الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة2 يوليو 2022 22:00
للمشاركة:

قراءة أميركية.. ماذا يجب على واشنطن أن تفعل إذا فشلت الصفقة النووية؟

رأى المتخصصان في شؤون الشرق الأوسط الأميركية ماريا فانتابي والإيراني الأصل ولي نصر أنّ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز/ يوليو إلى الشرق الأوسط تأتي في لحظة حساسة، تتم خلالها محاولة أخيرة لإحياء المحادثات المتوقفة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة.

وفي مقالة مشتركة نُشرت على موقع مجلة “فورين أفيرز”، أشار الكاتبان إلى أنّ طهران سارعت خطواتها في برنامجها النووي منذ الجولة الأخيرة في محادثات فيينا، لتصبح قادرة قريباً على التحوّل إلى دولة نووية.

هكذا راحت لعبة عض الأصابع تتوالى بين الغرب وإيران، كما يذكر المقال، فعندما وجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة اللوم لطهران لعدم تعاونها مع المفتشين، على حد تعبير الوكالة، قلّصت الحكومة الإيرانية من المراقبة الدولية لبرنامجها النووي وأعلنت عن منشآت تخصيب متطوّرة جديدة تحت الأرض.

ومع ذلك، كما يذكّر الكاتبان، وعدت إسرائيل منذ فترة طويلة بأنها لن تتسامح مع تسلّح إيران نووياً، وبأنها ستعمل خارج المؤسسات الدولية متعددة الأطراف لتحقيق هذا الهدف.

تبعاً لذلك، اغتالت إسرائيل علماء ومسؤولين عسكريين إيرانيين، وشنّت هجمات جوية على أهداف إيرانية في سوريا ووسعت من قدراتها الهجومية، على الأرجح استعداداً لهجمات جديدة محتملة على المواقع النووية والمنشآت العسكرية الإيرانية.

ولاحظ فانتابي ونصر في الوقت عينه، أنّ الإسرائيليين يسعون – بدعم أميركي – لتنظيم تحالف عسكري مع عدد ممكن الدول العربية ضد إيران، كما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية مؤخراً، حيث عقدت الولايات المتحدة اجتماعاً في آذار/ مارس الماضي مع مسؤولين أمنيين من مصر وإسرائيل والأردن وقطر والبحرين والسعودية والإمارات لدمج تبادل المعلومات الاستخبارية وأنظمة الدفاع الجوي لمواجهة تهديدات جوية محتملة من إيران.

لكن ليس هذا ما تريده بالضبط الأدارة الأميركية، فبحسب الكتابين تؤدي هذه التطورات إلى تقويض خطط واشنطن الخاصة بالشرق الأوسط، حيث جادل البيت الأبيض معتبراً أنّ إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة هي أفضل طريقة للسيطرة على برنامج إيران النووي. أما بحال فشل ذلك، يبدو أنّ الإدارة الأميركية مستعدة لتبنّي النهج الإسرائيلي الداعي لتنفيذ هجمات داخل إيران.

وأتى في المقال أنّ التحالف العسكري الجديد بين الدول العربية وإسرائيل ضد إيران هو في جوهره وظيفة جديدة لاتفاقات إبراهيم، التي مثلت إنجازاً في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي ربط إسرائيل بالبحرين والمغرب والسودان والإمارات.

وتابع المتخصصان في شؤون الشرق الأوسط: “يذكرنا الوضع بالسبعينيات، عندما كلّف الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون شاه إيران بأمن الشرق الأوسط. وبالمثل، فإنّ إدارة بايدن – في الواقع – تسلّم مهمة احتواء إيران إلى إسرائيل. هذا نهج محفوف بالمخاطر: على عكس ما كان عليه قبل حوالي 50 عاماً، هذه المرة الشرطي المعيّن من قبل الولايات المتحدة للمنطقة لا يحاول تجنّب الصراع ولكنه الفاعل الإقليمي الأكثر وضوحاً بالدفع باتجاه التصعيد. يجب أن تتبنى واشنطن استراتيجية مختلفة تهدف إلى تجنّب الصراع، وذلك من خلال الجمع بين الأمن الإقليمي المعزز وتشجيع العلاقات الدبلوماسية القوية بين إيران والدول العربية – أحد الأشياء القليلة التي يمكن أن تساعد في تقليل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط”.

الأخطبوط الإسرائيلي

ويركّز المقال أكثر على الدور الإسرائيلي في كل ما يجري، مذكّراً بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته نفتالي بينيت اعتبر أنّ العودة للاتفاق النووي ستمنح إيران المزيد من الموارد لمواصلة طموحاتها النووية والإقليمية. وعلى عكس سلفه، بنيامين نتنياهو، أمضى بينيت القليل من الوقت في حملة ضد الصفقة، وبدلاً من ذلك كثّف جهوده ليس فقط لتخريب البرنامج النووي الإيراني بل لتقويض أمن الجمهورية الإسلامية، كما أورد المقال.

وفي أوائل حزيران/ يونيو الماضي، تحسّباً لتراجع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن الضغط على الحكومة الإيرانية بسبب عدم التعاون مع المفتشين النوويين، أعلن بينيت أمام الكنيست: “انتهت أيام الحصانة التي تهاجم فيها إيران إسرائيل وتنشر الإرهاب عبر وكلائها الإقليميين وتظل سالمة”.

إسرائيل تعهّدت بعدم السماح لإيران بأن تكون قوة نووية

وكان بينيت قد أطلق على الاستراتيجية الإسرائيلية المعتمدة ضد إيران اسم “استراتيجية الأخطبوط”، والتي تشمل التخريب، الاغتيالات، الحرب الإلكترونية والهجمات على الأفراد العسكريين الإيرانيين والبنية التحتية، بالإضافة إلى حلفائها في العراق ولبنان وسوريا.

النهج الجديد – الذي يتجاوز استهداف المنشآت النووية للتركيز بشكل أوسع على الجمهورية الإسلامية نفسها – كان أقل قابلية للتنبؤ به وأكثر عدوانية وأكثر تعقيداً من الحملات الإسرائيلية السابقة، حسبما ورد في المقال.

ولاحظ الكاتبان أنه في الأسابيع الأخيرة، وسّعت إسرائيل أهداف اغتيالاتها بما يتجاوز تلك المرتبطة بالبرنامج النووي، وعلى الأخص عندما قتل عملاء الموساد عقيداً في الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) في طهران. وتابعا: “ولم يكن ذلك حادثاً منفرداً: فقد وردت تقارير عديدة مؤخراً عن وفيات غامضة وانفجارات مشبوهة وحوادث صناعية”.

وبرأي فانتابي ونصر، كان من الأمور الحاسمة لاستراتيجية بينيت بناء قدرات إسرائيل على حدود إيران. وبحسب مصادر الكاتبين في المنطقة، اعتمدت حملة التخريب والاغتيال الإسرائيلية داخل إيران على قواعد في أذربيجان، التي تشترك في الحدود مع إيران في الشمال، وإقليم كردستان العراق المتاخم لإيران في الغرب.

إضافة إلى ذلك، لفت الكاتبان إلى أنّ اتفاقيات إبراهيم وسعت بالفعل من نفوذ إسرائيل في الخليج من خلال الترتيبات الأمنية مع البحرين والإمارات، اللتين يشارك قادتهما إسرائيل في كثير من مخاوفها بشأن طموحات طهران النووية والإقليمية.

وأضاف المقال أنّ إسرائيل الآن بصدد إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع الإمارات، فضلاً عن تزويد حلفائها الخليجيين بأنظمة دفاع جوي ورادارات وتكنولوجيا إلكترونية متطورة. كما تشجع واشنطن مصر والأردن على تعميق العلاقات الأمنية مع إسرائيل وتدعم الجهود المبذولة لإدخال السعودية في الاتفاقات لترسيخ محور عربي لاحتواء إيران. ورجّح المقال أن تكون هذه القضية على جدول الأعمال عندما يتحدث بايدن مع نظرائه السعوديين في رحلته إلى الشرق الأوسط.

لعبة إيران بعيدة المدى

وجاء في المقال التي نشرته “فورين أفيرز” أنه بينما تهاجم إسرائيل، تسعى إيران لكسب الوقت. وأضاف المقال: “من خلال تجنّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، يمكن لطهران تقوية برنامجها النووي وتعزيز برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتوسيع قدراتها العسكرية في العراق ولبنان وسوريا واليمن”.

ووفق فانتابي ونصر، يعتقد المسؤولون الإيرانيون أيضاً بأنه إذا تمكنت إسرائيل من جر طهران إلى صراع أكبر، فستضطر إدارة بايدن إلى التدخل عسكرياً، فضلاً عن أنّ تصاعد الأعمال العدائية من شأنه أن يزيد من اقتراب الدول العربية من إسرائيل.

وأشار المقال إلى أنّ إيران بدورها أيضاً تهاجم إسرائيل، في الغالب من خلال وكلاء مثل حركة “حماس” الفلسطينية وحزب الله اللبناني.

وفي هذا الإطار عدّد الكاتبان الأحداث التالية خلال الأشهر الماضية:

  • أطلق حزب الله طائرة من دو طيار داخل الأراضي الإسرائيلية.
  • الجماعات العراقية المتحالفة مع إيران نفذت هجوماً إلكترونياً على مطار إسرائيل الرئيسي.
  • حركة “حماس” أطلقت صواريخ على الطائرات الإسرائيلية.

واستنتج الكاتبان من وراء ذلك أنّ إيران تُظهر استعداداً متزايداً لاستهداف المواقع الاستخبارية الإسرائيلية القريبة من حدودها وزيادة التكاليف على الدول التي تسهل العمليات الإسرائيلية ضدها.

ويستدل فانتابي ونصر على هذا الأمر بملاحقة إسرائيل أعضاء في الحرس الثوري الإيراني، ويذكّران بأنه بعدما قتلت الضربات الجوية الإسرائيلية اثنين من قادة الحرس في سوريا، وأدى هجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية من أراضي كردستان العراق إلى تدمير منشأة عسكرية في غرب إيران، نفذت طهران تدريبات عسكرية على حدودها مع أذربيجان وهاجمت أهدافاً في كردستان العراق زعمت وجود قاعدة للموساد فيها.

ولم ينسَ المقال أنّ إيران ضغطت على حلفائها العراقيين لإصدار قانون يجرّم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث يهدف القانون لإبقاء العراق خارج دائرة نفوذ إسرائيل الآخذة في الاتساع والضغط أيضاً على حكومة إقليم كردستان شبه المستقلة لتقليص تعاونها مع إسرائيل.

إحياء الصفقة النووية

في خضمّ هذه الاضطرابات المتصاعدة، يتفاوض أعضاء إدارة بايدن في الدوحة، بالتنسيق مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي، لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. هذا، من نواح كثيرة، تمرين على السيطرة على الأضرار، كما أورد المقال في “فورين أفيرز”.

واعتبر الكاتبان أنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي في عام 2018 أدى إلى تقصير الفترة الزمنية التي ستحتاجها طهران لصنع قنبلة وتقوية يد المتشددين في إيران. فبموجب الاتفاق الأصلي، كان يمكن لإيران أن تحصل على مواد انشطارية كافية لقنبلة واحدة لمدة عام. الآن، بموجب اتفاق جديد، سيتم تقليص هذا الإطار الزمني إلى ستة أشهر.

وشدد المقال على أنّ الضغوط والعقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران قيّدت بشكل كبير تجارة النفط الإيرانية، مما دفع الحرس الثوري إلى تأمين ميزانيته من خلال إدارة قدر كبير من هذه التجارة غير المشروعة بشكل مباشر، وفق فانتابي ونصر.

وأضافا: “منذ عام 2018، باعت إيران النفط بشكل سري، وذهب الجزء الأكبر من تجارتها عبر الأسواق السوداء، مما سمح للحرس الثوري الإيراني ببيع حصته من النفط وبناء تكتلات اقتصادية. ونتيجة لذلك، فإنّ الجزء الأكبر من إيرادات الحرس الثوري الإيراني يقع الآن خارج الميزانية الحكومية الرسمية”.

ويرى فانتابي ونصر أنّ الأفراد المؤثرين داخل الحرس الثوري بات لديهم الآن حافز قوي لمقاومة صفقة نووية جديدة، لأنّ ذلك سيعيد عائدات النفط مرة أخرى إلى الحكومة الإيرانية. هكذا سيتعيّن على الحرس تقديم ميزانيته للرقابة المدنية، ومن المرجح أن يواجه ضغوطاً عامة للتخلي عن جزء منها.

سيكون هذا التطور غير مرحب به، كما يذكر المقال، في وقت يسعى فيه الحرس إلى زيادة قدرته العسكرية للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل.

وأكد الكاتبان أنّ الصفقة ستبعث الحياة في الاقتصاد الإيراني، في وقت يتنامى فيه السخط الشعبي، كما سيولّد فرصاً تجارية مع جيران إيران، في وقت تعمل فيه إسرائيل على توسيع علاقاتها مع الدول العربية.

“يمكن للقادة الإيرانيين الذين يفضلون الصفقة التغلّب على مقاومة الحرس الثوري إذا كانت الوعود الاقتصادية للاتفاق كبيرة وفورية، وإذا كانت إيران واثقة من أنها ستتحقق. كما أنّ الفشل في التوصل إلى اتفاق يزيد من مخاطر التصعيد مع إسرائيل. لكنّ الحرس الثوري الإيراني يتمتع بنفوذ قوي على الحكومة الإيرانية. ومن المفارقات أن كلاً من إسرائيل والحرس الثوري يعارضان الاتفاق النووي ويستعدان لصراع يلوح في الأفق”، كما نوّه الكاتبان.

طريق إلى الأمام

بناء على ما سبق، اعتبر الكاتبان أنه في الأسابيع المقبلة، ستكون المشاركة الأميركية حاسمة لمنع حرب الظل بين إيران وإسرائيل من الخروج عن السيطرة، حيث يمكن أن تنفجر الهجمات المتصاعدة من قبل إسرائيل والوكلاء الإيرانيين في مواجهة أكبر، مما يؤجج التوترات من بلاد الشام إلى شبه الجزيرة العربية.

وفي المقال، تطوّرات من هذا النوع يمكن أن يتؤدي إلى ما يلي:

  • إطالة أمد الأزمات السياسية في العراق ولبنان.
  • إخراج الهدنة الهشة بين الحوثيين المدعومين من إيران والقوات التي تقودها السعودية في اليمن عن مسارها.
  • إعادة إشعال الصراع في سوريا.
  • جرّ الولايات المتحدة للخلف وإجبارها على التعامل مع الشرق الأوسط في الوقت الذي ترغب فيه بالتركيز على روسيا والصين.

لتجنب هذه النتائج، برأي الكاتبين، يجب على إدارة بايدن اتخاذ الخطوات التالية:

  • وضع خطوط حمراء مع الحكومة الإسرائيلية والإصرار على وضع حدود للهجمات الاستفزازية.
  • وضع الخطوط العريضة لاستراتيجية استقرار الشرق الأوسط من دون أن تستند فقط إلى الاحتواء والمواجهة مع إيران أو تأمين خفض قصير الأجل لأسعار النفط.
  • إنشاء إطار دائم لمنع الصراع في المنطقة.

وخَلُص المقال إلى أنّ الطريقة الأكثر فعالية للقيام بذلك هي إبرام صفقة نووية جديدة مع إيران، لافتاً إلى أنّ هذه الصفقة لن تحقق ما يكفي لإرضاء إسرائيل، كما لن توقف أنشطة الحرس الثوري الإيراني ووكلائه في المنطقة، إلا أنها ستبقي على موقفها تجاه برنامج إيران النووي بطريقة تجعل التحرك الإسرائيلي العاجل غير ضروري، ما من شأنه أن يقلل من احتمالية قيام إيران بأعمال انتقامية في المنطقة – بما في ذلك ضد الناقلات ومنشآت النفط – والتي يمكن أن تزعج أسواق الطاقة العالمية.

يمكن أن يؤدي عقد الصفقة إلى تغيير علاقات إيران مع جيرانها الخليجيين، على حد تعبير فانتابي ونصر، حيث حاولت طهران تعزيز علاقاتها مع الكويت وعمان وقطر، كما حرصت على تحسين العلاقات مع الرياض وأبو ظبي.

إضافة إلى ذلك، لفت الكاتبان إلى أنه بعد خمس جولات من المحادثات بين إيران والسعودية يدخل وقف إطلاق النار في اليمن الآن شهره الثالث. وتابعا: “الاتفاق النووي سيضيف زخماً لهذه المبادرة. بالمقابل، من المرجح أن تؤدي المزيد من العقوبات والهجوم الإسرائيلي على البرنامج النووي الإيراني إلى إيقافه في مسارها ، مما يضع المنطقة على مسار تصعيد خطير”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: