الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 يوليو 2018 16:29
للمشاركة:

تقدير موقف: موسكو وطهران… العلاقات الطبيعية في عالم مأزوم

خاص- جاده ايران

في لحظة دولية حسّاسة، حطّت طائرة مستشار المرشد الإيراني للشؤون الخارجية علي أكبر ولايتي في مطار موسكو. حاملًا رسالتين من المرشد السيد علي خامنئي ومن الرئيس حسن روحاني، توجّه ولايتي للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

على مستوى التوقيت فإن زيارة ولايتي هامة جدًا. فهي تسبق بأيام قليلة قمةً أميركية روسية على مستوى الرؤساء، كما أنها تزامنت مع زيارة لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ضمن زيارات باتت شبه دورية لإقناع موسكو باستخدام نفوذها في الجنوب السوري، لإبعاد القوات الإيرانية وقوات حزب الله في الجنوب السوري إلى مسافة نحو 80 كلم مربع عن الشريط الحدودي بين سوريا والاحتلال الإسرائيلي.

بعد زيارته الكرملين قال ولايتي إن العلاقات الروسية الإيرانية تقف أمام نقطة تحول استراتيجي. ثم أردف ذلك بالحديث عن قرار روسي بالاستثمار في إيران بخمسين مليار دولار في قطاعات النفط والنقل وغيرها، غير أن التعليقات الروسية على هذه التصريحات لم تؤكدها ولم تنفيها. في العموم، يستشّف من تصريحات ولايتي حرص طهران على توطيد العلاقة مع موسكو، لمواجهة ستكون متشعبةً للعقوبات التي سيبدأ تنفيذها ضد إيران مطلع آب أغسطس المقبل، وهذه المواجهة حتى الآن يبدو أنها ما زالت محصورة في البعدين السياسي والاقتصادي.

من هنا ندخل إلى تقدير الموقف حول مستقبل العلاقات الإيرانية الروسية: فهل هذه العلاقات على عتبة تطور إيجابي جديد بحكم حاجة الطرفين لبعضيهما في قضايا مهمة؟ أم أن طرفًا (إيران) محتاج أكثر للطرف الآخر (روسيا) ما يرتب نمطًا جديدًا من العلاقات؟

تشديد ولايتي من موسكو على أن الولايات المتحدة ستخرج بالقوة من المنطقة إن لم تخرج بإرادتها، يمكن ربطه أولًا بلهجة التحدي الإيرانية تجاه واشنطن، والتي يعد ولايتي من أبرز المتحدثين بها، كما يمكن اعتبارها إشارة إلى استعداد إيران للذهاب نحو خيارات كبيرة في المنطقة، وهو ما لا تجد موسكو فيه ضررًا على مصالحها، بل بالعكس، يعزز دورها عبر علاقاتها الجيدة بإيران، وعلاقاتها الطبيعية مع واشنطن وغيرها.

جدول أعمال اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين يتضمّن بندًا أساسيًا، يرتبط بخروج واشنطن من الاتفاق النووي وما يترتب عليه من عقبات تطال إيران، وتاليًا، من المؤكد أن نتائج هذا اللقاء سترخي بظلالها سلبًا أو إيجابًا على العلاقات الإيرانية الروسية. وفي إشارة اعتبرها المراقبون مرونة أميركية بدا لافتًا تصريح الرئيس الأميركي بأنه ينتظر اتصالا من إيران لإعلان جاهزيتها للمفاوضات، معطوفًا على تصريحات وزير الخارجية مارك بومبيو عن نية واشنطن دراسة بعض طلبات الإعفاء من العقوبات لبعض الدول المستوردة للنفط الإيراني. تصريحان يمكن اعتبارهما، لكن بحذر، مؤشران على أن واشنطن تطمح إلى اتفاق نووي جديد مع إيران بشروط أفضل بالنسبة لها. وتتعزز هذه الفرضية إذا ما تم ربطها بما جرى الحديث عنه من مبادرة أميركية تجاه إيران تم إرسالها عبر القناة العمانية.

في هذه الأجواء إذن تدخل العلاقات الإيرانية الروسية مرحلة جديدة. في إيران ثلاثة وجهات نظر بارزة حول العلاقات مع موسكو: الأولى تتمثّل بجناحٍ يرى ألا فارق بين موسكو وواشنطن من حيث التوصيف، أما الجناح الثاني فيعتبر موسكو شرًا لا بدّ منه ولا بدّ من التعامل معه في وجه واشنطن، وهو تيار لا يخفي ريبته من موسكو مستعيدًا تصويتها على فرض العقوبات ضد إيران خلال حقبة أحمدي نجاد، ما يجعل هذا التيار يتعامل مع موسكو على أنها ليست حليفًا يعتدّ به، أما التيار الثالث فعلي النقيض من الآخرين، يرى أن روسيا حليف يجب التصارح معه وتطوير العلاقات، وهذا التيار يبرز من صفوف البيروقراطية الأصولية.

وبمعزل عن ها التعدد الإيراني في النظرة تجاه موسكو، فإن حاجة البلدين لتطوير علاقاتهما تجعل منها علاقات الضرورة للطرفين للأسباب التالية:

– حاجة إيران إلى مظلةٍ سياسية دولية إضافة إلى دورها الإقليمي الجوهري

– استفادة موسكو من شراكة اقتصادية مع طهران في قطاع النفط والمفاعلات النووية

– التعاون من أجل مشروع وصل روسيا بالمحيط الهندي عبر السكك الحديد امتدادا من سانت بطرسبرغ وصولاً إلى جابهار مرورًا بأذربيجان

– استفادة موسكو من بقاء طهران محتاجة لها سياسيًا، على قاعدة أن إيران المأزومة أفضل بالنسبة إلى روسيا من إيران القوية

ثمّة تيار آخر يرى أن علاقة موسكو بطهران استراتيجية ولا تقف عند حدود الضرورة، ويستدل أصحاب هذا الرأي بالمؤشرات التالية:

– موقف السلطة الأعلى في إيران (المرشد) داعم لاستراتيجية هذه العلاقة، بدليل أن ولايتي حمل لبوتين رسالة من خامنئي.

– سابقة توجه بوتين فورًا للقاء خامنئي حين زار طهران العام الماضي، وهو ما لم يحصل من قبل في العلاقات بين البلدين، ما يؤشر على أنها استراتيجية بقرار من قيادة البلدين.

في المحصلة، تبدو العلاقات الإيرانية الروسية متماسكةً وقابلة للتطوير، أكثر من قابليتها للتضعضع، للأسباب المذكورة أعلاه. كم أنه ليس متوقعًا أن تخرج قمة بوتين – ترامب بقرارات استراتيجية تخص إيران، ولا سيما في ظل وجود لاعبين آخرين كالصين والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن القرار الإيراني الأساسي في هذا الموضوع، عدا عن أن ما حمله ولايتي لبوتين، قد يكون جزءًا من التفاوض بالوكالة مع واشنطن عبر موسكو، ولذلك، كل المؤشرات تؤدي إلى أن العلاقات الإيرانية الروسية مستمرة في تماسكها وتطورها في المديين القريب والمتوسط، رغم بعض التباينات في قضايا كالأزمة السورية، وهو ما يملك فيه الطرفان أوراقًا تؤهلهما للتفاوض والتسوية، تتجاوز في قوتها قابليات الاختلاف بين الطرفين.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: