الأقل حتى كانون الثاني/ يناير 2025، عندما تتولى الإدارة الأميركية الجديدة مهامها، لن يكون هناك أي حماس بين الشركات الغربية للاستثمار الأجنبي المباشر في إيران.

ولاحظ الكاتب أنّ إيران تعلّمت بجدية كيفية التلاعب بالديناميكيات الإقليمية والدولية وإعادة ضبطها من خلال الإشارات المختلطة، مشدداً على أنّ وجود إسرائيل على مقربة شديدة من الحدود الإيرانية والعواقب العسكرية لاتفاقات إبراهيم يدفعان القوى داخل الفصائل المتنوعة للقيادة الحالية والناشئة في إيران باتجاه التوحد.

وفي السياق، اعتبر سريع القلم أنّ الاستئناف المحتمل للعلاقات الدبلوماسية مع السعودية يمكن أن يؤدي إلى إحداث تغيير بعد عدد من المبادرات بقيت بلا نتيجة، حيث أنّ تحسين العلاقات مع الرياض يمكن أن يُنتج إعادة ضبط أوسع مع العالم العربي وإعادة تشكيل موقف إيران العام في الشرق الأوسط.

يشير النظام الدولي الناشئ متعدد الأقطاب إلى أن إيران ستكون قادرة على تعبئة الموارد السياسية والاقتصادية اللازمة لإدامة الوضع الراهن، برأي الكاتب. ومع ذلك، فإن التاريخ والتقاليد قد تجعل هذا الأمر صعباً بشكل متزايد في السنوات القادمة، كما ذكر الكاتب، وسأل: “إلى أي مدى سيكون المجتمع الإيراني والنظام التعليمي – وحتى الصناعة التي اعتادت على العادات والأفكار الغربية – على استعداد للتكيّف مع الممارسات والتوجهات الروسية والصينية؟

واختتم سريع القلم قراءته بالقول: “حتى إذا كانت إيران – من أجل الأمن – تنوي تنويع أمنها القومي وخياراتها الاقتصادية، فلا يزال يتعيّن عليها التوصل إلى تسوية مؤقتة مع الغرب”.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: