الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 يونيو 2022 05:24
للمشاركة:

طهران وإسلام أباد .. هل تصلح الصین ما أفسدته الولايات المتحدة؟

بعد زیارة وصفها بالتاریخیة والمؤثرة إلى الهند خلال الأسبوع الماضي، استقبل وزیر الخارجیة الإيراني حسین أمیر عبد اللهيان یوم الثلاثاء نظیره الباكستاني بلاوال بوتو زرداري، في أول زیارة لمسؤول باكستاني رفیع منذ تشكیل الحكومة الجدیدة في إسلام أباد.






وتسلّمت هذه الحكومة مقالید السلطة بعد أیام من الإطاحة برئیس الوزراء السابق عمران خان، الذي بذل بدوره جهوداً خلال فترة حكمه لتحسین العلاقات مع الجار الإيراني ضمن سياسته لتنویع الخیارات الإقليمية لبلاده.


وكانت بعض الأوساط السیاسیة في طهران ترى فترة حكم عمران خان كنافذة مهمة جداً لإصلاح مسار العلاقات بین الجارین، والتي لطالما اتسمت بالتصعید وعدم الثقة بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.


والسؤال المهم هو هل ما جرى من محاولات لتغییر بوصلة العلاقات الثنائیة بین طهران وإسلام أباد مجرد خطوات غیر متواصلة ستتوقف؟ أم أنها ستسمر بغض النظر عن الحكومة التي تصنع القرار الباكستاني؟


مرّت العلاقات الإيرانية – الباكستانية بمرحلتین مختلفتین تماماً، وكانت بلا شك في أفضل حالاتها خلال عصر الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان بدوره الزعيم الأول في العالم الذي يزور باكستان منذ استقلالها.


وفي ذلك الحين، قررت إيران إرسال مساعدات واسعة جداً الی الدولة المسلمة الجارة تشمل النفط، الأجهزة الطبیة والاستثمارات، كما وقفت إلى جانبها في صراعها مع الهند وقدمت لها أموالاً هائلة لدعم جيشها، خاصة سلاح الجو بعد الحرب التي خاضها الطرفان عام 1971.


مقابل ذلك، فتحت باكستان أبوابها للنفوذ الإيراني بمختلف أشكاله، حيث تم تأسيس مكاتب ثقافیة إيرانية في جمیع المحافظات الباكستانية، بالإضافة إلى توفير مساحة شاملة لنشاط التجار الإيرانيين.


وتكمن كلمة السر وراء تلك العلاقات الدافئة في انتماء كلا البلدین إلى المعسكر الغربي خلال فترة الحرب الباردة. فبينما تمتّع البلدان بمكانة استراتیجیة لدى السیاسة الخارجیة للولایات المتحدة في مواجهة المد الشیوعي في المنطقة، كانت الهند قوة مستقلّة تمیل للتعامل مع القوی الشرقیة وتدعم الحركات ذات الانتمائات الیساریة، وفي مقدمتها حركة ضباط الأحرار في مصر.


وبخلاف كل التوقعات، تغیّرت البوصلة بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية تدریجیاً. لم تبق الدولتان المسلمتان حليفتين، بل بات التنافس أو حتى المواجهة أحياناً العنوان الرئیسي لحالة العلاقات الثنائية.


ذروة الأزمات كانت عند سيطرة حركة “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابُل، واقتحام السفارة الإيرانية في مزار شریف، أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ حيث تتهم أوساط سیاسیة في إيران المخابرات الباكستانیة بالوقوف وراءها. وقد أصبحت إقامة المظاهرات والتجمعات المدعومة حكومیاً أمام السفارة الباكستانیة في طهران ظاهرة مألوفة خلال تلك السنوات.


بدورها حرصت الولايات المتحدة علی السيطرة على أي تطور محتمل للعلاقات الإيرانية – الباكستانية خلال العقود الماضیة. وفي هذا السياق یشیر الدبلوماسي الإيراني السابق محسن روحي صفت إلى أنّ الضغوط الأميركية كانت دائماً تمنع توسیع العلاقات بین طهران وإسلام أباد وتخطيها مستوى معيّن.


ويمكن أن نفهم مدى أهمية سیاسات عمران خان بالنسبة للإيرانيين من هذه الخلفية، حیث عُرِف الرجل بمواقفه التصعیدیة تجاه الولايات المتحدة، بعكس انفتاحه نحو الصین وروسيا ودول أخرى في المنطقة، منها إيران.


صحیح أنّ البلدين تمكّنا خلال العقود الماضیة من خرق الإملاءات الأميركية في بعض الملفات، لكنّ ذلك لم يتخطَّ بعض النواحي الاقتصادية أو ما كان يُحكى عن تهریب السلاح إلى إيران إبّان الحرب مع العراق، حسبما ورد في مذكّرات المستشار الأمني الأسبق للرئیس الإيراني محسن کنغرلو، أو حتی الإشاعات المرتبطة بنقل التقنیة النوویة إلى إيران من خلال العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان.


ورداً علی التزام القیادة الباكستانية بالسیاسات الأميركية والسعودیة خلال السنوات الماضیة، لجأت طهران إلى توسیع العلاقات مع الهند، لتتحوّل هذه الأخيرة إلى واحد من أبرز الشركاء الاقتصاديين لإيران.


ويُعتبر میناء تشابهار قمة التعاون الاقتصادي بین إيران والهند، حيث نجحت الأخيرة بإبقائه حتى الآن بعيداً عن العقوبات الأميركية.


ويمثل تشابهار محطة تنافسیة لمیناء جوادر الباکستاني، كما يشكّل قاعدة أساسية لمبادرة الحزام والطريق الصینیة عبر العالم.


لكن هناك أصوات بارزة عند الحكومة والبرلمان الجديدين في ایران تدعو إلى إعطاء الأولوية لتعمیق العلاقات الاستراتیجیة مع الصین بدلاً من الترکیز علی العلاقات مع الهند.


وفي هذا الإطار يلفت مصدر مطلع في البرلمان الإيراني إلى احتمال مراجعة السیاسیات السابقة للتعاون الاقتصادي مع الهند في تشابهار. ویتابع المصدر: “علی الرغم من نجاح الهند بإعفاء تشابهار من العقوبات، لكنهم لم یحرزوا تقدماً في بناء المیناء، ونحن نبحث حالیاً عن كيفية جذب الاستثمارات الصينية وجعل میناء تشابهار جزءاً من مباردة الحزام والطریق بدل أن يكون منافساً لمیناء جوادر”.


ویضيف: “من وجهة نظرنا، حددت باكستان سیاستها الخارجیة علی أساس العلاقات الشاملة والاستراتیجیة مع الصین، وإذا لم تقم الهند بخطوة ملحوظة لتغییر سیاستها في تشابهار، نحن مستعدون لفتح الأبواب أمام بكين. هذه لیست مجرد خطة لجذب الاسثتمار بل مقدمة لإحداث تحول عمیق في العلاقات بین طهران واسلام أباد بعد سنوات من المواجهة والتصعید علی خلفیه الرؤیة الأميركية للمنطقة”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: