الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 يونيو 2022 16:21
للمشاركة:

من السعودية لإيران.. هل يسعى الكاظمي لإرجاع القطار الدبلوماسي إلى سكته؟

خلال الساعات القليلة المقبلة، يزور رئيس مجلس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي، المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، على رأس وفدٍ رفيع المستوى. الزيارة، وفق المعلومات تندرج في إطار المحادثات التي أجرتها الرياض وطهران في بغداد أخيراً، أي نهاية شهر رمضان الماضي، إذ أدرجتها على خارطة طريق تصحيح العلاقات، وإعادة تصحيح مسارها، وتمتين العلاقات الثنائية، والعمل على فتح آفاق جديدة لها.

وتضيف المعلومات، أن اللقاءات التي ستجرى في الرياض وطهران، ستناقش ملفات مهمة وعديدة فيما يخص الوساطة العراقية لفتح العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ما له بالتأكيد آثار إيجابية على العراق من حيث تعزيز الشراكة والتعاون الإقليمي. المصادر تؤكد أن الزيارة ليس لها أي بعد داخلي، وكل ما يتعلق بحديث الحكومة الجديدة لا يمت إلى الحقيقة بصلة. كما أنها محددة البرنامج والهدف؛ التواصل الخارجي مع مختلف الأطراف لمصلحة العراق، لإيمان هذه الحكومة بأن التقارب الإقليمي يصب في مصلحة العراق، ويعزز من دوره وحضوره الإقليمي والدولي.

الجدير ذكره، أن هذه المفاوضات بين السعودية وإيران كانت تبشر بتغییر أجواء المنطقة، التي تحولت خلال السنوات الماضیة إلی ساحة للحروب بالوكالة، بین أكبر قوتین إقلیمیتین علی ضفتي الخلیج.

فمنذ إعلان الرئیس العراقي برهم صالح عن بدء جولات تفاوضیة بین طهران والریاض باستضافة بغداد في أيار/ مایو 2021، شهدت العلاقات الإیرانیة والسعودیة تطورات لم تكن جوهریة بالتأكید، لكنها تحولت إلی بارقة أمل تنیر التوقعات بشأن مستقبل الملفات المرتبطة بمصیر علاقاتهما.

وخلال تلك الفترة التي انطلقت قبل نحو عام، تراجعت الحملات الإعلامیة الإیرانیة ضد السعودیة إلی حد ما، مقابل عدد من الرسائل المحتاطة والحذرة علی لسان القیادة السعودیة وصفت إیران “بالجارة التاریخیة التي یجب التعایش معها”.

إشارات إيجابية

وبلغت الإشارات الإیجابیة ذروتها خلال الجولتین الأخیرتین (الرابعة والخامسة) من المفاوضات التي انعقدت في بغداد، حیث أكدت مصادر إعلامیة توصل الجانبين إلى تفاهمات أمنیة، بالإضافة إلی المضي قدمًا نحو استئناف العلاقات الدبلوماسیة التي انقطعت بعد اقتحام السفارة والقنصلیة السعودیتین في مشهد وطهران/ علی خلفیة إعدام رجل الدین الشیعي البارز الشیخ نمر النمر في السعودیة.

وأظهرت تفاصيل اللقاءات حينها مدی تقدم وحساسیة المفاوضات؛ حيث انعقدت الجلسة الرابعة، حسب تأكيد مصادر دبلوماسية لـ “جاده إيران”أنذاك، بمشاركة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علی شمخاني، إلی جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودیة عادل الجبیر، فيما أظهرت صورة للقاء الخامس أنه ضم مساعد أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران “سعید إیرواني” و رئيس جهاز أمن الدولة السعودي خالد الحميدان، وقد كان يتوسط الصورة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

من السعودية لإيران.. هل يسعى الكاظمي لإرجاع القطار الدبلوماسي إلى سكته؟ 1

تغير اللهجة في الرياض

لكن، وبعد انعقاد الجولة الأخیرة من المفاوضات في نيسان/ أبریل 2022، تغیرت لهجة المسؤولین السعودیین تجاه طهران تدریجیًا. وبینما أعلنت المصادر الإیرانیة، منها أمانة مجلس الأمن الأعلی وزیر الخارجیة حسین أمیر عبد اللهیان عن تقدم ملحوظ ولقاء محتمل قریبًا علی صعید وزراء الخارجیة للبلدین، رد الوزیر السعودي فیصل بن فرحان علیه بالقول: إن المفاوضات مع إیران لم تشهد تقدمًا كبیرًا رغم كونها إیجابیة بالعموم.

وكما كان متوقعًا، قلل الموقف السعودي من دوافع طهران لمواصلة الحوار، حیث استبدلت مواقفها الإيجابية تجاه مسار المفاوضات بردود سلبیة، محذرة بشأن مستقبله. فعلی سبیل المثال، أعلن المتحدث باسم الخارجیة الإیرانیة سعید خطیب زاده أنه لن تكون هناك جولة تفاوضیة أخری مع السعودیة، “إلا إذا أبدت المملكة إرادة واضحة”. كما أكد خلال المؤتمر الصحفي الأسبوع للخارجیة الإیرانیة یوم الإثنین 20 حزيران/ يونيو 2022، أنه من السابق لأوانه الحدیث عن إعادة فتح السفارات في الریاض وطهران.

وعلیه بدأ الصمت الإعلامي في الأوساط السیاسیة الإیرانیة، وخاصة المتشددة منها، تجاه المفاوضات مع السعودیة ینكسر، من خلال التأكید علی عبثیة التفاوض مع السعودیین.

وفي هذا السیاق، أشار المحلل المقرب من الحرس الثوري مسعود أسد اللهي، في حوار مع صحیفة “همشهري” الصادرة عن بلدية طهران، إلی عدم وجود آفاق حقیقية في التفاوض مع الریاض، قائلًا: “لا توجد إرادة حقیقية لحل المشاكل مع إیران في الریاض، وبالتالي لن تؤدي هذه المفاوضات إلی نتیجة مثمرة”. وتابع أسد اللهي: تعتبر السعودیة هذه المفاوضات أداة يُمكن استغلالها للتعویض عن خسائرها العسكریة في الجبهة الیمنیة وشراء الوقت لعملائها هناك. وبدوره، أعلن المتحدث باسم لجنة الأمن والسیاسیة الخارجیة في البرلمان الإیراني عباس زاده مشكیني أن “مؤشرات رغبة السعودیة لترمیم العلاقات مع إیران بدأت تتلاشى رغم إبدائنا حسن النیة تجاهها”.

اختلاف النهج بين البلدين

وفي إشارة إلی أسباب التعثر الحالية في المفاوضات بین إیران والسعودیة، یؤكد مصدر ديبلوماسي لـ”جاده إيران” علی اختلاف نهج البلدین في التفاوض، قائلًا: “یرید السعودیون الحصول علی تفاهمات حول ملف إقلیمي قبل أن تتجه المفاوضات نحو إعادة العلاقات الدبلوماسیة، بینما تصر إیران علی الأولویات الدبلوماسیة وترمیم العلاقات خطوة بعد خطوة”، ما یظهر أن حالة انعدام الثقة بین الطرفین لم تعالج بعد.

واستنادًا للتطورات الدولیة، يرجع بعض المراقبين خروج قطار المفاوضات بین إیران والسعودیة عن سكته إلى اندلاع الحرب في أوكرانیا، حیث أنها أسهمت في تغییر مقاربة إدارة الرئیس الأميركي جو بایدن تجاه السعودیة وولي عهدها محمد بن سلمان، وعلیه، تشهد علاقات البلدین الحلیفین تحسنًا ملحوظًا في ظل تزاید حاجة الغرب إلی الطاقة بعد ارتفاع الأسعار، وهذا بعد فترة من التوتر في العلاقات دام نحو عام على خلفية مواقف الإدارة الأميركية الجديدة بشأن ملف حقوق الإنسان في السعودية وتراجع دعم واشنطن عنها في الحرب مع اليمن.

إضافة إلی ذلك، يبدو أن مسار مفاوضات فیینا النووي ألقى بظلاله علی نظیره المختص بالملف الإقليمي في بغداد. إذ أن تضاؤل فرص إحیاء الاتفاق النووي خلال الأسابيع الماضية في المسار الأول قد يكون وضع العصي في دواليب التوافق الإقليمي، من خلال عودة الرياض لمطلبها السابق القاضي بوضع الملف الإقليمي إلى جانب النووي على طاولة واحدة. وعليه فليس من المستبعد أن يكون تحرك الكاظمي المفاجئ على خط الرياض- طهران، مرتبطًا بالأوكسجين الذي ضُخ في قناة فيينا بعد التحركات الأوروبية التي تُوجت السبت 25 حزيران/ يونيو 2022، بزيارة منسق السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل لطهران، ولقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين، حيث أكد الطرفان أن المفاوضات ستستأنف خلال الأيام المقبلة. الأمر الذي من شأنه أن يسهل مهمة الكاظمي في استعادة القطار لسكته حتى يصل إلى محطة ترضي جميع الأطراف.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: