الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة27 يونيو 2022 20:49
للمشاركة:

الانتخابات التركية المقبلة وإعادة تركيب العلاقات بين أنقرة وطهران

غادر الإثنين 27 يونيو/ حزيران 2022 وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلى أنقرة ليلتقي نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، في زيارة أُجَّلت قبل أسابيع، في ظل اتهامات إسرائيلية لإيران بمحاولة استهداف سائحين إسرائيليين في تركيا، إلى جانب حديث انتشر سابقًا عن برودة في العلاقات بين طهران وأنقرة، على خلفية التطور الذي تشهده علاقات هذه الاخيرة مع تل أبيب، فضلًا عن الخلاف الذي بدأت علائمه بين البلدين على خلفية السدود ومياه الأنهار المتدفقة عبر الحدود.

على ضوء ما سبق وغيره وربطًا بالانتخابات العامة المرتقبة في تركيا بعد عام من الآن، نشر موقع “إيراس” الإيراني مقالاً للأستاذ في جامعة تربيّت مُدرّس الإيرانية ولي غُل محمدي، تناول فيه العلاقات الخارجية لتركيا، وتحديدا مكانة جارتها الشرقية إيران في هذه العلاقات. حيث تقدم “جاده إيران” ترجمة كاملة له..

لم تمنح أنقرة أولوية لإيران في علاقاتها الثنائية، بينما عقدت في الأشهر الأخيرة اجتماعات دبلوماسية مع دول المنطقة. وبعد تولّي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الحُكمَ لم يزر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو طهران إلّا مرة واحدة في 15 كانون الثاني/ نوفمبر 2021، فضلاً عن لقاء رئيسَي البلدين على هامش القمة الخامسة عشرة لمنظمة شنغهاي للتعاون في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.

وتم تأجيل زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى أنقرة – التي كان من المقرر إجراؤها في 6 حزيران/ يونيو 2022. كذلك، لا توجد أي تفاصيل حتى الآن عن “الخطة الشاملة للشراكات الاستراتيجية طويلة الأمد بين إيران وتركيا”، التي كان من المفترض أن يوقعها رئيسا البلدين خلال زيارة أردوغان لطهران في نهاية عام 2021. بالمقابل، اتخذت تركيا خطوات دبلوماسية مهمة لتطبيع وتوسيع علاقاتها مع دول الخليج العربية وإسرائيل.
لم تشهد العلاقات بين البلدين في السنوات الثلاث الماضية – في مختلف مجالات التعاون والمنافسة – منحى إيجابياً، حيث تراجعت العلاقات التجارية بين البلدين من عشرة مليارات دولار في عام 2016 إلى 5.6 مليارات دولار في عام 2019، إلى 3.3 مليارات دولار في عام 2020 و 5.5 مليار دولار في عام 2021. في حين أنه في ذروة العلاقات التجارية بين البلدين في عام 2012 (22 مليار دولار)، كان يطمح قادة البلدين لإيصال التجارة الثنائية إلى 30 ملياراً. أما على الصعيد السياحي، فيسافر نحو 2.3 مليون سائح إيراني إلى تركيا سنوياً، بينما يزور إيران نحو 350 ألف تركي فقط في السنة.
ويُعَدّ قطاع الطاقة من أهم مجالات العلاقات الاقتصادية بين إيران وتركيا، والتي شهدت إحصاءاته انخفاضاً في السنوات الأخيرة.
تستورد تركيا نحو 92٪ من احتياجاتها من النفط الخام، أي 630 ألف برميل في اليوم، وكانت إيران سابقاً توفر نحو 40٪ من احتياجات تركيا من هذا النفط، لكنّ هذه العملية توقفت بعد أن أعادت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فرض العقوبات وبدأت سياسة “خفض صادرات النفط الإيرانية وصولاً إلى الصفر”، فتراجعت صادرات النفط الإيرانية إلى تركيا عام 2020 لأقل من 7٪.
عندها عالجت تركيا هذا الانخفاض بزيادة واردات النفط الخام من روسيا والعراق بحجم 212.1 و 191.9 ألف برميل يومياً في 2019. أما في مجال الغاز الطبيعي، فقد أدت الجهود التركية لتنويع واردات الغاز الطبيعي، فضلاً عن زيادة حصتها من الغاز الطبيعي المسال في احتياجاتها من الطاقة، إلى شكوك باحتمال تمديد عقد الغاز مع إيران في عام 2026.
وبلغت حصة الغاز المستورد عبر الأنابيب 71.92٪، وحصة الغاز الطبيعي المسال 28.08٪ في النصف الأول من عام 2019، بينما كان حصة واردات الغاز من خلال الغاز الطبيعي المسال 50٪ في عام 2020.

صدّرت إيران نحو عشرة مليارات متر مكعّب من الغاز الطبيعي إلى تركيا بحصة سنوية تبلغ 18٪، وتراجعت إلى متوسط نحو 6.7 مليارات متر مكعب في السنوات الأخيرة. وبسبب هذا الانخفاض الكبير في اعتماد تركيا على الغاز المستورد من إيران، تشعر طهران الآن بالقلق بشأن كمية وسعر الغاز المُصدَّر اللذين سينص عليهما تمديد العقد الذي تتمنى أن يتم مع أنقرة عام 2026.

وعلى الرغم من المصالح الأمنية المشتركة، إلا أنّ انعدام الثقة المتبادل والمواجهات الجيوسياسية بين الطرفين آخذة بالتطوّر، لا سيما من خلال بعض التطورات في البلدان المجاورة. هناك خلافات واسعة النطاق بين إيران وتركيا بشأن مجموعة من القضايا الجيوسياسية والأمنية في المنطقة، مثل التطورات في شمال سوريا والعراق والقضية الكردية وكذلك إقليم كاراباخ في أرمينيا.
كانت الخلافات في سوريا محور المفارقة في العلاقات بين إيران وتركيا منذ عام 2011، على الرغم من أن البلدين حافظا على درجة من البراغماتية في المواجهات والتنافسات بينهما في هذا الشأن. حتى لو تم حل الأزمة السورية في السنوات المقبلة، فستظل سوريا بؤرة للتوتر والتنافس بين إيران وتركيا على المدى الطويل، وستكون قضايا مثل التدخل العسكري التركي في شمال سوريا والخلافات المتعلقة بالكرد السوريين والسدود التركية على طول نهري دجلة والفرات من بين نقاط الخلاف المستمرة، ناهيك عن أن العراق أصبح أيضاً ملعباً جديداً أمام هذه الخلافات.
وفي حين تحاول القوتان غير العربيتين تحديد مجالات نفوذ ومصالح مختلفة في محيطهما – خاصة في العالم العربي – من أجل الحصول تخفيض إمكانية الاحتكاك والمنافسة، لكنّ وصول جغرافية المنافسة والنفوذ إلى الشام والعراق تشهد المصالح الاستراتيجية للبلدين مواجهة صعبة وناعمة.
فبعد اغتيال قائد فيلق “القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والاحتجاجات التي حدثت لمدة زمنية محدودة للتنديد بالتدخل الإيراني في العراق، اعتقدت تركيا بأنّ هناك مجالاً لدفع الإيرانيين للتراجع في العراق كي تهيئ لنفسها أرضية مناسبة لإحياء نفوذها التاريخي هناك. وفي الوقت نفسه، أدى اتفاق التعاون الثلاثي بين أنقرة، أربيل وبغداد بشأن وضع حزب العمال الكردستاني في كانون الثاني/ يناير 2020 في سنجار من دون مشاركة إيرانية إلى زيادة مخاوف طهران.
وتدلّ حرب إقليم قرّة باخ الثانية – مع تحوّل الميزان الجيوسياسي لصالح المحور الأذربيجاني التركي – إلى ظهور تهديد جديد على حدود إيران الشمالية.
تهدف الإجراءات التركية الشاملة للحفاظ على تفوق باكو العسكري والسياسي في الصراع واستغلال القدرات الاستراتيجية لأذربيجان من أجل فتح جبهة توازن جديدة ضد المنافسين الإقليميين من خلال العمل الدبلوماسي النشط وإنشاء قاعدة عسكرية على الأراضي الأذربيجانية.
إحدى نتائج التطورات الجيواقتصادية الجديدة في جنوب منطقة القوقاز هي زيادة المنافسة على “ممرات” التجارة وعبور الطاقة. فتركيا التي لديها خطط طويلة الأجل تتفوّق في غياب إيران على الصين وروسيا بتوفير طريق العبور الأكثر ملاءمة بين الشرق والغرب.
ويمكن الآن اعتبار الطريق العابر لبحر قزوين المتمركز في تركيا بأنه طريق العبور الأكثر فعالية بين الشرق والغرب من حيث التكلفة وتأثيره على انخفاض المسافة والوقت بشكل كبير. وهذا السيناريو يزيد من تهميش إيران في معادلات ممرات جنوب منطقة القوقاز.
ومع اقتراب الانتخابات العامة في تركيا التي ستجري في حزيران/ يونيو 2023، يتم الحديث عن العلاقات الخارجية لأنقرة كأولوية بسبب متطلبات ديناميات السياسة الداخلية للبلاد. ولطالما لعبت السياسة الخارجية التركية دوراً رئيسياً في تشكيل ديناميات السياسة الداخلية، وخاصة نتائج الانتخابات العامة في البلاد، خاصة أنّ تحويل أدوات السياسة الخارجية كأداة فعالة في الحملات الانتخابية هي إحدى خصائص حملات الرئيس التركي الحالي رجب طيّب أردوغان لاستقطاب أصوات المواطنين.
وفي هذه الفترة التي تسبق الانتخابات، تُعتبر الأزمة الاقتصادية ومسألة اللاجئين والنشاطات العسكرية الكردية من بين القضايا الرئيسية في السياسة الداخلية لتركيا، والتي ستحدد أيضاً أجندات السياسة الخارجية الرئيسية وأولويات العلاقات الخارجية للعام المقبل. وفي هذا المجال تحاول حكومة أردوغان بناء علاقات مع دول في المنطقة يمكن أن تساعد في التغلب على الأزمة الاقتصادية الخالية وإعادة انتخاب أردوغان. هكذا تعود إيران دائماً كإحدى الخيارات الخارجية، رغم أنها تتعارض تماماً مع تطلعات تركيا الأمنية والاقتصادية في سوريا والعراق.

وتُظهر تقييمات الحملة الانتخابية أنّ المنافس الرئيسي لأردوغان في هذه الانتخابات الحاسمة هو الاقتصاد وليس مرشحي أحزاب المعارضة. فالاقتصاد التركي يمر بأزمة حادة مع تضخم بنسبة 73٪، ونسبة بطالة مرتفعة، مع 448 مليار دولار كديون خارجية.

في العام الماضي، فقدت الليرة التركية نحو 56٪ من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي. فإذا كان أردوغان يسعى إلى إعادة انتخابه، فعليه طمأنة الناخبين الأتراك بأنه سيرمم عاجلاً المؤشرات الاقتصادي في البلاد. يحتاج الاقتصاد الآن إلى الاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك تطوير أسواق التصدير. وتتصدر دول الخليج العربية – خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر – قائمة جذب رؤوس الأموال وتطوير العلاقات التجارية لأنقرة.

هذا ما يفسّر ما شهدته الأشهر الأخيرة من ازدحام في اجتماعات أنقرة الدبلوماسية الثنائية مع الرياض وأبو ظبي والدوحة. كما تحاول تركيا أيضاً من خلال تطبيع علاقاتها مع إسرائيل تنمية علاقاتها التجارية وصفقات الطاقة وإحباط أي سياسة أميركية لتقويض سلطة أردوغان المحلية.
شمال سوريا والعراق هما الجغرافيتان الرئيسيتان للنشاط الأمني والجيوسياسي لتركيا في الفترة التي تسبق الانتخابات، الأمر يؤثر كثيراً على سياسة تركيا بشأن القضية الكردية واللاجئين. ويحاول أردوغان بالحديث عن “الإرهاب الكردي” إثارة المشاعر القومية وتعبئة الرأي العام وجذب أصوات الأتراك القوميين.
إن التدخل العسكري التركي في شمال سوريا والعراق بحجة محاربة الإرهاب الذي يتمثل بحزب العمال الكردستاني بالنسبة لأنقرة، وكذلك رفض انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، ينبعثان من نفس سياسة “استيعاب الإرهاب الكردي”.
في هذا السياق، أصبحت منطقة إقليم كردستان العراق شريكاً استراتيجيًا لأنقرة. منذ 17 نيسان/ أبريل 2022، استهدفت تركيا مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل (شمال محافظة دهوك) باستخدام القدرات الاستخباراتية لإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي، لتشنّ هجوماً أطلقت عليه اسم “قفل المخلب” (Claw-Lock) العسكري.

ومن أهداف الهجمات التركية تنفيذ اتفاق أربيل وأنقرة لبناء طريق لنقل الطاقة من كردستان العراق إلى تركيا، الأمر الذي أثار انتقادات من بغداد. ولقد أدى قرب أربيل الاستراتيجي من أنقرة، فضلاً عن التدخل العسكري التركي المكثف شمال العراق، إلى تفاقم مخاوف طهران من أنه قد يستبعدها عن معادلات كردستان العراق ويضع عقبات أمام وصولها إلى سوريا. في مثل هذه الحالة، ازدادت احتمالية اندلاع صراع عسكري بين الجيش التركي والقوات العراقية المتحالفة مع إيران في شمال العراق، وخاصة سنجار.
وبعد ورود أنباء عن تقليص روسيا لوجودها العسكري في سوريا بسبب الحرب الأوكرانية واستبدالها بقوات إيرانية، أعلنت تركيا على الفور قرارها بشن عملية عسكرية وشيكة في شمال سوريا (في تل رفعت ومنبج).
هكذا بدا أنّ تركيا تسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين من خلال هذه العملية: إنشاء ممر أمني من نهر دجلة إلى إدلب لإبعاد الأكراد السوريين عن الحدود الجنوبية الغربية لتركيا، وإنشاء منطقة آمنة بطول 30 كيلومتراً لإيواء مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا.
وتُعدُّ هذه العملية العسكرية فرصة فريدة من نوعها لأنقرة لهندسة تغيير في التركيبة السكانية للأغلبية الكردية في شمال سوريا. ومن خلال القيام بذلك، يستجيب أردوغان لخطر الإرهاب الكردي في شمال سوريا الذي يتحدث عنه، ويتخذ خطوة عملية في حل أزمة اللاجئين السوريين التي تفاقمت بسبب المشاعر المعادية للاجئين في المجتمع التركي في السنوات الأخيرة نتيجة للأزمة الاقتصادية.

إن اتخاذ هذه الخطوات المحفوفة بالمخاطر يزيد من فرص أردوغان في إعادة انتخابه، وذلك من خلال إرسال رسالة للمواطنين عن فعالية سياساته لمعالجة القضية الكردية وأزمة اللاجئين، لكنه يزيد من التوترات غير المرغوب فيها مع طهران. وفي حال تنفيذ عملية تركية شمال سوريا، فالاشتباكات الميدانية، وإن كانت محدودة، بين الجيش التركي والقوات المتحالفة مع إيران لن تكون مستبعدة.

يبدو أنه في الفترة التي تسبق الانتخابات التركية عام 2023 أصبحت طهران جزءاً لا يتجزّأ من المنافسة والصراع في العلاقات الخارجية لأنقرة. وفي مواجهة قضايا السياسة الداخلية التركية الرئيسية التي يحاول أردوغان معالجتها من خلال أدوات السياسة الخارجية بهدف رفع فرصه في إعادة انتخابه، فإن إيران ليست من أولويات التعاون، بل هي في مجال التوتر غير المرغوب فيه.
وعلى طهران أن تشعر بالقلق فعلاً من أن تصبح جزءاً من قضية الحملات الانتخابية والاشتباكات في السياسة الداخلية التركية. وأهم ضرر استراتيجي في العلاقات الإيرانية – التركية هو عدم وجود صيغة للتعاون أثناء التنافس، حيث يتأثر جزء من هذا الأمر بالظروف الحاكمة للنظام الدولية – وخاصة دور الولايات المتحدة – كما يتأثر بديناميات السياسة الداخلية للبلدين. وفي غياب علاقات ثنائية استراتيجية، يمكن أن يكون لتصعيد التوترات وغياب إدارة الخلافات الجيوسياسية عواقب وخيمة على العلاقات الثنائية والدول المجاورة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: