الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 مايو 2022 18:28
للمشاركة:

بوابات العبور الإستراتيجي في خلطة المصالح بين إيران وطالبان

لا هي عدو مكتمل، ولا هي حليف، لا هي جار عابر، ولا هي شريك موثوق، لا منطق المواجهة معها معروض، ولا مبدأ العلاقات الطبيعية حاضر.

يبدو هذا التعريف الإيراني لحركة طالبان كحكومة غاية في البراغماتية وقائم على نظرة معقدة لإمكانية التعامل مع الحاكم الجديد في أفغانستان، لكنها براغماتية تُوصف بأنها قد تكون مفرطة، فلا الجسد الطالباني تعافى بعد من إدمان البندقية الجهادية التي غادرت الجبال لتلعب السياسة في كابل، ولا دماء الحركة تخلصت من قوة كامنة يمكنها جعل الردة السياسية والعودة إلى دستور قندهار قرارا واقعيا، بل وحلا لمعضلة الانسداد السياسي إن استمرت.

تدرك طالبان أنه لا يمكن حذف النفوذ الإيراني التاريخي من أفغانستان، وتعي طهران بأنه ما من سلام حقيقي في أفغانستان بدون طالبان، لكن لا إيران وحدها كافية لتعديل جينات الحركة الجهادية، ولا عمامة طالبان كافية للتعبير عن أفغانستان بكل أطيافها.

هذا المدخل للهواجس الإيرانية يرجح توصيف العلاقة بين إيران الجمهورية الإسلامية وطالبان الإمارة الإسلامية وكأنها أشبه بخلطة مصالح معقدة لديها قدرا من الأهمية يجعلها ضرورية في المدى المنظور، وفيها من الأفخاخ ما يكفي للنظر إليها بأنها تكتيكية ومؤقتة، مرحليا بقي صوت المصالح هو الأعلى لدى كلا الطرفين وهذا مكن طهران وكابل من السيطرة على الألغام التي انفجرت في المساحة المشتركة وعدم تحويلها لقضايا رأي عام، ما أعطى دعما إضافيا لمنطق من يقولون إن رجال الحركة الذين يجلسون في قصور الرئاسة والعسكر والأمن القومي في كابل بات لديهم من البراغماتية السياسية، ما يجعلهم أكثر مهارة من رجال ربطات العنق في زمن أشرف غني، وذلك من خلال الحفاظ على الحد الأدنى من أسباب استمرار فاعلية خلطة المصالح المشتركة.
كان متوقعا لصانع القرار الإيراني أن يرى تمزيق وإحراق صور أحمد شاه مسعود من قبل مقاتلي الحركة عندما سيطروا على مطار حامد كرزاي الدولي في كابل، لكنه تفاجأ حين لم يقترب أحد من رجال الحركة المسلحين من صور أشرف غني وهو الرئيس الهارب المتهم طالبانيا بأنه أميركي الهوى.
فضلت طهران غض النظر عن ذلك من دون أن تقتنع أن طالبان عام 1998 التي أعدمت دبلوماسييها في مزار شريف لم تعد موجودة، وفي أفغانستان مارس أمير المؤمنين الطالباني ذات البراغماتية حين بارك تدفق النفط والوقود والمواد الغذائية الإيرانية عبر المعابر الحدودية، وأمر مقاتليه باحترام إيران ومصالحها كجار مهم، فعل ذلك لكنه لم يجتهد كثيرا في اقناع رجاله الوافدين حديثا إلى ساحات السياسة ودهاليزها أن إيران 2000 و2003 تغيرت، وأن طهران التي لعبت دورا مهما في الإطاحة بحكم الحركة في كابل لم تعد موجودة.

كان كافيا للطرفين القرار بعدم النظر إلى الوراء مع قناعة أن أي مستقبل للعلاقات الثنائية إن كان يراد له أن يكون مستقرا وإيجابيا لا بد له من أن يجتاز بنجاح مقبول ألغام الماضي وتحديات الأمن واللاجئين وتهريب المخدرات والمذهبية وفتاوى التكفير.

تدرك طالبان أنه لا يمكن حذف النفوذ الإيراني التاريخي من أفغانستان، وتعي طهران ما من سلام حقيقي في أفغانستان من دون طالبان، لكن لا إيران وحدها كافية لتعديل جينات الحركة الجهادية، ولا عمامة طالبان كافية للتعبير عن أفغانستان بكل أطيافها. ضبط عدادات الحدث الأفغاني تتطلب ساعات إقليمية جادة بحد أدنى من التوافقات، وأخرى دولية تتفهم عودة طالبان وتتبنى منطقا واحدا في التعامل مع حكومتها الوليدة في كابل، لكن ذلك كله غير متوفر، فأفغانستان وعودة طالبان للقصر الرئاسي تستخدم كورقة ضاغطة بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، تستثمر طالبان ذلك من خلال فتح سوق الامتيازات المتبادلة مع كل طرف على حدة، وتقدم امتيازات وتحصل على مكتسبات. تبدو كأنها سياسة طالبانية قد تطيل من عمر الحركة في السلطة، لكنها لن تؤدي إلى صياغة معادلة أفغانية داخلية تعيد تجميع رقع البلاد وتدخلها مربع “الدولة – الأمة” بسلطة مركزية وقرار أفغاني جامع يضمن اجتماع كل ألوان الطيف الافغاني تحت القبة الطالبانية.

إن حالة التلاقي هذه في منطقة الوسط واستمرارها والبناء عليها مرهونة بعاملين، الأول هو مدى قدرة عقل الحركة المركزي المتمثل بأميرها ونخبته الاستشارية الضيقة على حفظ تأمين المطلب الأمني الذي تطالب به إيران، والثاني يتلخص في مدى إمكانية أن تقدم طهران للحركة ما تريده اقتصاديا. نجاح التفاهمات الأمنية هنا -خاصة تلك المتعلقة بمحاربة تنظيم داعش خراسان وتقزيمه داخل أفغانستان وجعل الحدود مع إيران خطا أحمر أمام مقاتليه- سيكون البداية التي ستدفع طهران باتجاه تثبيت نوع من الشراكة الاقتصادية التي تحتاجها طالبان كحكومة، وهذا بدوره سيمهد الطريق أمام علاقات أكثر تقدما باتجاه تثبيت بقية المطالب خارج مربع الشروط المسبقة والهواجس الأمنية.

هذا التأطير للعلاقة وهواجسها والمراوحة بين المصالح والتحديات لم يفلح حتى الآن في منع بروز المنطق المضاد الذي يضع تساؤلا كبيرا على الطاولة، عن أي طالبان نتحدث هنا؟ عن طالبان الإقليمية التي جاءت بفعل تقاطعات سياسية إقليمية ودولية عند نقطة ما أم طالبان القندهارية بمعناها التاريخي؟ وهل يمثل قياديو الحركة الذين جاؤوا من الخارج كل طالبان الداخل بكافة أجنحتها؟

يبدو هذا التساؤل أشبه بلغم يفخخ منطق المصالح المشتركة، ويضع السياسات الإيرانية الراهنة تجاه طالبان وحكومتها في كابل أمام أسئلة كبرى لا إجابات واضحة عنها حتى الآن.

تتعدد الأبواب التي تفتحها طهران أمام إمكانية عبور طالبان من حركة مسلحة إلى حزب سياسي، كما تحاول طالبان تنويع نوافذها التي تسمح لإيران بإبقاء العلاقة قائمة، لكن البوابة الأساس والتي لا تزال غائبة تحتم على الجميع التعامل مع مقاربة إستراتيجية تتلخص بالقول، ما لم تتسع العمامة الطالبانية لأفغانستان بكل شرائحها العرقية والمذهبية ستبقى طالبان تشكل صداعا تراكميا لإيران حتى لو لم تنزاح طهران باتجاه جعل المواجهة حتمية، وحتى لو لم تفكر طالبان بجعل عودتها هاجسا للإيرانيين في مساحة أمنهم القومي.

المصدر/ شبكة الجزيرة الإخبارية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: