الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة28 مايو 2022 15:45
للمشاركة:

رسائل متبادلة في البحر وعلى طاولة المفاوضات.. هل يعود الاتفاق النووي للحياة؟

بعد مصادرته لناقلتي نفط يونانيتين في مضيق هرمز، أكد الحرس الثوري الإيراني أنه يرصد أكثر من 17 سفينة لأثينا متواجدة في مياه الخليج. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تبدو كرد فعل على توقيف اليونان ناقلة نفط إيرانية الشهر الماضي، إلا أن تطورات الأحداث لا تنفصل عن التعثر الحاصل في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.

بالإشارة إلى دراسة سابقة بعنوان “الملف النووي الإيراني: بين إعادة الإحياء والتحضير للانهيار”، والتي خلصت إلى أن هناك تناسبًا طرديًا بين مستوى العنف في مياه الخليج والتوافقات بين كل من الولايات المتحدة وإيران، فإن الحادثة الأخيرة تعد انعكاسًا لحالة الاستعصاء التي تشهدها مفاوضات فيينا منذ أذار/ مارس الماضي.

المفاوضات إلى طريق مسدود

ما من شك، بأن الفريق الإيراني المفاوض بدأ محادثات فيينا بمطالب كثيرة وعالية السقف، وذلك لانتقال السلطة في إيران وتسلم الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي لدفة القيادة؛ لكن بعد الدخول في جو المفاوضات والوقوف على واقع الأمور هناك، غابت بعض تلك الطلبات عن خطابه المتكرر، وبدأ يركّز على الوصول إلى اتفاق سريع يحقق مصالح طهران بالحد الأعلى.

ما لا يتم تسليط الضوء عليه في وسائل الإعلام والصحافة ومراكز الأبحاث، هو أنّ هناك تعنتًا وصلابة في الموقف الأميركي من هذه المفاوضات منذ اللحظات الأولى، فعلى الرغم من عرض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بادئ ذي بدء الجلوس إلى طاولة المفاوضات وجها لوجه مع إيران، إلا أنها ما فتأت تؤكد على أن إيران هي التي يجب عليها تنفيذ الخطوة الأولى المتمثلة بالعودة لالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق الاتفاق النووي.

بعد ذلك، تحدثت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان عن رؤية إدارة بايدن للمفاوضات من حيث وجوب أن تكون هذه المفاوضات “Longer and Stronger”، والمقصود بذلك هو ضرورة أن تشتمل على ملفات غير النووي الإيراني، وضرورة أن يتم تمديد مدة صلاحية بعض بنود الاتفاق إلى ما بعد 2025.

وبحسب تصريحات مسؤولين في الاتحاد الأوربي وإيران، يبدو أن منسق الاتحاد الأوروبي للمحادثات النووية الإيرانية إنريكي مورا نقل إلى طهران رسالة أميركية مفادها أن بايدن لن يقوم بحذف اسم الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، ولكن في الوقت ذاته يبدو أنّ طهران أظهرت مرونة في هذا الجانب وطرحت مقترحًا جديدًا لم تكشف تفاصيله، والذي حتى الآن لم يلقَ ردًا أميركيًا.

في السياق نفسه، تبدو تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر دافوس مثيرة للاهتمام، وتشير بشكل أو بآخر إلى مرونة إيرانية جديدة في الملف النووي.

وقال عبد اللهيان: “ما أدى إلى تباطؤ المفاوضات، هو عدد من القضايا، مثل الحصول على الضمانات اللازمة، والتأكد من التخلي عن سياسة الضغط بالحد الأقصى، وضمان المنفعة الاقتصادية الكاملة لإيران، والتي تأخر الجانب الأميركي في الرد عليها. لذلك لا ينبغي حصر ما تبقى في قضية واحدة هي حذف الحرس الثوري من قائمة الإرهاب”.

من هنا، رأت الصحافية الإيرانية سارة معصومي أن تصريحات عبد اللهيان تحمل مسارين، “الأول هو أنه في حال فشل المحادثات، فإن السبب الرئيسي لم يكن إصرار إيران على إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، والثاني هو أنه في حال استجابت الولايات المتحدة لمبادرة إيران بتوفير الضمانات الاقتصادية اللازمة، فإن التخلي عن الموقف السابق بشأن ضرورة إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب لا ينبغي أن يفسر على أنه تراجع من جانب إيران”.

لكن في الحقيقة، أغفلت معصومي مسارًا ثالثًا مهمًا للغاية، والمتمثل في كون الطرح الإيراني رسالة إيجابية لواشنطن، بأنّه إذا ما قامت الولايات المتحدة بتوفير الضمانات الاقتصادية وتوفير استدامة لها، يمكن التفاوض لاحقًا على موضوع الحرس الثوري الإيراني وقائمة الإرهاب.

آفاق الحل

تقدّم الإدارة الأميركية العديد من الحجج حول عدم رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، ومعظمها يتعلق بالأوضاع الداخلية الأميركية والانتخابات النصفية المقبلة وتزعزع موقف الديمقراطيين فيها. وإذا تم التسليم فرضًا بهذه الحجج، فمن الواضح أن الولايات المتحدة لا ترغب بتوفير ضمانات اقتصادية لإيران، وهذا ما يدخل ضمن إمكانيات إدارة بايدن.

إلا أن هذه الإدارة، قادرة على إعطاء الضوء الأخضر للشركات الأوربية بتحقيق حد أدنى من التعاملات الاقتصادية والتبادل التجاري مع إيران، كما أنها تستطيع تقديم ضمانات للشركات الأجنبية بعدم تعرضها للعقوبات في حال قررت الولايات المتحدة الانسحاب مرة أخرى من الاتفاق، أو جاءت إدارة جمهورية جديدة إلى البيت الأبيض. ويتم ذلك من خلال آلية اقتصادية لتعويض هذه الشركات عن الأضرار المحتملة لمثل هذا السيناريو.

والجدير ذكره، أنه بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، خسرت واشنطن وتل أبيب إمكانية السيطرة بشكل كامل على البرنامج النووي الإيراني، وذلك لأن طهران وصلت إلى العتبة النووية بشكل فعلي، وباتت قادرة على تصنيع 4 قنابل نووية بنسب تفجير أخفض من القنبلة النووية التقليدية في الوقت الحالي، بحسب الخبير السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يسري أبو شادي.

وبعد أزمة الثقة الحاصلة، بات اليوم الشرط الوحيد لإمكانية إبرام اتفاق هو توصل الأطراف إلى نظرة واقعية تجاهه بوصفه “هدنة مؤقتة”، أو “مرحلة تمهيدية” للقرارات المصيرية المقبلة.

في المحصلة، يبدو أن طهران قد خففت من اللون الأحمر الداكن حول خطوطها الحمراء في بعض القضايا (أهمها إمكانية التفاوض على قائمة الإرهاب الأميركية وليس التخلي الكامل عنها)، لكنها تنتظر من الولايات المتحدة أن تقوم بالشيء نفسه. فضلًا عن تطلعها لقيام الولايات المتحدة بكبح جماح إسرائيل وعملياتها المخربة لإمكانية التوصل إلى اتفاق، خصوصاً أن ثمة ما يشي بأن سياسة “الصبر الإستراتيجي” التي اتبعتها إدارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني انتهت صلاحيتها بقدوم إدارة إبراهيم رئيسي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: