الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 يونيو 2022 21:03
للمشاركة:

عام على انتخاب رئيسي.. ما هي أبرز الإنجازات والإخفاقات؟

مرّ عام على بدء عهد الرئیس الإيراني إبراهيم رئیسي، بعد انتخابات وُصفت بأنها واحدة من أكثر الاستحقاقات الانتخابیة برودة، حیث انخفض لأول مرة مستوی إقبال الناخبین على صنادیق الاقتراع إلى ما دون 50%، في ظل عدم وجود منافس حقیقي أمام المرشح الفائز، بعد أن تم إقصاء جمیع خصومه عبر مجلس صیانة الدستور الذي رفض أهليّتهم.

یری أنصار الحكومة الحالية أنّ نظریة “توحید السلطة” ستصب في مصلحة إيران، حيث يجعل ذلك الدولة قادرة على تجاوز الفوضی التی شهدتها البلاد أواخر عهد الرئیس حسن روحاني، من الانهیار الاقتصادي إلى الأزمات الخارجية المتلاحقة. في المقابل يعبر الفريق المعارض عن قلقه تجاه ما يعتبره عدم کفاءة الحكومة في إدارة البلاد، في ظل ظروف حساسة للغایة داخلیاً وإقليمياً، خاصة وأنها تسلّمت السلطة بعد إبعاد النخب المحسوبة على التیارات الأخرى. وبین هذا وذاك تبقی حكومة رئیسي في مواجهة تحدیات توصف بأنها الأكبر من نوعها منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

كورونا والتطعیم .. نصر ساحق

بدأت حكومة رئیسي عملها بینما كانت تواجه إيران أزمة كبیرة بعد انتشار فیروس كورونا. فشل العهد السابق في إدارة الأوضاع وفرض قیود مدروسة على الأماكن العامة بهدف احتواء الأزمة، حیث وصل عدد الوفیات لأكثر من 700 شخص يومياً.

إضافة إلى ذلك، اخفقت الحكومة السابقة في تأمین اللقاحات لمواجهة الفيروس، حیث لم تتمكن من الوصول إلى لقاحات متاحة في الأسواق الدولیة، بینما لم تفِ المؤسسات الحكومیة بوعودها المتعلّقة بإنتاج 50 ملیون لقاح للداخل (من نوع بركت). ولوحظ أنه بعد أقل من شهر من بدء عمل الحكومة الجديدة انقلب المشهد وانطلقت عملیة استیراد اللقاحات من الصین على نطاق واسع. وأعلنت الحكومة بعد مرور 100 یوم إنها تمكنت من توفیر أكثر من 100 ملیون لقاح من نوع سينوفارم الصيني. وتشیر المصادر إلى أنّ الاتصال الهاتفي بین الرئیس الإيراني ونظیره الصیني لعب دوراً حاسماً في إنقاذ إيران من كورونا آنذاك.

التضخم وسعر الصرف.. جهود فاشلة حتى الأن

لطالما انتقد رئيسي خلال حملته الانتخابية ما سماه “سیاسة ترك البلاد للمجهول”، والتي قادت للتضخم، الذي انعكس بصورة كارثية على سوق العقارات وأسعار صرف العملات الأجنبية. ووعد رئيسي الشعب الإيراني في تلك الفترة بتغییر الظروف لصالحهم خلال أقل من عام، وفقاً لبرنامج مدروس أعدّه من شأنه كبح جماح التضخم على الأقل بنسبة 10%، وإدارة سوق صرف العملة، إلى جانب إنشاء ملیون وحدة سكنیة كل عام.

لكن وبعد مرور عام من تشكیل الحكومة، لم يتحقق أي من تلك الوعود، بل تفاقمت الظروف بشكل ملحوظ. فالتضخم لم يتراجع إلا بنحو 1%، وهو اليوم في طريقه للارتفاع بعد قرار الحكومة رفع الدعم. أما قيمة الدولار فقد ارتفاعت من 24 ألف تومان مع مغادرة الحكومة السابقة إلى نحو 32 ألف تومان اليوم. كما لم تُظهر الحكومة الحالية أنها حققت تحقیق وعودها بشأن بناء مليون وحدة سكنیة خلال عام. إذ تشهد المدن الكبرى حاليا فوضى عارمة في أسواق العقارات تجعل الحیاة للأسر ذات الدخل المنخفض صعبة للغاية.

المفاوضات النوویة.. متعثرة

رغم تأكيده على عدم ربط مصیر البلاد بمفاوضات، أعلن رئیسي منذ البداية إنه یتابع الحوار لرفع العقوبات وإحياء الاتفاق النووي. وخلال المناظرات الانتخابیة، أكد أنه لن یعارض المفاوضات، بل وسيُعلّم الخصوم طریقة التفاوض المبنیة على العزة والمصالح الوطنیة، على حد تعبيره.

لكن بعد تعيين وزارة خارجيته دبلوماسياً معارضاً للاتفاق النووي الموقع عام 2015 لمهمة العمل على إعادة إحياء هذا الاتفاق نفسه عام 2021، أثار رئيسي شكوكاً بشأن مدی مصداقیة شعاراته الانتخابیة. وبخلاف الظروف المأساوية في ملف كورونا، تُظهر المعطیات أنّ إيران كانت قاب قوسین من الحصول على اتفاق یسمح لها بالعودة إلى أسواق النفط الدولیة في نهایة عهد الرئیس السابق حسن روحاني، إلا أنّ هذا الأمر تغيّر كثیراً منذ ذلك الحین، حیث أنّ الطرفین لم یبتعدا عن الاتفاق وحسب، بل یواجهان الآن خطر الاصطدام في ظل تضائل فرص التوصل إلى نتائج إيجابية. ویأتي كل ذلك في وقت يبقى تحقّقُ الكثیر من الوعود الاقتصادیة للحكومة مرهوناً بنتائج المفاضات ورفع العقوبات عن صادرات النفط الإيراني.

تكثيف جهود الانفتاح نحو الإقليم

“تركوا الفرص الموجودة في المنطقة وأبقوا الأنظار معلقة لمدة ثماني سنوات على ردة فعل من جانب القوی”. هذا ما قاله رئیسي أمام جمهوره خلال الحملات الانتخابیة في العام الماضی. كما أكد المرشح الأصولي أنّ حكومته ستكون حكومة الانفتاح نحو الدول الإقليمية والفرص التي تم تمهمیشها خلال عهد الرئیس السابق حسن روحاني بغیة التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة.

وبالفعل شهدت العلاقات الإيرانية مع الدول الإقليمية، سواء في المنطقة العربیة أو آسیا الوسطی،  تطوراً لافتاً خلال عام، مما أدى إلى ارتفاع مستوی الصاردات الإيرانية إلى تلك الدول، بالإضافة إلى إنجازات أخرى، منها سداد دیون العراق بقیمه 1.6 ملیار دولار بعد سنوات من النقاش في هذه القضية.

عودة الهدوء إلى المجتمع .. المحاولات تتواصل

شهد المجتمع الإيراني اضطرابات نادرة خلال الأعوام الماضیة، نظراً لحجم الأزمات وتلاحقها. وأدت الضغوط الاقتصادیة من خلال عقوبات كانت الأشد من نوعها عالمياً قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا إلى حدوث طفرة قیاسیة في أسعار جمیع السلع والخدمات، مما دفع المواطنین الغاضبین إلى احتجاجات عنیفة رد علىها النظام بالقمع عام 2019.

وأسهمت أحداث أخرى – منها اغتیال اللواء قاسم سلیماني وتزاید احتمالات مواجهة مباشرة بین إيران والولايات المتحدة، وحادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية عبر إطلاق الصواریخ وغیرها – بانقسام المجتمع بشكل غير مسبوق، ودفعت المواطنين للوقوف بوجه بعضهم البعض.

وحاولت حكومة رئیسي منذ انطلاق عملها أن تتجنّب اتخاذ مواقف سیاسیة مثیرة للجدل، وإظهار نفسها كحكومة للجمیع، من خلال خطوات إيجابية، منها دعوة النخب والممثلین من جمیع الأطياف إلى الحوار المباشر. ورغم نجاحها النسبي في إعادة الهدوء السیاسي إلى المجتمع، إلا أنّ الحكومة لم تتمكن من احتواء اضطرابات متزایدة تأتي من خلفیة اقتصادیة، حیث تشهد حالیاً أغلبیة المدن الإيرانية بين الفينة والأخرى احتجاجات لا تزال غير واسعة من قبل النقابات والمتقاعدین قد تتحول لتحدٍّ كبير للحكومة خلال السنوات المقبلة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: