الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 ديسمبر 2018 11:00
للمشاركة:

إيران وتشابكات الفراغ الأميركي في سوريا

الانسحاب الأميركي من سوريا في الميزان الإيراني

جاده إيران- زكريا أبو سليسل

في لحظة مفاجئة أصدر حاكم البيت الأبيض قراراً يقضي بانسحاب الجيش الأميركي من الأراضي السورية، ذلك القرار الذي لطالما انتظرته طهران ولربما كان على أجندة أعمالها في الساحة السورية، مظهرةً بين الحين والآخر إصرارها على حصوله سلماً أو حرباً، وذلك برغم التصريحات الأميركية التي كانت تضع أهدافا لما تعتبره تدخلا، من ضمنها العمل على إخراج القوات الإيرانية من سوريا، كما عبر عن ذلك المبعوث الأميركي الخاص بسوريا جيمس جيفري قبل أيام قليلة من قرار ترامب بالانسحاب.
فهذا المطلب الأميركي بخصوص إيران كان يُقابل خلال الفترة الماضية بمطلبٍ إيراني يدعو القوات الأميركية لمغادرة الأراضي السورية، ويهدد في الوقت ذاته باستهداف تلك القوات على أيدي فصائل المقاومة السورية كما تصفهم طهران.
ولعل ما أخّر المواجهة الإيرانية-الأميركية في تلك المنطقة هو التوافق التركي الإيراني الروسي على تأجيل معركة إدلب وريفها، إذ أن الرئيس الإيراني حسن روحاني كان قد وعد في شهر آب/ أغسطس الماضي خلال قمة جمعته مع نظيريه الروسي والتركي، بالتوجه إلى شرق الفرات بعد الانتهاء من منطقة إدلب.

إيران وتشابكات الفراغ الأميركي في سوريا 1

موقف اللاموقف
لم يسارع الإيرانيون في التعليق على القرار الأميركي، لكن تريثهم لم يدم طويلاً، فالحرس الثوري مثلاً استغل أجواء المناورة العسكرية التي كانت تجريها قواته البرية على شواطئ الخليج ليصف الانسحاب الأميركي من سوريا بأنه هزيمة للإدارة الأميركية.
وعلى خلاف ذلك الموقف الذي أدلى به نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ظهر اللاموقف من الخارجية الإيرانية التي سارعت إلى التذكير بانتقاداتها السابقة لفكرة التدخل الأجنبي في المنطقة، كما جاء على لسان كلٍ من الناطق باسم الخارجية بهرام قاسمي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، الأخير أقرّ لاحقاً بعدم وجود موقف إيراني من القضية، معزياً ذلك لغياب المعلومات الكافية حول البرنامج الأميركي في سوريا.

إيران وتشابكات الفراغ الأميركي في سوريا 2

وفي هذا السياق يقرأ الكاتب والمحلل السياسي الإيراني عماد ابشناس في الخلفيات التي تجعل الحرس الثوري يصف الأمر بالهزيمة لأميركا فيقول إنّ “الولايات المتحدة كانت قد أعلنت أنها جاءت لتبقى و لن تسحب جنودها قبل أن تتأكد من حفظ أمن إسرائيل وخلوّ سوريا من الوجود الإيراني، ولكنها اليوم تقوم بسحب قواتها من دون الوصول إلى أي من هذه النتائج”، ما يعني برأيه فشل هذا المشروع الأميركي في سوريا، وبالتالي يمكن لإيران اعتبار القرار الأميركي بمثابة هزيمة، إذا لم يكن الأمر، بحسب ما يتخوف ابشناس، قرارا تسعى أميركا من وراءه لتمهيد الأرضية كي تكون قادرةً على طرح أوراق تخلط بها الأوضاع في المنطقة من جديد.
وربطاً بهذه التخوفات، يتوقع ابشناس خلال حديثه مع “جاده إيران” أن “تكون ورقة الهجوم على إيران حاضرة في أذهان القيادة الإيرانية كأحد تلك الخيارات التي من الممكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة لمواجهة طهران بعد الانسحاب الأميركي من سوريا”، ولذلك فإنه يرى أنّ “الحرس الثوري استغل وقت المناورات العسكرية في مياه الخليج بما تحمله من دلالات قوة واقتدار كي يعبر عن أول موقف إيراني من المسألة”.
من جانب آخر لا يزال القرار الأميركي يتصدر أعمدة الرأي في الصحف الإيرانية، فصحيفة “جوان” الأصولية ذهبت لتفنّد الأسباب التي ساقها ترامب أثناء تبريره لتلك الخطوة، معتبرةً أنها مبررات تمتلئ بالتناقض، لأن جبهة المقاومة هي من هزمت داعش برأيها، وليس أميركا، حسبما يدّعي ترامب.
وقد عدّت الصحيفة هذا الانسحاب اعترافاً من قبل الولايات المتحدة بهزيمتها أمام الجبهة الخاصة بإيران.
فيما بدت صحيفة “جمهوري اسلامي” الوسطية أكثر حذراً أثناء تناولها للموضوع، مشككة في الأهداف والنوايا الأميركية من هذا القرار. ولم تستبعد الصحيفة في ذات الوقت أن يكون هذا الإعلان الأميركي مجرد خدعة سياسية وإعلامية، يسعى من ورائها الرئيس الأميركي لاستجرار أموال خليجية تُساهم في تغطية النفقات التي تحتاجها تلك القوات على الأراضي السورية، وفق ما يتوقعه عماد ابشناس من أهداف لهذه الخطة إن صحت.

اشتباك إيراني تركي
بمجرد الحديث عن التطورات السورية يحضر الدور التركي جنباً إلى جنب مع الدور الإيراني، ويتشابك الدوران أكثر في مناطق الشمال السوري، والمناطق التي يتواجد فيها الأكراد كما هو الحال بالنسبة للأراضي التي تنوي الولايات المتحدة مغادرتها.
وفي هذا المجال كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأميركية تفاصيل مكالمة هاتفية جرت منتصف الشهر الحالي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال فيها الأول للثاني “اسمع، سوريا لك، أنا سأغادرها”.
وقد جاءت هذه المحادثة بين الرئيسين في ظل التجهيزات العسكرية التي أعلنها الجيش التركي لشن عملية عسكرية تستهدف القوات الكردية المتمركزة شرق الفرات، قبل أن يعلن الرئيس أردوغان تأجيلها إلى أجل غير مسمى.
وبرغم تأجيل العملية إلا أن طهران لم تتوقف عن مطالبة أنقرة بضرورة منح خطواتها العسكرية في سوريا شرعية من خلال التنسيق مع حكومة دمشق، مؤكدةً على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنّ “غياب التنسيق لن يساهم في حل المشكلة التي تتخوف منها تركيا”.
فيما وضع عماد ابشناس تلك التوجهات التركية في عداد الأوراق الأميركية التي يبدي تخوفه من وجودها خلف القرار الأميركي، معتبراً كذلك أنّ “حدوث هذه الخطة التركية سيُساهم في تحقيق المصالح الأميركية على حساب طهران”.

إيران وتشابكات الفراغ الأميركي في سوريا 3

سباق إيراني إسرائيلي
“كان الوجود الأميركي في سوريا هو الوسيلة الوحيدة للضغط على بوتين والأسد لإخراج الإيرانيين من البلاد، والآن فقدنا تلك الورقة”، بهذه الكلمات حاول المراسل العسكري في القناة العاشرة الإسرائيلية ألون بن دافيد تشخيص الموقف الإسرائيلي من القرار الأميركي، لتتبعه صحيفة معاريف التي نقلت تصريحاً لمصدر سياسي رفيع يقول فيه “علمنا أن وعود بوتين بشأن إيران تتلاشى ولن تستمر، والآن نعرف أنه لا يمكن الاعتماد على ترامب” مضيفاً أنه “على إسرائيل بعد الآن الاعتماد على نفسها فقط”.
الصحيفة نفسها لم تجد حرجاً في أن تعرض رأياً لها يُخالف التوجهات التحليلية لدى معظم كتاب الرأي في إسرائيل، قائلةً إنّ “سحب القوات الأميركية من سوريا ليس ضد مصالح اسرائيل، بلّ إن ترامب يثبت بذلك دفاعه الكبير عن إسرائيل”، وقد ترافقت هذه التقديرات لمعاريف مع فرضيات رأت أن نشوب حرب في المنطقة سيجعل تلك القوة الأميركية رهينة بيد الإيرانيين، مما سيحوّل الوجود الأميركي من مصلحة إسرائيلية إلى خطر كبير يهدد مستقبلها.
ولعل حجم الاهتمام الرسمي لإسرائيل بالمشروع الإيراني في المنطقة هو من يجعل الخروج الأميركي من سوريا مادة دسمة للنقاش في كافة أوساطها السياسية والإعلامية، فالوجود الأميركي على الحدود السورية العراقية كان بنظر إسرائيل يشكل حجر عثرة في وجه خطوط الإمداد البرية التي ستربط بين طهران وبيروت، وفق ما يراه الباحث في الشأن الإسرائيلي زكريا الأحمد، الذي أشار في حواره مع “جاده إيران” إلى أنّ “إسرائيل تراقب بقلق شديد كلّاً من صناعة السلاح الإيراني في سوريا وبناء القوات العسكرية هناك تحت الرعاية الإيرانية، وتضع هذين الأمرين على رأس المخاطر الإيرانية المحتمل توسعها بعد الانسحاب الأميركي من سوريا”.
لكن إسرائيل برأي الأحمد لا تستطيع إلقاء اللوم الكبير على الولايات المتحدة بعد هذا القرار، لأنها سمحت بسيطرة الجيش السوري مدعوماً بحلفائه الإيرانيين على مناطق الجنوب دون أن تبذل جهداً يُذكر لإعاقة ذلك التقدم، برغم أنّ الحضور الإيراني على تلك الأراضي يعتبر أشد خطورةً على إسرائيل.

إيران وتشابكات الفراغ الأميركي في سوريا 4

وفي تصريحات مخالفة لأجواء القلق الظاهرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية دعا رئيس الأركان غادي أيزنكوت لعدم المبالغة بهذا القرار الأميركي على الرغم من حجمه الكبير، مؤكداً خلال كلمة له في مؤتمر هرتسيليا أنّ جيشه واجه الجبهة السورية على مدار العقود الماضية لوحده، أما اليوم فالقرار الأميركي بسحب القوات من سوريا يأتي في ظل ذروة العلاقات القوية بين الجيش الإسرائيلي والأميركي، بحسب تعبيره.
يلفت الأحمد هنا إلى أن هذه الطمأنات الصادرة عن قائد الجيش الإسرائيلي نابعة من معرفته بحجم المساعدة التي يقدمها الوجود الأميركي في سوريا لجيشه أثناء مواجهته مع إيران، لكنه يعتقد أنها لا ترتقي إلى أكثر من تقديم معلومات استخباراتية عن أنشطة إيران في سوريا والمنطقة، وهذا التعاون برأي الأحمد لا يمكن أن ينقطع بعد تفكيك القواعد الأميركية من سوريا، لأن القواعد الأخرى التابعة لواشنطن والمنتشرة في كلٍ من العراق وتركيا ستعمل على ضمان امتلاك إسرائيل لما تحتاجه من معلومات أمنية تتعلق بصراعها مع إيران.
وعلى هذه الخلفية يستنتج الأحمد أن “حاجة إسرائيل للدعم المعنوي الأميركي خلال معركتها مع إيران هي السبب الرئيسي في الربط الذي حدث مؤخراً بين الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات والتمركز الإيراني على الأراضي السورية”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: