الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 يوليو 2022 11:05
للمشاركة:

إيران ومستقبل بحر قزوین .. مصالح مع روسیا وجرح لم يندمل

خطوة أخری لتنفیذ فكرة "الدبلوماسیة الإقليمية للإنقاذ الاقتصادي"، هكذا وصفت صحيفة "إيران" الحكومیة زیارة الرئیس الإيراني إبراهيم رئیسي إلى العاصمة التركمنستانیة عشق أباد، والتي حملت في طیّاتها علی ما یبدو آفاقاً جدیدة لتحیید أثر العقوبات الاقتصادیة علی طهران من دون الخضوع أمام مطالب الولايات المتحدة وحلفائها.

وبعد سلسلة لافتة من الزیارات الإقليمية خلال نحو عام، والتي وصفتها وسائل الإعلام المؤیدة للحكومة بغیر المسبوقة، وصل الرئیس الإيراني یوم الأربعاء 29 حزيران/ يونيو 2022، إلى عشق أباد للمشاركة في اجتماع القمة السادس لقادة الدول المطلة علی بحر قزوین، والذي تزداد أهمیته الجیوسیاسیة في ظل التطوارات الدولیة والإقليمية، منها الحرب في أوكرانيا.

وناقش رئیسي خلال الاجتماع العام ولقاءات ثنائیة مع القادة عدداً من الملفات، في مقدمتها النظام الحقوقي لبحر قزوین وإمكانية تحدیثه وفق المصالح المشتركة، إلى جانب تعزیز البنیة التحتیة للنقل بین الدول الخمسة (أي روسیا، كازاخستان، أذربيجان، تركمانستان وإيران)، مما یؤدي إلى ارتفاع مستوی التجارة بینها.

وأكد رئيسي ضمن مواقفه علی تمسّك إيران بمبدأ رفض تدخل قوی غیر إقليمية بشؤون بحر قزوین. وفي إشارة ضمنیة وغیر مباشرة إلى مواقف الرئیس الأذربیجاني إلهام علیيف، رأى رئیسي أنّ العلاقات مع إسرائيل لا تجلب للمنطقة سوی التوتر وانعدام الأمن، داعياً الدول المطلة علی بحر قزوین لحماية أمنها من خلال التعاون مع دول الجوار.

وفي إطار استعراض فرص وقدرات بلاده لتوسیع العلاقات الاقتصادیة بین الدول الخمسة، أكد الرئيس الإيراني أنّ فرصة إيران استثنائیة لإعادة الحیاة الاقتصادیة إلى بحر قزوین والدول المطلة علیه، من خلال موانئ هذه الدول الجنوبية، إلى جانب شبكة واسعة من خطوط سكك الحديد والطرق التي تربط جنوب أسیا ببحر قزوین.

وفي ختام زیارته، تمكّن رئيسي من الحصول علی إنجاز دیبلوماسي آخر عندما نال موافقة الدول المشاركة في القمة لعقد الاجتماع القادم في العاصمة الإيرانية.

وتتحدث التقاریر عن ارتفاع مستوی التجارة غیر النفطیة بین إيران والدول الخمسة المطلة علی بحر قزوین – والتي قد تشكل اتحاداً اقتصادیاً فعالاً في آسیا خلال السنوات القادمة – بنسبة 38% خلال الشهرین الأولین من العام الإيراني الذي يبدأ في أذار/ مارس، مقارنة بذات الفترة في العام الماضي، حیث وصل إلى نحو 900 ملیون دولار.

وبلغت حصة إيران من الصادرات 250 ملیون دولاراً، في حين تأتي أذربیجان في مقدمة الدول المستوردة من إيران، بینما یتجاوز مستوی استیراد إيران السلع والخدمات من تلك الدول 640 ملیون دولاراً.

وفي السياق لفت المتحدث باسم الحكومة بهادري جهرمي إلى الرؤية الإيرانية الجدیدة لاستخدام الفرص الاقتصادیة الموجودة في أسواق منطقة بحر قزوین، باعتبارها أداة أخرى لتحیید أثر العقوبات، إضافة إلى تعزيز مكانة بلاده كقطب تجاري تمر عبره جمیع الممرات الاستراتیجیة في آسيا من الجنوب وصولاً إلى الدول الشمالیة.

المواقف الأمنیة المشتركة تلقي بظلالها علی التحدیات الحدودیة

تاریخیاً، تعود جذور التنافس الإيراني – الروسي علی الحصص من بحر قزوین إلى ما قبل تأسیس الاتحاد السوفیتي. وفي معركة كبیرة انطلقت بین البلدین عام 1826، خسرت إيران حدودها أمام الجار الروسي الشمالي واضطرت بعد نحو عامین للقبول بمعاهدة سلام تسمی “تركمنتشاي” (تعتبر المعاهدة رمزاً للخسارة والاستسلام في الأوساط السیاسیة الإيرانية)، ثبّتت خسائر استراتیجیة طویلة الأمد، منها التنازل عن إقليمَيْ “إيروان” و”نخجوان” لصالح روسیا، إضافة لحرمانها من الملاحة العسكریة والتجاریة علی حد سواء في بحر قزوین.

لكن تغییر البوصلة في موسكو جدّد آمال طهران باستعادة حقوقها التاریخیة، حیث أعاد قائد الثورة البلشفیة فلادیمیر لنین النظر في المعاهدة وتخلّى عن بند حرمان إيران من الوصول إلى میاه قزوین، من دون تحدید الظروف والشروط الجدیدة، في خطوة لإعادة بناء الثقة بین الجانبین وزرع صورة إيجابية للثورة الناشئة في أذهان الإيرانيين.

وكان بحر قزوین یشكل ملفاً عالقاً بین الطرفين، إلا أنّ انهیار الاتحاد السوفیتي وتفككه إلى دول عدیدة زاد من تعقید الملف، حیث أصبح البحر محاطاً بخمس دول تطالب كل منها بحقوقها الخاصة في مجال الملاحة وترسم حدوداً وما یتجاوز ذلك من مصادر الطاقة والأمن.

وفي عام 1997، توصلت كل من روسیا وأذربیجان وكازاخستان إلى اتفاق ثلاثي من شأنه الاعتراف بترسیم الحدود البحریة بینها، بحصة تقارب 64% من مساحة البحر، تاركة المساحة المتبقیة، أي نحو 34% لإيران وتركمنستان.

من جهتهما اعتبرت الدولتان الأخیرتان الترسیم هذا غیر عادلاً. وتمكنت إيران عام 2014 في عهد الرئیس حسن روحاني من جذب التضامن التركسمتاني للإعلان عن رفضهما المبادرة الروسیة، فاستؤنف الحوار بین الدول الخمسة من جدید وأدى أنذاك إلى إنشاء نظام حقوقي خاص للدول المطلة علی البحر عام 2018.

ورغم توقیع الدول الخمسة علی النظام الجدید، إلا أنّ ملف الحدود هذا لا يزال مفتوحاً، حیث لم تعلن إيران رسمیاً قبولها بحصة 13% من البحر، والتي تعتبرها غیر عادلة.

لكنّ التحدیات الأمنیة المشتركة للدول المطلة علی بحر قزوین – تحديداً إيران وروسیا – في مواجهة الغرب، وتقارب مواقفهما الإقليمية، خاصةً بعد الأزمة السوریة، ألقت بظلالها علی التحدیات الحدودیة، حیث تحرص طهران على عدم إظهار حساسیة عالیة تجاه الملف بقدر اهتمامها بالتضامن مع روسیا لمنع دخول لاعبين جدد إلى بحر قزوین، تحدیداً من بوابة أذربیجان.

ورغم المصلحة بتأجيل النقاش علی الملفات الحدودیة، تبدو المؤسسات العسكریة الإيرانية متسمكة بحصة تصل إلى 20% من بحر قزوین، حیث أجرى الجیش الإيراني مناورات ضخمة خلال العام الماضي في مساحة واسعة لتكريس سيادة طهران على 20% من المياه هناك. مناورات تحمل رسالة مفادها بأنّ الجرح لايزال مفتوحاً.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: