الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة17 يونيو 2022 18:34
للمشاركة:

“القلق بصمت”.. كیف تنظر إيران إلى تطورات العراق السياسية؟

بحذر وصمت، تراقب طهران ما یجري في العراق، حيث باتت تشعر بالقلق من احتمال عودة الاضطرابات الداخلیة داخل أراضي الجار الغربي نتيجة قرار زعیم التیار الصدري "مقتدی الصدر" الانسحاب من البرلمان والعملية السیاسیة بأكملها، الأمر الذي قد یؤدی إلى لجوء جمهور هذا الأخير نحو الشارع في محاولة لفرض أمر واقع جديد علی الخصوم.

تدرك طهران جیداً أن هذه الخطوات تحمل معها أكثر من مجرد اضطرابات مؤقتة، وقد تکون بمثابة مدخل نحو تحوّل جوهري لموازین القوی هناك، والتي تراها طهران لصالحلها حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، ثمة مخاوف أخرى تتعلق بقناة بغداد الخاصة للحوار المباشر مع السعودیة أو حتي مع الولايات المتحدة.

بحسب المصادر والتقاریر، انعقدت حتى الآن خس جولات من المفاوضات بین المسؤولین الإيرانيين من جهة والسعودیین أو حتى الأميركيين (لقاء أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني مع رئیس المخابرات الأميركية ویلیام برنز بعد شهر من فوز جو بایدن في الانتخابات وفقاً للمصادر الأميركية) بضيافة رئاسة الوزراء العراقیة، مما أسهم بتهدئة الأجواء الإقلیمیة وإبقاء باب الحوار مفتوحاً.

لكنّ ذلك كله قد یختفي في ظل اضطرابات مدمرة وطویلة الأمد، أو قد یصبح غیر فعال إلى أجل غیر مسمى. رغم ذلك، تلتزم طهران سياسة تجنّب تحوّلها إلى طرف في التطورات الداخلية العراقية، علی الأقل بشكل رسمي، تاركة مساحة أمام  اللاعبین العراقیین وتحدیدا المكوّن الشیعي لأخذ القرار.

ویبدو أنّ خلف هذا الموقف تكمن دروس تعلّمتها إيران من تجربة 2019 عندما دخلت علی خط الأزمه بشكل مباشر، عبر الدفاع عن رئیس الوزراء السابق عادل عبد المهدي واتهام معارضیه بعدم حمایة المصالح الإيرانية.

وللتذكير بالموقف الإيراني آنذاك یمكن ملاحظة خطاب القائد الأعلى آية الله خامنئي في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 أمام ضباط الجیش الإيراني الذي علّق فيه علی الاحتجاجات الواسعة في العراق، بالقول حینها إن الاحتجاجات عبارة فوضى مدعومة من قبل الولایات المتحدة والدول الرجعیة في المنطقة، مؤكداً أنها تهدف إلى سلب الأمن من الشعوب. ورغم تشديده علی ضرورة اهتمام الحكومة العراقیة بمطالب الشعب، أضاف القائد الإيراني الأعلى أن “الأولوية في هذه الدول هي الحفاظ علی الأمن ومتابعة المطالب وفق الأطر الشرعیة”.

ولم یقتصر الموقف الإيراني بهذا الشأن أنذاك على ما جاء في خطاب آية الله، حیث هاجم عدد كبیر من المواقع ووسائل الإعلام الموالیة للحكومة المحتجین العراقیین ومن یقف خلفهم، متهمة إياهم بالعمالة للأجانب.

في هذا الصدد، یشیر مصدر مطلع اشترط عدم الكشف عن اسمه إلى تغییر النهج الإيراني للتعامل مع المخاوف في العراق بالقول: “لا یخفى علی أحد أنّ إيران تعتبر ظاهرة انعدام الأمن وعدم وجود دولة مستقرة في العراق تهدیداً لمصالحها، وهذا ما دفعها إلى التضحیة بدماء أبناء شعبها لدعم المقاومة العراقیة أمام الإرهاب. لكنّ التجارب الماضیة تظهر أن إيران تحتاج نهجاً مختلفاً للتعامل مع الملف العراقي، بعيداً عما جرى عام 2019 حیث قدمت تلك التجربة ما یكفي من الذرائع للهجوم علی العلاقات الإيرانية – العراقية للأعداء والخصوم”.

وتابع المصدر: “بدأت إيران بالفعل التعامل مع التطورات العراقیة المثیرة للقلق وفق نهج جدید، رغم أنها لا تزال تتمسّك بالاستراتيجية نفسها. هنا لا یمكن تجاهل دور تغییرات محددة في رؤیة المؤسسات المعنیة بالملف العراقي في إيران، وفي مقدمتها فیلق القدس في الحرس الثوري. کما أن الكثیر من النقاشات المرتبطة بالتطورات العراقیة الراهنة تدور حول دور الزعیم الشیعي مقتدی الصدر ومقاربات مختلفة لفهمه”.

وهنا تبرز فجوة عمیقة بین الخطاب الرسمي والمصادر غیر الرسمیة رغم كونها مقرّبة من النظام الإيراني. وبینما یتبع الأول لهجة حذرة تجاه التیار الصدري ویصفه دائماً بالصديق وأنه من بين حلفاء إيران في العراق، یمیل الطرف الثاني لاستخدام خطاب التخوین لمواجهته.

على سبیل المثال تقول قنوات مقرّبة من الحرس الثوري في تطبیق تلغرام إنّ التیار الصدري لا يرفض التعامل حتى مع الصهاینة من أجل الوقوف بوجه إيران. کما سبق أن وجهت هذه المصادر أصابع الاتهام نحو التیار الصدري علی خلفیة الهجمات المتكررة علی مواقع إيران الدبلوماسية داخل العراق.

من جهة أخرى، تؤكد مصادر مطلعة إلى أنّ المجلس الأعلى للأمن الإيراني منع فی رسالة له استخدام عبارات مسیئة واتخاذ مواقف حادة ضد التیار الصدري في وسائل الإعلام الرسمیة، كالصحف والقنوات التلفزیونیة، مما يزيد صعوبة فهم الموقف الإيراني الحقيقي تجاه الصدر وتياره.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: