الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 يوليو 2022 11:04
للمشاركة:

الكاظمي في “فورين بوليسي”: لدينا عراق جديد ونسعى لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية

نشرت مجلّة "فورين بوليسي" الأميركية مقالاً لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أكد فيه أنّ العراق شهد تحوّلاً كبيرا في السنوات الأخيرة إلى الأفضل، مشيراً إلى دور بلاده في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الإقليمية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

حينما يصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، فإنه سيصل إلى منطقة تواجه العديد من التحديات، كالإرهاب، الأمن الغذائي والتغيّر المناخي. لكنّ الشرق الأوسط اليوم منطقة تواجه تلك التحديات في ظل مجموعة من القادة الذين يسعون إلى إحداث تغيير إيجابي.

سوف أمثّل عراقاً متعافياً ويقف بثقة أكبر في المسرح الدولي، وهو أقوى مما كان عليه منذ آخر زيارة للرئيس بايدن عام 2016، أو حتى مما كان عليه عندما التقينا في المكتب البيضاوي العام الماضي.

كان للولايات المتحدة دور كبير في دعم العراق خلال سنوات عديدة، ونحن شاكرون للمساعدة والتضحيات التي قدمها الأميركيون لدعمنا. واليوم يرسم العراق خطاه بنفسه، محلياً وإقليمياً ودولياً. إن الأمر الذي أتمنى أن يدركه السيّد بايدن بعد اجتماعنا في السعودية يوم الجمعة هو عزمي أنا شخصياً، وتصميم الشعب العراقي على حل مشكلات العراق عبر الحلول العراقية.

إن العراق الآن هو ديمقراطية دستورية متعددة الأحزاب والأعراق. نعم، ما زلنا في عملية مطوّلة لتشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات الخريف الماضي، إذ إن تشكيل الحكومة استغرق وقتاً طويلاً، وهو فعلاً أمر أثار الشعور بالإحباط لدى الكثيرين داخل العراق وخارجه، وأنا أشاركهم ذلك الشعور؛ لكنني فخور أيضاً بقدرة الدولة على الاستمرار بالعمل لخدمة المواطنين العراقيين، وحماية مواردنا الطبيعية، وأداء دور قيادي في مبادرات إقليمية تعزز الرفاهية والأمن.

لقد مر عقدان تقريباً من احتكام السلطة إلى الانتخابات، وهو دليل كبير على مدى ترسيخ الديمقراطية في العراق بعد أكثر من ثلاثة عقود من حكم صدام الديكتاتوري الوحشي؛ وتلك قصة نجاح لا يمكن إغفالها.

إن المصاعب السياسية التي تنجم عن الانتخابات هي مثال على الأوضاع المشوشة التي تنتجها الديمقراطية في بعض الأحيان، وتؤكد الحاجة إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية في الحياة العامة العراقية، وضمان قدرتها على الاستدامة بنحو لا يقتصر على صناديق الاقتراع. إن الطريق نحو ديمقراطية ناجحة يستلزم وقتاً وإرادة وقيادة.

ومع وقوفنا على قدمينا بعد طرد “داعش” من أرضنا، نتمكن اليوم من التطلع نحو آفاق أفضل، فلم يعد بلدنا عضواً غير فاعل في المجتمع الدولي؛ نحن الآن نشيطون على الصعيدين الإقليمي والدولي، بما في ذلك المبادرة باستضافة القمة متعددة الأطراف التي تهدف إلى تعزيز التعاون والاستقرار الإقليميين.

في العام الماضي، استضاف العراق مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة مع قادة الأردن، الإمارات، فرنسا، قطر، الكويت، ومصر، وبمشاركة على مستوى الوزراء من تركيا، إيران والسعودية. وبحث المؤتمر القضايا الأمنية، الاقتصادية والبيئية التي تتطلّب حلولها وجود حسن النية، المشاركة الصادقة والتعاون بين الدول. ومن خلال هذه المبادرات وغيرها، تمكّنا من أداء دور إيجابي في المنطقة.

إنّ ذلك دليل على التزام حكومتي بألا تدخر جهداً من أجل تحقيق الاستقرار في بلدنا والمنطقة. وبينما نسعى إلى تهدئة التوترات من خلال التقريب بين الأطراف المختلفة، فإننا نؤيد بقوة أيضاً احترام سيادة كل دولة، وضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

إن علاقتنا مع الولايات المتحدة شهدت تغييراً نحو الأفضل، وبينما كان تعاوننا التاريخي يدور حول الأمن ومكافحة الإرهاب، فإنّ العلاقة تتسع الآن لتشمل تحديات مجتمعية أخرى لا تقل أهمية، مثل: الاقتصاد، الطاقة، التغيّر المناخي، البيئة، الصحة، التعليم والثقافة. ومع إحراز التقدم من قبل العراق، فقد تقدّم حوارنا الاستراتيجي كذلك مع الولايات المتحدة، وحصل الانتقال من الدور القتالي الأميركي إلى شكل آخر واسع الأفق، مع تعميق للعلاقات خارج الإطار الأمني. إن شراكاتنا مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وغيرها من المؤسسات الأميركية توفر لنا دعماً وخبرات فنية مؤثرة في مسيرتنا لبناء بلدنا.

إن الدافع الأساس لهذا التنامي في العلاقة كان الحاجة الوطنية العراقية لاستثمار انعكاسات الاستقرار الإقليمي، التنمية الاقتصادية، الأمن البيئي، حلول التغيّر المناخي والأمن الغذائي. جغرافياً، يقع العراق في أكثر المناطق حرارة في العالم، وأشدها تأثراً بالتغيّرات المناخية، وأصبح القلق من العواصف الترابية، موجات الحرارة العالية، الجفاف ونقص إمدادات المياه هو السائد لدى شعبنا مقارنة بالتهديد الإرهابي.

ويبقى العراق منتجاً مهماً للنفط على المستوى الدولي، مع احتياطات هائلة غير مكتشفة بالكامل، ولكن شرياننا الاقتصادي هذا يكبر من تحدياتنا البيئية؛ لذلك فإننا نعمل بسرعة على استثمار الغاز الذي يُحرق في حقول النفط، ونريد أن نحوّل أشعة شمسنا القوية إلى طاقة كهربائية يمكنها أن تدعم تطوير صناعاتنا، وتخلق الوظائف لأجيالنا الشابة.

لدى العراق الكثير ليقدمه للمنطقة، سواء على صعيد التكامل الاقتصادي أو فرص التجارة الحرة أو استقرار أسواق الطاقة. لقد بنينا جسور علاقات مهمة مع دول مثل: الأردن، مصر ومجلس التعاون الخليجي، وقد بدأنا نرى نتائج ملموسة لهذا التحسن في العلاقات بأشكال متعددة، منها تطوير الربط الكهربائي مع جيراننا الخليجيين، وكذلك الأردن كدولة إقليمية محورية. وقد أتممنا نهاية العام الماضي دفع مستحقات دولة الكويت التي نجمت عن الغزو الكارثي الذي قام به صدام عام 1990.

نعم، هناك مشكلات نحتاج إلى معالجتها، وعلى رأسها قيامنا نحن العراقيون بتقوية سلطة الدولة وسيطرتها على انتشار السلاح المنفلت. إن مشكلة استرداد السلاح بعد وقوعه في الأيدي الخطأ عانت منها أقوى الدول، ومن أجل حماية ديمقراطياتها، ومعالجتها في العراق، فإنها ستتطلب حلولاً عراقية ذات قدرة على الاستدامة، وتتطلب صبراً استراتيجياً داخل العراق ومن قبل شركائنا.

على الولايات المتحدة وشركائنا الدوليين الآخرين أن ينظروا إلى الشأن العراقي ويتعاملوا معه من منظور التقدم الذي حققناه، وكذلك ينبغي أن يلاحظوا الصعاب التي نواجهها، ونحن نعزز ديمقراطيتنا التعددية ونحميها وسط منطقة مليئة بالتعقيدات. وقياساً بالانتقالات التي شهدها تاريخنا الطويل في الشرق الأوسط، فإننا في العراق حققنا الكثير في مدة قصيرة نسبياً.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: