الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 يونيو 2022 22:03
للمشاركة:

هل مات الاتفاق النووي؟

نشرت صحيفة "دنياي اقتصاد" مقالاً تحليلياً بقلم "هادي خسرو شاهين" تطرّق فيه لسياسة إدارة بايدن تجاه إيران، واصفاً إياها بسياسة "الضغط التدريجي" لإجبار الطرف الإيراني على الاتفاق، معتبرًا أن هذه السياسة نسخة ثانية من سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجتها الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب، حيث رأى الكاتب في هذه المقالة التي ترجمتها "جاده إيران" أنّ اتباع هذه السياسة يتوجب رداً من طهران يمكن أن يأتي على شكل تصعيد إقليمي، بدلاً من الرد في المجال النووي، الذي قد يتسبب بإضعاف فرص إحياء الاتفاق.

دنياي اقتصاد – هادي خسرو شاهين/ تسمى الدبلوماسية الذكية، لكن يجب قراءتها بالضغط التدريجي. بدء هذه السياسة الجديدة لا يعود إلى عقوبات 16 حزيران/ يونيو التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية، بل أن نقطة البداية فيها تعود لاجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإصدار قرار ضد طهران. وبحسب هذه السياسة، فإنّ الضغط يجب أن يمارس على إيران بمنحدر لطيف حتى تقتنع بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

ويرجع ذلك إلى نتيجة مهمة في واشنطن مفادها بأنه من دون مثل هذه السياسة لن يكون هناك اتفاق في المستقبل القريب. في الواقع، يعتقد مستشارو الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ سبب الجمود في محادثات فيينا ليس فقط طلب إيران إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية، بل كان أيضاً لنهج المبعوث الرئاسي الأميركي للشؤون الإيرانية روبرت مالي، دورًا فاعلًا في هذا الفشل. هذا الاستنتاج الجديد، الذي يدعو لممارسة الضغط التدريجي – مع إدارة الأزمة – إلى جانب الدبلوماسية، هو نسخة من نفس الأسلوب الذي أدى إلى انفصال ريتشارد نيفيو وأريان طباطبائي عن فريق روبرت مالي في تشرين الأول/ أكتوبر. وقال الاثنان إن أميركا لن تكون قادرة على إحياء الاتفاق النووي طالما لم تفرض عقوبات وضغوطًا سياسية على إيران خلال المحادثات. بمعنى آخر، أوضح الرجلان للمفاوِض مع إيران في إدارة بايدن أنّ هذه الأخيرة لن تشعر بالحاجة الملحّة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة طالما استمرت صادراتها النفطية إلى الصين والهند. وبعد تسعة أشهر، أصبحت المقترحات نفسها أساساً لقرارات جديدة في واشنطن.
لكن مالي وبلينكين وسوليفان يتبعون هذه السياسة بحذر شديد هذه الأيام، كما يعترفون بأنّ بدائل الاتفاق النووي مكلفة وغير ملائمة. وبأنه في الوقت الذي يكون فيه سوق الطاقة العالمي في حالة اضطراب بسبب حرب أوكرانيا، فإن الاقتصاد الأميركي ليس بحالة جيدة، والرأي العام الأميركي لديه خوف شديدة من التدخل في الشرق الأوسط، وأي تصعيد للأزمة في المنطقة قد يؤدي إلى سقوط الديمقراطيين في الفترة التي تسبق انتخابات الكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر. لذلك، مع كل خطوة تدريجية باتجاه الضغط، يتم تنشيط القنوات الدبلوماسية.

على سبيل المثال، قبل إصدار قرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كتب بايدن خطاباً إلى إيران يشير خلاله إلى اللهجة الناعمة للقرار، وحتى أن هذا النهج اتبعته هذه المرة أوروبا بعد الحظر المفروض على شخصين وتسع شركات في الإمارات وهونغ كونغ، عندما قيل لطهران إنَ هذه العقوبات ستُرفع بمجرّد إحياء الاتفاق النووي.

في الواقع، يحاول بايدن إبقاء أبواب المفاوضات مفتوحة مع ممارسة الضغط جنباً إلى جنب مع إدارة الأزمة. يبدو أنه في هذا السياق، من المحتمل أن يتم استهداف جزء من عائدات النفط الإيراني في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، لن يكون هذا الاستهداف مكثّفاً بحيث يؤدي إلى تصعيد الأزمة الإقليمية. لكن التنفيذ المنحرف للاقتراحات السلبية لطباطبائي ونيفيو لن يستمر إلى الأبد. ربما حدد مستشارو بايدن موعداً نهائياً للتنفيذ الحذر للسياسات المقترحة للفريق السابق في وزارة الخارجية، (على الأقل حتى نهاية تموز/ يوليو، وعلى أبعد تقدير حتى نهاية أيلول/ سبتمبر). من الآن فصاعداً، من المحتمل أن يفقد الاتفاق النووي فوائده للولايات المتحدة، وسيتم تعزيز سياسة الضغط حتى يتم التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران. في هذه المرحلة، من المرجّح أن تتبع إدارة بايدن المسار الذي جرّبه ترامب من قبل، لكن بهدفين مختلفين.
فإذا شنّت الإدارة الأميركية السابقة سياسة الضغط الأقصى لتحقيق اتفاق شامل يشمل كل شيء، من النووي إلى الدور الإقليمي مع طهران، سيقتصر هدف حملة الضغط الأقصى 2 على اتفاق نووي جديد بدلًا عن الاتفاق النووي القائم. من المحتمل أن تكون هذه السياسة على جدول أعمال إدارة بايدن اعتباراً من الخريف. ستبحث الإدارة بالتأكيد عن مقدمة في هذا الاتجاه اعتباراً من تموز/ يوليو، وسيكون هذا أحد أجندة رحلة بايدن إلى إسرائيل والسعودية الشهر المقبل. من المرجح أن يتم اتخاذ قرارات مهمة في تل أبيب وجدة.

لكن ماذا ستفعل إيران في المقابل؟ كانت سياسة إيران خلال الأشهر التسعة الماضية على الأقل الاستفادة من برنامجها النووي للحصول على تنازلات في المفاوضات. لهذا السبب استمرت عملية تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ و20٪ بشكل مستمر ولكن مع تقلبات. كان الهدف من هذه السياسة تحويل البلاد إلى لاعب نووي على وشك اتخاذ الخطوة الأخيرة، أي تخصيب بنسبة 90٪. ومع ذلك، فإن الاعتماد فقط على هذه السياسة يفتقر إلى الفوائد الضرورية. بعبارة أخرى، يجب على إيران أن تبقي ابواب الدبلوماسية مفتوحة مع زيادة وممارسة الضغط. في الواقع، بينما لا ينبغي للجمهورية الإسلامية أن تظهر نفسها على أنها متحمسة للاتفاق النووي، من الضروري أيضًا إرسال إشارات ضمنية باهتمامها بالتوصل إلى اتفاق دائم. لكن كيف؟ العمل دقيق ومعقد للغاية. على سبيل المثال، يمكن رؤية إحدى هذه الإشارات في تقرير 30 مايو للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويشير التقرير إلى أنه بدلاً من تكديس 60٪ و20٪ من احتياطيات اليورانيوم أو التخصيب بالمستوى المطلوب لصنع القنابل، حوّلت إيران معظم هذه الاحتياطيات إلى ألواح وقود. (38 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ و209 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪). ما تعنيه ضمنياً مثل هذه الخطوة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها هو أنّ إيران ليس لديها نية أو تصميم فوري على التخصيب بقدر برنامج أسلحة نووية. ومع ذلك، مع البداية الملتوية لسياسة الضغط التي تنتهجها واشنطن، بدأت إيران أيضاً بالاستفادة بشكل أكبر في الساحة الدبلوماسية، حيث قامت – على سبيل المثال – بإيقاف 27 كاميرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها لم تمنع ابقاء تشغيل 40 كاميرا أخرى.مثل هذا الإجراء ينقل معنيَيْن متزامنين إلى الجانب الأميركي وحلفائه.


أولاً، أعدّت إيران لنفسها آله ضغط جديدة وحيوية. يعود سبب هذا الادعاء إلى وظائف كاميرات الوكالة. الكاميرات الـ 27 التي تم إطفاؤها هي المسؤولة بشكل أساسي عن مراقبة الأنشطة في مجال مكوّنات أجهزة الطرد المركزي وعملية البحث والتطوير. وتركز الكاميرات الأربعون الأخرى على أنشطة تخصيب اليورانيوم. بمعرفة هذه الاختلافات التقنية يمكن فهم قيمة الخطوة الإيرانية الجديدة. هذه الكاميرات مهمة للغرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يجعلها مستعدة دائماً للحوار، وهكذا أبقت إيران نافذة الدبلوماسية مفتوحة. في الوقت نفسه، وتماشياً مع هذه العملية، بدأت إيران مؤخراً ببناء منشآت نووية جديدة في المناطق الجبلية جنوب نطنز. سيسمح لها هذا الأمر بتوسيع وتسريع برنامج التخصيب في السنوات المقبلة. هنا أيضاً، الهدف هو الاستفادة من إدارة بايدن وممارسة المزيد من الضغط عليها للحصول على المكاسب اللازمة في الاقتصاد والسياسة. (سياسة يبدو أنها مترددة في الاتفاق النووي، لكنها تخفي داخلياً وضمنياً الرغبة بالاتفاق). يمكن أن تستمر سياسة السير نحو الاتفاق وعكسه حتى نهاية الصيف، وقد تكون مصحوبة خلال مرحلة ما بسياسة الضغط التي تنتهجها واشنطن، والتي نسميها نقطة التوازن أو الاتفاق.

لكن مع اشتداد الضغط الأميركي، سيتعين على إيران حتماً اتخاذ خطوة إلى الأمام، والتي يمكن أن تتمثل في الاحتفاظ بالاحتياطيات اليورانيوم المخصب ووقف تحويله إلى ألواح وقود، أو بدء التخصيب بنسبة 90٪؜. بالطبع يمكن لإيران أن تفكر في سيناريو آخر، وهو التركيز على مخاوف الولايات المتحدة المتمثلة في تجنب تصعيد الأزمة في البيئة الإقليمية. بمعنى آخر، قد تفضل طهران اختيار حقل إقليمي بدلاً من اختيار حقل نووي لإظهار رد فعلها على سياسة الضغط الأقصى الثانية بقياده إدارة بايدن في الخريف، واستخدام أدوات أخرى بطريقة منظمة وهادفة للتصعيد إقليمياً. ولا ننسى أنّ أركان الدفاع الإيرانية هي الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة، وبالتالي فإنّ الحاجة إلى حماية ركائز الأمن القومي هذه قد تدفع البلاد إلى استخدام شبكة ردع إقليمية بدلاً من الرد في المجال النووي. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الاحتياطات المتبادلة، يبدو أن وقت تصعيد الأزمة بين طهران وواشنطن سيأتي في الخريف، إذا لم يصل الطرفان بحلول أيلول/ سبتمبر إلى نقطة التوازن التي قد تتمثل إما في إحياء الاتفاق النووي وهذا فرصته أقل أو الوصول إلى اتفاقية بديلة وهذا فرصته أكبر.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: