الإصلاحيون وحكومة رئيسي.. بعيدون تماماً وقريبون جداً
في العام الماضي، قبل أیام قلیلة من انتخابات الرئاسة الإيرانية، وبینما كانت المعارضة الإصلاحية توجه انتقادات واسعة لأداء مجلس صیانة الدستور علی خلفیة طرده منافسي إبراهيم رئیسي من المشهد الانتخابي وتناقش في الوقت نفسه خیارات مرتبطة بمقاطعة الانتخابات، انتشرت صورة هزت المشهد السیاسي في البلاد بأسره.
الصورة كانت تظهر اجتماعاً استثنائیاً بین المرشح رئیسي ورؤساء وسائل الإعلام الإصلاحية من الجرائد والمواقع. جری الاجتماع في أجواء ودیة للغایة حسب التقاریر المتناولة آنذاك، حیث أكد رئیسي خلاله علی توجهات حكومته الوطنیة، متجاوزاً الانتماءات الحزبیة الضیقة، بینما أعرب الإعلاميون الإصلاحيون عن ترحیبهم ببرامج رئیسي الانتخابیة، مثمّنين أداءه الإيجابي خلال الفترة التي تولی فيها رئاسة السلطة القضائیة في البلاد.
الرسالة كانت واضحة من قبل المرشح الأوفر حظاً للرئاسة: لا أمثل تیاراً أصولياً في الانتخابات كما یشاع، ولا یعني انتصاري هزیمة للإصلاحيين.
الرسالة هذه لم تؤدِّ لوقوف الأطراف البارزة من الإصلاحيين في معسكر رئیسي كما كان متوقعاً، لكنها أحدثت شرخاً عمیقاً بین الجهات التي كانت تتجه نحو خیار المقاطعة، حیث تراجع التیار المعتدل من الإصلاحيين، المتمثل في حزب “كارغزاران” (مجموعة تؤيد تجربتَيْ هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي الرّئاسيّتين بمیول لیبرالیة بحتة) عن هذا الخیار، معلناً دعمه ترشيح الرئيس السابق للمصرف المركزي عبد الناصر همتي، في حين ظلّ حزب “اتحاد ملت” (بوصفه القاعدة الرئیسیة للإصلاحيين ویمثل بدیلاً عن حزب مشاركت الذي انحلّ بعد انتخابات عام 2009) متمسكاً بخیاره لعدم دعوة الناس للمشاركة في ساحة ليس فيها منافس حقيقي، برأي هذا الحزب.
ووصلت الفجوة إلى مستوی القادة الإصلاحيين قید الإقامة الجبرية، حیث رفض رئیس الوزراء الأسبق میر حسین موسوي المشاركة في الانتخابات، بینما أدلی رئیس البرلمان الأسبق مهدی كرّوبي بصوته في مكان إقامته، داعیاً النظام إلى الانفتاح في الداخل وخفض التصعید في الخارج.
من جهتها رحبت مواقع ووسائل إعلام أصولية – منها صحیفة كیهان – بقرار تیار من الإصلاحيين بالمشاركة في انتخابات كانت نسبة المشاركة فيها أهم تحدٍّ في ظل تصاعد الاستیاء الشعبي من تدهور الظروف الاقتصادیة، إلى جانب عدم وجود تنافس بین المرشحین یشجع الناس علی التصویت بعد رفض أهلية وجوه كبار، منهم علي لاریجاني وإسحاق جهانغیري عبر قرار مجلس صیانة الدستور.
وبعد مرور نحو عام من الانتخابات، لا زالت تسود الازدواجیة نفسها في معسکر الإصلاحيين، حیث تتجنّب جهات متشددة منهم الاعتراف بشرعیة الحكومة، وتخاطب النظام بدل الرئیس، بینما تحاول الجهات الأخرى أن تبقي باب الحوار بینها وبين الحكومة مفتوحاً، أو في بعض الأحيان التعامل معها بشكل مباشر.
وتمثل الرسالة الأخیرة التي وجهتها “جبهة الإصلاحات” بقیادة بهزاد نبوي – الإصلاحي البارز الذي رفض بقوة خیار مقاطعة الانتخابات – يوم الاثنين إلى رئیسي آخر خطوة في هذا المجال حتی الآن.
وعبّرت الجبهة في رسالتها عن تقديرها جهود الحكومة لتحسین ظروف الناس، لكنها وجهت انتقادات لافتة لعدد من السیاسات الأساسية التي تُمارس داخلياً وخارجياً. وعلی ما یبدو تهدف التیارات الإصلاحية التي تقف خلف هذه الاجراءات للحفاظ علی العلاقات مع الحكومة والابتعاد عن شیطنتها، لكنها في نفس الوقت تصرّ على وجود مسافة بینها وبين الحكومة، ملقیة اللوم علی سیاساتها التي تصفها بغير الواقعیة.
وفي المقابل التزم رئیسي بوعوده السیاسیة خلال حملته الانتخابیة علی الأقل حتی الآن، حیث تجنّب الدخول في الجدلیات السیاسیة التي طالما كانت تحصل بین المعسكرين الإصلاحي والأصولي رغم میل وزرائه إلى التیار المحافظ.
إضافة إلى ذلك، لم يمارس الرئيس الإيراني تصرّفات انتقامیة، حيث لم تواجه أي وسیلة إعلامية إصلاحية وقفت ضده عندما كان مرشحاً مشاكل تتعلق بالتضييق عليها مثل ما جری في عهد الرئیس الأسبق محمود أحمدي نجاد علی سبیل المثال، بل تمسّكت حكومة رئيسي بخیار الحوار والوحدة الوطنیة، علی الأقل خلال اجتماعات رسمیة عقدت بین الرئیس وممثلين للأحزاب الإصلاحية والمعارضة في إطار النظام.
ويُلاحظ أنه عندما یوجه رئیسي انتقادات لأداء الحكومة السابقة، يتحدث عن مواقف الرئيس السابق حسن روحاني والمقرّبين منه من المحافظین المعتدلین، ولیس القاعدة الإصلاحية التي وفرت الملایین من الأصوات لروحاني.
ویمکن قراءة نهج رئیسي وتیاره هذا في إطار محاولات لتوسیع قاعدته السیاسیة والاجتماعیة عبر جذب الإصلاحيين، أو علی الأقل عدم استفزازهم. وتزداد أهمیة هذه السیاسة بالنظر إلى حرمان الإصلاحيين من التمثیل السیاسي المباشر في البلاد بعد انتخابات عام 2009، وما اعتبره النظام عصیاناً من قبلهم علي الشرعية، مما دفعهم نحو دعم حسن روحاني بوصفه رجلاً محافظاً لم یكن إصلاحياً في السابق، من أجل البقاء في الساحة السیاسیة.