الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 مايو 2022 07:56
للمشاركة:

ضغوط خارجیة وضربات في الداخل.. هل تواجه طهران “صیفًا حارًا”؟

اتسمت الأخبار المتداولة في وسائل الإعلام الإیرانیة خلال الأسابیع الماضیة بالطابع الأمني، حیث تعكس حالة مضطربة يُمكن تشبيهها بـ"النار تحت الرماد"، خصوصًا إذا تم التدقيق في الخطوط التي تربط هذه الأحداث المتتالیة.

الحدث الأهم بطبيعة الحال هو اغتیال ضابط عسكري رفیع في الحرس الثوري أمام منزله في طهران، وعلی بعد شوارع قلیلة من مبنی البرلمان الإیراني، في 23 أيار/ مایو الجاري. وکان العقید حسن صیاد خدايي، يُعتبر عنصرًا مهمًا في صفوف قوات فیلق القدس العاملة في سوریا حسب ما نشر عنه.

سلسلة أحداث أمنية

ورغم عدم إعلان أي دولة مسؤولیتها عن العملية بشكل مباشر، إلا أن صحيفة “نیویورك تایمز” الأميركية کشفت قبل أیام عن رسالة إسرائیلیة إلی واشنطن، تؤكد مسؤولية تل أبيب عن الاغتيال، بهدف تحذير طهران من مواصلة أنشطتها المهددة للإسرائيليين في المنطقة.

وهذه هي المرة الأولی التي تنفذ إسرائیل فيها عملیة أمنیة داخل الأراضي الإیرانیة لاستهداف مسؤول عسكري، علمًا أن جمیع عملیات الموساد السابقة في إيران استهدفت علماء نووين.

وبعد يومين من الاغتيال، وقع انفجار في موقع بارشین العسكري شرق العاصمة طهران، لأسباب “غير معروفة” حسب السلطات الرسمية. وحسب التقاریر، أدی الحادث في إحدی الوحدات البحثیة في موقع بارشین إلی مقتل مهندس تابع لوزارة الدفاع يُدعى إحسان قد بیغي، إلی جانب إصابه شخص آخر من زملائه.

وزعمت “نیویورك تایمز”، في تقریر نقلًا عن 3 مصادر إیرانیة، أن موقع بارشین قد تعرض إلی هجوم من طائرة مسیرة انتحاریة، وأن النمط المستخدم لتنفیذ الهجوم یتطابق مع الأسالیب الإسرائیلیة، علمًا أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها موقع بارشين العسكري للهجمات.

من جهة أخری، أعلنت السلطات الإیرانیة عن “عملیة إرهابية من قبل مسلحين في محافظه سیستان وبلوشستان شرق البلاد، بهدف اغتیال ضابط رفیع في الشرطة”. وحسب تقریر وکاله “إرنا” استهدف المسلحون الرائد عباس راه انجام، بینما کان علی متن سیارته الشخصیة مع عائلته. وأشارت التقارير إلی أن المسلحين استخدموا بنادق کلاشینکوف لاغتیال الرائد راه انجام. وسبق هذه العملية في المحافظة عينها، استهداف ضابطين في الحرس الثوري وقوات الباسيج. ونجح منفذو العملية باغتیال ضابطین أمنین في مدینة قصرقند.

وواصل قطار الأحداث الأمنیة تحرکه، بعد تداول تقاریر عن إطلاق النار علی قوات الشرطة في أحد شوارع العاصمة طهران، خلال مظاهرات المتقاعدین، ما أدى إلی مقتل ضابطین وإصابة مساعد رئیس غرفة عملیات الشرطة. ورغم أن الخبر جرى تداوله کثیرًا في وسائل الإعلام، أعلنت قیادة الشرطة أن العملیة لم تكن أمنیة، والمنفذ کان مطلوبًا بعد أن قتل 4 أشخاص في إحدی المدن الریفیة.

كما تشكل المظاهرات المتفرقة في العدید من مناطق البلاد جزءًا آخر من مشهد الأحداث والأنباء المتوترة، ما قد يجعلها علامة مقلقة لأمن البلاد. وفي الوقت نفسه، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تلك المظاهرات، بقيت حتی الآن في إطار المطالب الاقتصادیة للمواطنین، ومعظمها متعلق برفع الدعم عن السلع الغذائیة وعدم صرف رواتب المتقاعدین، کما أنها لم تصل إلی المدن الكبری إلا في حالات قلیلة، حيث تترکز في الأریاف.

وما زاد الطين بلة، الانهيار الذي وقع في مبنی متروبول، والذی ظهر من خلال التقاریر أنه ناجم عن الفساد المستشري بین المسؤولین في مدینة آبادان، ما أدى إلی اندلاع احتجاجات واسعة في مناطق عدیدة من محافظه خوزستان جنوب إیران، ما دفع القوات الأمنية لاستخدام العنف لاحتوائها، إضافة لإجراءات أخرى كقطع الإنترنت.

ضغوط خارجية

ویتزامن کل ذلك مع تكثیف الضغوط الأجنبیة علی إیران، بعد تقاریر تتحدث عن تعثر المفاوضات في فیینا، وتوجه إدارة الرئيس الأميركي جو بایدن إلى استخدام إجراءات أخری بدلًا من الدبلوماسية والرسائل الإیجابیة، لإجبار طهران علی توقیع اتفاق یسمح بعودة واشنطن إلی مجموعة الاتفاق النووي لعام 2015، والذی خرج منه الرئیس السابق دونالد ترامب.

وسبق أن استخدمت الإدارات الأميركية، ومنها إدارة الرئيس باراك أوباما أساليب الضغط لتهديد أمن إیران الداخلي، لترغیب صناع القرار في طهران في العودة إلی طاولة الحوار والقبول بالشروط الغربية. فعلی سبیل المثال، شهدت إیران عدة عملیات اغتیال لعلمائها النوویین بين عامي 2009 و2011، بالتزامن مع تعثر المفاوضات التي کان یقودها أمین عام المجلس الأعلی للأمن القومي آنذاك سعید جلیلي.

کما رکزت إدارة ترامب علی إثارة الاحتجاجات داخل إیران، من خلال توجیه الضربات الاقتصادیة الهائلة، لإجبار القیادة الإیرانیة علی التراجع والتعامل مع الاقتراحات الأميركية بصورة أکثر إيجابية.

ویشیر إقبال الكثیر من الناشطین والمحللین ضمن المجموعات الیمینية في واشنطن، منها مؤسسة FDD، خلال الأسابیع الأخیرة، إلى تغییر سياسة الإدارة الأميركية تجاه إیران، ما قد یؤدي فعلًا إلى تعثر المفاوضات في هذه المرحلة.

هذا التعثر، قد يوصل إلى تكرار السيناريو السابق، أي توجه واشنطن نحو فرض المزید من الضغوط الأجنبیة (تشدید الحصار، احتجاز السفن، ملاحقة العناصر المرتبطة بالحرس الثوري خارج إیران وغیره من الإجراءات)، بالتزامن مع توفیر الأرضیة اللازمة لتنفیذ العملیات الأمنیة التي ستخلق موجة من الاضطرابات والفوضی داخل البلاد.

في المحصلة، يمكن التوقّع أن طهران مقبلة علی صیف حار، إلی أن یتم التوصل إلی اتفاق ما في فیینا، رغم أن التجارب السابقة تظهر أن مثل هذه الأساليب تجعل إیران تخطو نحو طريق أکثر خطورة في الملف النووي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: