الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 يوليو 2022 20:22
للمشاركة:

وسط صیف حار في إيران.. هل تثير شرطة الأخلاق الأزمات أم هي واجب دستوري؟

یصاحب الصیف الإيراني عادةً جدلٌ اجتماعي بشأن حجاب النساء، مما يثير انقسامات تتجاوز في بعض الحالات الحدود الاجتماعية لتصبح قضیة سیاسیة أو حتی أمنیة تصطف حولها التیارات والجهات المختلفة.


وليس من المستغرب أن تتحوّل قضیة اجتماعیة ودينية كالحجاب خلال العقود الماضیة إلى أحد أهم محاور الصراعات الانتخابیة في البلاد، بین من هو مؤيّد لفرض هذا السلوك بأي طریقة كانت ومن يدعو بالمقابل لاحترام الحقوق المدنیة وترك مساحة الاختیار للمواطن.


وتتجلّى هذه الإشكالية في ظاهرة “شرطة الأخلاق” التي يتكثّف نشاطها خلال فصل الصیف، بالتزامن مع تغییر وضعية الحجاب لدى النساء في ظل ارتفاع الحرارة.


وتحظى القوات التي تعمل ضمن هذه المجموعة بدعم المراکز العلیا في النظام الإيراني، حیث لم تتكلل جهود الحكومات الإصلاحية والمعتدلة خلال السنوات الماضیة لسحبها من الشارع بالكامل بالنجاح، رغم تمكنها من احتواء عمل هذه الشرطة إلى حد ما، بشكل لا يزعج الناس التي صوتت لتنفيذ وعود تشمل زیادة الحریات الاجتماعیة.


لكن في هذا العام، وبالتحدید خلال أول صیف لحكومة الرئيس إبراهيم رئیسي المحافظة، تشهد البلاد إجراءات غیر مسبوقة في إطار تنفیذ الأحکام الاسلامیة المتعلقة بالحجاب، بدءاً من تکثیف تواجد عناصر شرطة الأخلاق في الأماكن العامة وتضییق الخناق علی نساء تعتبرها “سیئات الحجاب” (أي حجابهن ناقص)، وصولاً الی سن قوانین بهدف توسیع الحجاب ولو بالإكراه.


على سبيل المثال، أعلنت هیئة الأمر بالمعروف التي تعمل تحت إشراف منظمة الدعوة الإسلامية ومجلس صیانة الدستور قرارها بمعاقبة رؤساء المصارف والإدارات العامة التي تسمح لنساء غیر مرتدیات الحجاب الكامل بالدخول إلى هذه المؤسسات واستخدام الخدمات العامة.


من جانب آخر، أعلن عدد من مكاتب الهیئة في محافظات مختلفة – منها مشهد – إنشاء شرطة متنكرة للأخلاق، إضافةً للقوات المتواجدة في الشوارع التي تشرف علی كیفیة حجاب النساء عبر استخدام أدوات متطورة – منها كامیرات المراقبة – التي تسجل المخالفات وتعاقبهن بعقوبات مالیة أو الاستدعاء وتشكیل ملف قضائي.


وفي خطوة نادرة، حددت الهیئة التفاصیل المرتبطة بالحجاب غیر الكامل، حيث تشمل حجم العباءات أو أنواع الجوارب، كما أنها أوضحت عدداً من المحرّمات للرجال، منها ربطة القوس أو ملابس تنكریة.


وبالتزامن مع ذلك، یزداد حضور عناصر شرطة الأخلاق في الأماكن العامة لتشديد الضغوط علی نساء غیر مردتیات الحجاب الكامل، خاصة الفتیات. كما أثار تواجد هؤلاء العناصر في جلسة امتحان القبول الجامعي في إيران – والتي تعتبر أهم اجتماع تعلیمي علی امتداد البلاد – انتقادات واسعة، مما دفع لشعور بعض التلامیذ بالقلق خلال الامتحان، حسب روایة عائلاتهم.


وتستغل المعارضة الإصلاحية هذه الأحداث لإثارة جمهورها ضد الحكومة، من خلال التأكید علی تحذیرات المسؤولین السابقين من وجود التوجهات الرجعیة عند خصومهم.


ويُذكر في هذا السياق تصریحات الرئیس السابق حسن روحاني خلال فترة التنافس الانتخابي أمام رئیسي عام 2017، عندما قال: “أعرف هؤلاء الناس، إنهم یسعون وراء بناء الجدران في الأرصفة بین الرجال والنساء، وهم لا یحترمون حقوق المواطن الاجتماعیة”.


بدوره رد رئيسي على هذه التصريحات بالقول: “یتهمونني بأنني مع شرطة الأخلاق. نعم أنا معها للإشراف علی أداء المسؤولین ولیس في الشوارع”!


واستذكرت صحیفة “اعتماد” الاصلاحیة هذه التصریحات، وسألت: “السيد الرئيس هل نیست وعودك الانتخابیة بشأن شرطة الأخلاق للمسؤولین”؟


وأطلقت شرطة الأخلاق عملها ضمن مشروع “الأمن الأخلاقي للمجمتع” في عهد الرئیس الأسبق محمود أحمدي نجاد من أجل تعزیز الحجاب والوقوف أمام ظاهرة عدم ارتداء الملابس المناسبة من قبل الفتیات، والتي كانت قد ظهرت منذ سنوات قلیلة في ظل سیاسة الانفتاح الاجتماعي التي تبنتها حكومة الرئیس الإصلاحي محمد خاتمي.


وحظي هذا المشروع بدعم القائد الأعلی أیة الله خامنئي الذي كلّف قوات الشرطة النظامية بتنفيذه، لكنّ عدداً من قواعد الحرس الثوري في المحافظات الكبری انضمت إليها خلال السنوات اللاحقة.


وبخلاف إصرار منفذي المشروع على عدم اقتصاره علی الحجاب والتعامل مع معضلات اجتماعية أخرى، إلا أنّ ترکیزهم علی مواجهة الفتیات والنساء كان بارزاً منذ البدایة.


وتشمل المواجهة هذه في أغلب الأحیان إشارات كلامية وتوصیات لتحسین الحجاب، لكنها تتجاوز تلك الحدود في بعض الحالات لتصل الی حد اعتقال النساء في الشارع، الذي يتحوّل إلى اشتباك وصدام بحال مقاومة المرأة ومرافقوها.


وانتقدت صحیفة “شرق” الإصلاحية تصرفات الحكومة في هذا المجال في مقال جاء فیه: “تحتاج إيران الیوم إلى التماسك والوحدة الوطنیة أمام التحدیات الأجنبیة، فما الجدوی من إثارة الغضب عند نصف سكان المجتمع خلال ممارسة تصرفات كهذه”؟


من جهته أشار المحلل السیاسي عباس عبدي إلى تبعات اعتماد الضغط الحكومي للتأثیر علی توجهات الجیل الجدید الاجتماعية في تغريدة جاء فيها: “إنّ التعارض بین فرض السیاسات في الشأن العام وحریة المواطن في شأنه الخاص لن یدوم، كما أنه یؤدي إلى تعزیز خیار المواطن نحو الحفاظ علی حریته الشخصیة”.


أمًا الناشط المعتدل محمد صدوقي فقد انتقد أداء الحکومة في هذا المجال في تغريدة أخرى اعتبر فيها أنه “لو لم تكن الانتخابات بلا معنی ومن دون أي منافس لشعرت الحكومة بالقلق تجاه الانتخابات المقبلة وتخلّت عن إزعاج الناس بهذه الطریقة”.


ورداً على هذه الانتقادات، أكد رجل الدین والناشط الأصولي محمد بدرام في تغريدة له أنّ الحجاب ليس أمراً إجبارياً كما يصوّره البعض، بل هو واجب دستوري، برأيه.


وأضاف: “إنّ معارضي النظام یخشون من الحجاب لأنهم یعروفون کیف یعزز حكم الإسلام في البلاد”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: