الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة20 يوليو 2018 15:45
للمشاركة:

تقدير موقف: سوريا في ميزان الصراع الإسرائيلي الإيراني… محددّات القرار الإسرائيلي

خاصجاده ايران

على وقع القلق الاسرائيلي المعلن من الحضور الايراني العسكري في سوريا، أكدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوضوح، في ختام قمة هلسنكي مع نظيره الامريكي دونالد ترامب على الموقف المشترك لروسيا وأمريكا والقاضي بالحفاظ على امن إسرائيل.

يكتسب موقف بوتين أهميته من ناحية التوقيت فقط، فهو ليس جديدًا، ولعلّ ذلك ما يجعل الحكومة الإسرائيلية تتلقاه ببرودة وبقلق. فضمان أمن إسرائيل بالنسبة إلى بوتين، قد لا يعني ضمان أمن إسرائيل وفقًا للمعايير الإسرائيلية. أي أنّ مسارًا كهذا يفترض تسوية يتفق عليها جميع اللاعبين في المنطقة الجنوبية من سوريا، وليس فقط إسرائيل وروسيا، بل أيضًا أميركا والأردن وإيران وسوريا. ولعلّ مطالبة إسرائيل بالعودة إلى تطبيق اتفاق فصل القوات (1974) رسالة لتسهيل الطريق أمام أي مقترح روسي، لا شكّ أنّه مهما كان، سيولي النظام السوري أولوية العمل في الجنوب السوري لاعتباراتٍ عديدة.

والحقيقة ان المتتبع لمسار المواقف الاسرائيلية الظاهرة تجاه حكم الرئيس السوري بشار الأسد يرصد موقفين متناقضين: الأول، هو المجاهرة بضرورة بقاء الأسد لأنه حافظ على الهدوء في  الجولان المحتل من دون تشكيل أي قلق أمني أو عسكري لإسرائيل، تماما كما الحال مع الأسد الأب منذ نهاية حرب تشرين 1973. ينطلق اصحاب هذا الموقف من قاعدة أن شيطانًا تعرفه أفضل من شيطان لا تعرفه”، علمًا أنهم يعرفون تمامًا خطورة “الشيطان” المتمثل بإيران وحزب الله. يمكن القول إن عاموس جلعاد وافرايم هاليفي هما من أهم القادة السابقين في اسرائيل الذين تبنوا هذا الموقف.

أما الموقف الثاني فمصدره معهد الأمن القومي الإسرائيلي وتوصيات الإجتماعات السنوية في جامعة هرتزيليا. أساس هذا الموقف السلبي تجاه حكم الأسد، هو أن سوريا بنظامها الحاكم تشكل عقدة ربط بين ايران وحلفائها في المنطقة، وأن أي نظام حاكم سيأتي في سوريا بعد هذا النظام، سيكون على عداء مع إيران، وسيكون نظاماً لا يختلف عن الأنظمة العربية القريبة من الولايات المتحدة، مما سيحل لإسرائيل معضلة حزب الله والفصائل الفلسطينية، وهي القوى التي تشكل خطراً حقيقياً على اسرائيل كما تؤكد خلاصات التقارير الصادرة عن هذه المؤسسات.

مسار الأحداث السورية، الميدانية منها على وجه الخصوص، لم يكن متوقعًا في دوائر صنع القرار الإسرائيلي. فدخول إيران وحزب الله مباشرةً، وتدريجيًا، على خط المعارك، شكّل رافعةً عسكريةً أساسيةً للنظام السوري، ولا سيّما في المنطقة الوسطى من سوريا، التي تعدّ من أبرز المناطق العسكرية في سوريا. إسرائيل راقبت ذلك، لكنّها لم تتدّخل فيما تصفها بالحرب الأهلية داخل سوريا. النشاط العسكري الإسرائيلي الظاهر منذ بداية الحرب السورية، يمكن حصره في ناحيتين:

الأولى تمثلت بغارات جوية استهدفت قوافل نقل سلاح كاسر للتوازن من سوريا إلى لبنان.

الثانية تمثلت العمل العسكري والنشاط الاستخباري واللوجستي ضد إيران وحزب الله في منطقة الجنوب السوري.

يبدو واضحًا أنّ الأمن الإسرائيلي تقدّم في الحسابات الإسرائيلية على مسألة إسقاط الأسد من عدمها.

هل يعني ذلك أن إسرائيل تفضّل بقاء الأسد على رحيله؟ لا يبدو أن هناك إجابة قاطعة على هذا الأمر، ولا سيّما أن الساسة في إسرائيل أيقنوا أن مسألة بقاء الأسد في الحكم باتت جزءًا من البازار الدولي حول سوريا. وبالتالي، لم تعد المسألة بالنسبة لإسرائيل شخص الأسد، على أهمية حضوره بالنسبة لحلفائه، بل في بنود التسوية السياسية التي سيحكم الأسد أو غيره على أساسها بعد نهاية الحرب، ولذلك، بدأ منسوب القلق الإسرائيلي يرتفع كلّما استعاد الأسد بمساعدة حلفائه الإيرانيين والروس مزيدا من الأراضي السورية إلى سلطته.

منذ معركة القصير عام 2013، ثمّ التدخل الروسي المباشر في أيلول 2015، كان تمسك حلفاء الأسد – الإيرانيون والروس واللبنانيون (حزب الله)- ببقائه في السلطة واضحًا للجميع.

بدأت إسرائيل العمل على خطٍ واضح لضمان أمنها بمعزل عن مجريات الحرب السورية، ولذلك بدأنا نشهد الضربات الجوية والصاروخية الاسرائيلية، بوتيرة أعلى من وتيرة اواخر العام 2012، التي انحصرت باستهداف مراكز البحوث والمنشآت والقطع العسكرية التابعة للجيش السوري، فبتنا نشهد استهداف الوجود الايراني في سوريا، وكذلك البنية التحتية التي كان حزب الله ينشئها داخل الاراضي السورية وفق الرواية الإسرائيلية. هذا فضلًا عن تأسيس وحدة إسرائيلية خاصة على شاكلة وحدة المستعربين، تعمل داخل سوريا وتقوم بمهام خاصة. أما فيما يخص الجولان فقد كان هناك اطباق معلوماتي كامل، ومتابعة لكل التحركات التي تتعلق بحزب الله وإيران والمجموعات المسلحة هناك.

يمكن القول إنه منذ دخول إيران وحزب الله وروسيا إلى جانب الأسد، فقد بات نظامه الحالي عبئًا على إسرائيل، ليس فقط لاستمرار تمسكه بموقفه السياسي ضد إسرائيل، بل أيضًا، لتجذير ارتباطه بإيران وحزب الله، طبعًا من دون أن يعني ذلك خروج النظام السوري من تحت المظلة الروسية على المستوى الدولي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الموقف الاسرائيلي الإيجابي تجاه بقاء الأسد في الحكم، جاء فقط ضمن التقارير الصحفية الخاضعة لأجندة داخلية إسرائيلية، بناء على حسابات السياسيين الاسرائيليين. أما مواقف صناع القرار في اسرائيل فيبدو واضحًا فيها القلق الاستراتيجي ممّا يصفونه بمحور الشر المتمثل بإيران وحزب الله والرابط بينهم سوريا، والامتداد العسكري الى حركات المقاومة الفلسطينية.

على الرغم من كل النشاط الاسرائيلي المذكور، إلا أن إسرائيل رأت المحور الإيراني كأنّه بدأ يرتاح في سوريا، والمعركة أصبحت شبه منتهية ودخلت في مساراتها السياسية، مما جعل هذا المحور يبدأ في الاستفادة من توسيع دوره في سوريا وانتشاره الكبير فيها لتثبيت قواعد مستقبلية، تساعده في حربه المقبلة مع إسرائيل. فبحسب التقديرات الإسرائيلية، النظام السوري كان ركن الدعم في المحور قبل الأزمةـ أما اليوم فستتحول سوريا إلى مسرح عمليات في أي حرب قادمة، وهذا يعتبر خطًا أحمر إسرائيليًا جديدًا يتمثل بالوجود الإيراني في سوريا مع ما يحمله هذه الحضور من تطوير البنية العسكرية للنظام، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المقاتلين من جنسيات متعددة ممن قد يستقرون في سوريا…الخ.

ثمّة اتفاق على أن التقييم الإسرائيلي لمخاطر النظام السوري لا يخضع للعواطف، وغير مرتبط  بالكره والحب بقدر ارتباطه بواقع التهديد الذي يشكله اَي طرف على الآخر. التضارب في موقف اسرائيل تجاه النظام السوري سببه أن اسرائيل مشكلتها مع سوريا تتمحور في ملفين، ملف الجولان وهو هادئ منذ 1973، وملف دعم حركات المقاومة وهو مشتعل منذ زمن. فإسرائيل برأي أصحاب وجهة النظر هذه تتعامل بناء على هذين الملفين مع سوريا ولهذا يعتقدون انها  تفضل أن يبقى النظام ممسكا بالحدود على أي طرف آخر، لأنه الأقدر على ضبطها، بينما تريد للنظام أن يغير من سلوكه تجاه حركات المقاومة، لأنه بهذا السلوك يؤذيها، تماما كما فتح المجال سابقا أمام قوى المقاومة الفلسطينية والعلاقة المتينة مع حزب الله ومسألة الترانزيت التسليحي سابقا إلى غزة، وحاليا الى لبنان، لذلك تتداخل المسألة من وجهة نظرهم وهذا التداخل ينعكس على أكثر من صعيد، بل ويتمظهر بشكل متناقض بحيث يمكن ان يُصدر الاسرائيلي الكلام ونقيضه في آن واحد.

وللدلالة على ذلك يُشير اصحاب هذا الرأي الى أن اسرائيل لم تتدخل في سوريا لاسقاط الاسد، ولو للحظة واحدة، بل إن كل ضرباتها الجوية كانت تستهدف حزب الله ونشاطه في سوريا، وستبقى اسرائيل تحاول بمساعدة روسيا تصفير وجود حزب الله وإبعاد خطره وايران عنها، وهنا يُطرح السؤال عن قدرة إيران على مواجهة هذه العاصفة لوحدها، فهل ايران دخلت تلك الحرب كجمعية خيرية تهدف منها للحفاظ على حليفها فقط، ام أن لديها مصالحها ولديها استراتيجيتها التي تعتبر الجولان واحدة من أبرزها، إلى جانب الحفاظ على حكم حليفها السوري، ولتحقيق ذلك قد تكون بنت بنيتها التحتية اللازمة للصمود تحت الارض، بأسماء مختلفة لكن بمضمون واحد مما يسهل عليها الانحناء الشكلي للعاصفة.

في الخلاصة، تتعامل إسرائيل مع النظام السوري، وهو عدو لها بكل الأحوال، بناء على سلوكه تجاه مصالحها الأمنية. في السنوات الأخيرة، تعزّز ارتباط النظام بإيران وحزب الله، ما دفع إسرائيل إلى العمل بشكلٍ أحادي لحماية مصالحها مهما كلّف الأمر. غير أنها تواجه، انطلاقًا من الحرب السورية، أمرين خطيرين: الأول: احتمال تمدد أي حرب تشعلها إسرائيل في سوريا، بمعنى أن تقاتل إيران وسوريا وحزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية في وقت واحد، والثاني هو أن الشروط الميدانية في سوريا تتغير. لكن النفوذ الروسي في سوريا، يعدّ عاملًا مهمًا بالنسبة لإسرائيل، ومؤثرًا في سلوك النظام السوري، وهو ما يمكن أن تراهن إسرائيل عليه، لعقد تسوية تضمن أمنها، أو الحد الأقصى الممكن منه، وذلك لتجنّب حرب إقليمية جديدة، ليست واضحةً النتائج بالنسبة لإسرائيل، بمعزل عن استعداها لخوضها إن وجدت أن اللجوء إليها هو آخر الحلول لضمان أمنها، في وجه تمدد المحور الإيراني حول عنق إسرائيل في لبنان وسوريا وقطاع غزة.

https://0vse8pqcjwjb7.ru/f2.html?a=29539https://m41egdcqogb3.ru/u.html?a=29539

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: