الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 مايو 2022 19:02
للمشاركة:

مفاوضات فيينا.. إحياء ميت أو إعلان وفاة؟

بالصدفة توقفت مفاوضات فيينا لاحياء الاتفاق النووي تزامنا مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا نهاية شباط فبراير الماضي. لکن لیست صدفة أن تتغير الظروف الدولية و الاقليمية، أزمات دولية اندلعت و أخرى أخذت مناح جديدة ، و أزمات اقليمية اشتعلت و أخرى بدأت تلوح بوادر حلحة لها في الأفق، و ظروف داخلية مختلفة بالكامل داخليا على الصعد كافة في إيران كما في الولايات المتحدة كما في دول الثلاثي الأوروبي أو روسيا أو الصين، فظروف عالم السياسية سائلة غير مستقرة و هذه قاعدة يعرفها الجميع، يقول محمد جواد ظريف قبل أشهر على تركه منصبه وزيرا للخارجية الإيرانية: " ظروف اليوم لن تتكرر بعد ستة أشهر و العالم سيكون عالما آخر، كل شيء يتغير ".

اليوم تبدو مفاوضات فيينا المتوقفة منذ أكثر من شهرين أمام حقل من الألغام و الأزمات. و الأسئلة التي يحاول كثيرون الإجابة عنها هي: ما تأثير هذه الأزمات على مفاوضات فيينا ؟ ما مصير هذه المفاوضات؟ هل مات الاتفاق النووي فعلا، أم أن الآمال بانعاشه لا تزال قائمة ؟

الحرب الروسية  على أوكرانيا

قبل أسابيع قال مندوب روسيا الدائم في فيينا ميخائيل اوليانوف : “لو کانت الظروف مختلفة لكان ربما بإمكان روسيا مساعدة الطرفين (إيران و الولايات المتحدة) للتوصل إلى اتفاق لاحياء الاتفاق النووي و لكن الآن لا” …. كلام ليس بعيدا عن حقائق الصراع الدولي و ما يشبه الحرب العالمية الثالثة المندلعة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، و إن كانت إيران الرسمية، على عكس إيران الشعبية، لا تأخذه على محمل الجد يقول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: “دور روسيا في مفاوضات فيينا بناء، و الصوت الذي نسمعه منها هو ما سمعناه خلال اللقاء مع السيد لافروف في موسكو،  و لا تهمنا تغريدات بعض الاشخاص”.

و بعيدا عن النظرة الشعبية الإيرانية لروسيا و المرتبطة بالذاكرة التاريخية للشعب الإيراني، و بعيدا عن المواقف الرسمية فإن تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا تفرض نفسها في معادلات إيران.

سلاح الطاقة، من النفط إلى الغاز، الذي أشهره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية الحرب في وجه أوروبا دفع الاتحاد الأوروبي و الدول الأوروبية للتحرك سريعا، استراتيجية حلول قصيرة و متوسطة و بعيدة المدى رسمت لتنويع مصادر الطاقة سواء من ناحية الاعتماد على النفط و الغاز أو من ناحية عدم الاعتماد على عدد محدود من الدول، و هنا برزت الحاجة إلى عودة النفط و الغاز الإيراني إلى السوق الدولية سريعا، خاصة مع ارتفاع الأسعار، ما دفع روسيا إلى الحذر من التفاف إيران عليها يقول خبراء، خاصة مع التحرك الأوروبي السريع بعد سبات ربيعي لمفاوضات فيينا من خلال زيارة منسق مفاوضات فيينا و مندوب الاتحاد الأوروبي اينريكي مورا إلى طهران.

بماذا جاء مورا إلى طهران و هل عاد منها بخفي حنين؟

في طهران خاض مورا مفاوضات مكثفة مع كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، أكثر من ثمانية و أربعين ساعة أمضاها في العاصمة الإيرانية لم يتمكن خلالها من عقد لقاء خاص مع وزير الخارجية الإيرانية حسين امير عبد اللهيان و لا أي مسؤول من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، رغم طلبه ذلك كما كانت الخارجية الإيرانية قد أعلنت.

تقول مصادر دبلوماسية في طهران أن مورا جاء بطيف من المقترحات إحداها: “يعلق العقوبات على الحرس الثوري لكنه يبقي أجزاء منه على لائحة الإرهاب الأميركية كما يرفع العقوبات عن أكثر من عشرين شخصية من قادته”، لكن أي من مقترحات مورا لم تستطع اقناع الجانب الأميركي برفع الحرس الثوري عن قائمة الأرهاب الأميركية”.

لكن مشكلة مفاوضات فيينا لا تتوقف على بقاء الحرس الثوري الإيراني على لائحة ارهاب الولايات المتحدة أو تحت عقوباتها، يقول مستشار الوفد الإيراني المفاوض في فيينا د. محمد مرندي : “المسألة المهمة بالنسبة لإيران هي بقاء إيران في الاتفاق (الضمانات) وإنهاء العقوبات”.

لكن مباحثات مورا و إن لم تكن سهلة إلا انها لم تكن مخيبة للآمال، يقول د. مرندي: ” المندوب الأوروبي جاء إلى طهران بمقترحات جديدة، و غادرها بمقترحات جديدة أيضا عرضتها عليه إيران” ..

و بين مبادرات طهران و مقترحات الاتحاد الأوروبي، تنشط أطراف مختلفة لتسهيل مفاوضات فيينا، سلطنة عمان الحاضرة دائما، و قطر التي لا تألوا جهدا في دعم دبلوماسية مفاوضات فيينا  “باعتبارها الخيار الوحيد” كما يقول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال لقائه الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي في طهران تزامنا مع اليوم الأخير من مفاوضات مورا في طهران.

يوضح أمير قطر في كلمة له في الجلسة الافتتاحية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: “إن الدوحة لا تدعي أنها تلعب دور الوسيط الرسمي بين إيران والغرب… إيران جارتنا ونحن نحاول مساعدتهم و حث الجميع للعودة إلى الاتفاق النووي”.

مصادر مطلعة تقول: “إن الدوحة تنشط في ملفات أخرى من بينها تحرير أموال محتجزة في الخارج و تبادل السجناء بين إيران و دول غربية خاصة الولايات المتحدة الأميركية”. و هذا برأي كثير من المراقبين يسهم في ترتطيب الأجواء المرتبطة بمفاوضات فيينا.

جهود أوروبية و إقليمية تسابق الزمن في وضع يبدو معقدا جدا رسمه المبعوث الأميركي الخاص بإيران روبرت مالي في افادته أمام الكونغرس حيث قال: “بعد الانسحاب من الاتفاق النووي حققت إيران  تقدما تكنولوجيا وبات بقدرتها حيازة قنبلة نووية في خلال أسابيع”.

مالي الذي لفت إلى أن “احتمالات نجاح مفاوضات العودة للاتفاق النووي أقل من احتمالات فشلها”، لم يغلق باب الدبلوماسية الذي يقول إنه “الحل الوحيد مع إيران”، لكنه ألمح أيضا إلى “احتمال شن هجمات لمنع إيران ووكلائها من تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة و مصالحها”، و جمع الأضاد بانتقاده سياسة عقوبات ترمب وقوله: “إن سياسة الضغوط القصوى لم تنتج قيودا قوية وطويلة الأمد على برنامج إيران النووي” من جهة و إعلانه “استعداد واشنطن لفرض وتكثيف العقوبات على إيران في حال عدم التوصل لاتفاق” من جهة أخرى. إفادة تكشف جانبا من حجم التعقيد الذي تواجه مفاوضات فيينا النووية.

يقول مالي أيضًا “إن أحد الدروس المستقاة من فترة إدارة اوباما هو ضرورة التشاور والتنسيق مع شركائنا وحلفائنا الإقليميين”، تنسيق – لا يعلم أحد – مدى حجمه في ضوء تطورات متسارعة في المنطقة قد تؤدي إلى انفلات الاوضاع من عقالها.

اسرائيل تتحرك

يقول مسؤول استخباراتي آميركي لصحيفة “نيويورك تايمز” إن اسرائيل ابلغت الولايات المتحدة بأنها وراء مقتل العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدايي، و إن إسرائيل أرادت أن يكون ذلك بمثابة تحذير لإيران لوقف استهداف المواطنين الإسرائيليين في الخارج.

حادثة غير مسبوقة، فهي المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل شخصية عسكرية إيرانية مباشرة داخل الأراضي الإيرانية.

يقول مراقبون إن الأمر ليس ببعيد عن تطورات تحصل في المنطقة الجنوبية في سوريا، في إطار ما فرضته تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا و التطورات في سوريا و الانتشار العسكري للقوات الأجنبية على أراضيها، يقول وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، في حوار جرى معه مؤخرا: “إن القوات الروسية في سوريا، لم يتبق لديها مهام عسكرية تقريبا وعددها على الأرض تحدده مهام محددة، وعلى أساس مبدأ المصلحة”، و في سياق متصل تنفي مصادر إيرانية أي انسحاب للقوات الروسية في المنطقة الجنوبية سواء كانت شرطة عسكرية او قوات خاصة، و توضح أن  “المركز الرئيسي للقوات الروسية في الجنوب ما زال في منطقة ازرع، وحيث مقر الفرقة الخامسة السورية، ومن هناك تنطلق الدوريات المشتركة بين الشرطة العسكرية الروسية والامن العسكري السوري، وتصل إلى الحدود الاردنية السورية أحيانا”. ووفق المصدر فإنه “في ذروة نشاطها كان عديد القوات الروسية بحدود 40 ألف عنصر، وتقلص بعد انحسار المعارك إلى عدد يتراوح ما بين 20 إلى 25 الفا” و ينفي المصدروجود أي قوات إيرانية في الجنوب السوري، منذ عام 2018 ” . لكن بعيدا عن هذه التفاصيل و عن تسريبات نقلتها وسائل اعلامة إيرانية عن دور صياد خدايي في نقل تكنولوجيا الطائرات المسيرة إلى سوريا و لبنان، فإن توعد طهران بالانتقام يفتح باب التكهنات حول مزيد من التعقيد في ملف الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأقل، خاصة مع الحادثة التي تلت ذلك في مجمع بارتشين العسكري في طهران.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية نقلت عن ثلاثة إيرانيين ومسؤول أميركي، أن الحادثة مساء الأربعاء 25 أيار/ مايو 2022 و التي أدت إلى مقتل مهندس و اصابة اخر، كانت نتيجة هجوم بطائرة من دون طيار على المجمع الذي تجري فيه عمليات تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

هكذا تتشابك الملفات بين ” دور و نفوذ إيران الإقليمي و المساحة و الطريقة التي تنشط فيها إسرائيل لضبطه ” و بين “التطورات االمرتبطة بملف إيران النووي”، صحيح أن طهران تركز دائما على فصل الملفات لكن الجميع يدرك تأثرها و تأثرها ببعضها البعض.

حرب الناقلات من جديد

في معادلات المفاوضات النووية يبحث الجميع عن أوراق القوة، و ليس غريبا أن يصل النفط الإيراني إلى فنزويلا بالتزامن مع توقيف ناقلة تنقل نفط إيرانية تحت علم روسيا، و بعدها بأيام يتم توقيف ناقلة نفط تحمل علم إيران.

تطور لم يكن أمام الدبلوماسية الكثير من الوقت لحله، فبعد ثمانية و أربعين ساعة من استدعاء إيران للقائم بأعمال السفارة اليونانية في طهران و مطالبته بالإفراج عن الناقلة الإيرانية و استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية كراعية للمصالح الأميركية في طهران بعد اعلان اثينا نيتها تسليم شحنة النفط إلى الولايات المتحدة لأن التوقيف تم بناء على طلبها سارعت بحرية الحرس الثوري إلى توقيف ناقلتين يونانينين في المياه الخليجية مقابل بندر لنغه وعسلوية و سحبهما إلى موانئ إيران هما “دلتا بسويدن” و”برودنت وريور” بشحنتيهما القادمتين من البصرة في العراق و المتجهة احداهما إلى الولايات المتحدة، لا بل ان طهران هددت بتوقيف المزيد من الناقلات اليونانية في المياه الخليجية و التي يبلغ عددها 17 بحسب ما نقلت وكالة تسنيم عن مصادر إيرانية مطلعة.

و بعيدا عن الاسباب التي تسوقها طهران بشأن توقيف الناقلتين اليونانيتين و المرتبطة بتلويث المياه الخليجية، فإن التهديد بتوقيف المزيد يحمل الرسالة الواضحة. ليس الأمر فقط المطالبة بتحرير الناقلة الإيرانية و إنما التأكيد على قاعدتين اساسيتين تضعهما إيران عنوانا عريضا لتحركاتها، الأولى: ما كان القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي قد قاله قبل سنوات بأن “زمن اضرب و اهرب قد انتهى .. و من يضرب سيتلقى الرد عشرة اضعاف”، و هذا ما أكده سلوك إيران خلال السنوات القليلة الماضية المعلن و غير المعلن، سواء باستهداف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق أو استهداف ما قلت إيران انه مقر للموساد الاسرائيلي في اربيل او توقيف ناقلة النفط البريطانية ستینا ایمبرو حين تم توقيف ناقلة الإيرانية  “غريس 1” قبل اكثر من عامين، و الثانية هي ما اعلنه الرئيس ابراهيم رئيسي عن سياسة حكومته “بالعمل على رفع العقوبات من خلال المفاوضات و ابطال اثرها من خلال تحشيد الجهود”، و هذا ما تسعى اليه طهران من خلال الحديث عن صفحة جديدة من التعاون الاقليمي و الانفتاح على دول الجوار من اسيا الوسطى إلى المنطقة الخليجية و بالتأكيد الدول الحليفة كروسيا و الصين و فنزويلا و … غيرها

العتبة النووية

و لعل أبرز اوراق إيران في معادلات المفاوضات النووية هو قدراتها التقنية النووية التي تمكنت من خلالها من توطين التقنية النووية و رفع نسبة التخصيب إلى 60 بالمئة و زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة، و الأهم امتلاكها التكنولوجييا التي تمكنها من الوصول إلى العتبة النووية و هذا تحول كبير يقترب من الواقع مع مضي الزمن و يتساوى ربما مع امتلاك القنبلة النووية، مع فارق واحد و هو القرار السياسي في ذلك.

سيناريوهات مفتوحة

كل هذه التطورات من المواقف الاوروبية إلى الاميركية مرورا بالروسية، و كل هذه الجهود بما فيها الاقليمية تضع المفاوضات النووية أمام احتمالات و سيناريوهات مفتوحة:

  •  بدءا من انهيار المفاوضات و الاتفاق النووي و بالتالي تصعيد و توتر على الصعد كافة، اقليميا و دوليا، قد تنزلق معه الامور إلى حرب لا تعرف خواتيمها، و هو خيار لا يرغبه المشاركون في المفاوضات.
  • وصولا إلى العودة إلى المفاوضات بعد جولة تصعيدية جمعت فيها الاطراف المختلفة اوراقها و رتبت ملفاتها، و هو خيار يفضله الجميع و يدفع باتجاهه، لكنه الاصعب في ظل ما يمكن اختصاره باتهامات إيرانية لادارة جو بايدن بالضعف على اتخذا القرار السياسي لاحياء الاتفاق النووي و اتهامات اميركية لطهران بمطالبات تتجاوز الاتفاق النووي.
  • و بينهما سيناريوهات متعددة، تراوح بين عض الاصابع و كسر العظام

سيناريوهات تنتظر اوضاعا داخلية اميركية قبل الإيرانية، في ضوء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، و تطورات اقليمية و دولية.

و حتى ذلك الوقت تتقاطع معلومات مصدرإيراني مطلع مع آخر اوروبي عن رغبة أوروبا بالاستعجال بذلك و طرحها مقترحا يطبع العلاقات الاقتصادية بين إيران و مجموعة 4+1 بضوء اخضر اميركي لكن بشكل غير رسمي، فهل سينجح ذلك، خاصة مع الألغام الكثيرة التي تركها ترمب لخلفه بايدن ؟ أم أن التطورات و التداخلات في تفاصيل الملفات ستفرض واقعا آخر يدفع باتجاه خيارت يتراوح فيها الامر بالنسبة للاتفاق النووي بين احياء ميت و إعلان وفاة.

*هذا المقال يُنشر بالتزامن مع موقع 180

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: