الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 مايو 2022 21:12
للمشاركة:

أمير قطر في إيران.. هل تسعى الدوحة لفتح طريق جديد للاتفاق النووي؟

تسعى قطر لتثبت دورها كقطب للمصالحات والاتفاقات الدولیة في الشرق الاوسط. فهي الدولة التي تحتضن أكبر قاعدة عسکریة أميركية وفي نفس الوقت تحاول أن تکون جسراً بین واشنطن وأكبر خصومها من أفغانستان حتی إيران وغیرها.

على هذا الأساس تُقرأ زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران في عدد من التحليلات الإيرانية. فقد كتبت صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية عما اسمته “اتفاق “بایدن – قطر” الذي سیحل محل اتفاق “أوباما – السلطان قابوس””!. ذاكرة في ذلك المقال أنّ المحاولات القطریة للوساطة کانت ناجحة إلى حد ما، وأوردت أن “تقاریر عدة تشیر إلى دور قطر البارز في منع حدوث اشتباکات عسکریة عنیفة بعد اغتیال اللواء قاسم سلیماني بید القوات الأميركية، ما دفع الأمير القطري الشیخ تمیم بن حمد آل ثاني إلى زیارة مفاجئة إلى طهران عام 2020”.

وفي مقارنة مع المحاولات الدبلوماسية الأخرى بین إيران والولايات المتحدة، تذكّر الصحيفة بعدم نجاح المبادرات الباکستانیة والفرنسیة وحتی الیابانیة للحد من التوتورات واستئناف الحوار المباشر بین البلدين، مضيفةً أنّ القطريين جادون في الحصول علی إنجاز دبلوماسي آخر يعزز مكانتهم کقطب للمصالحات والمفاوضات الدولیة.

من جانب آخر، تصف صحيفة “شرق” الإيرانية زیارة أمير قطر الخمیس إلى طهران بأنها الفرصة الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات التي ألحقت أضراراً جسیمة بالاقتصاد الایراني ومعيشة المواطنین.

وتابعت الصحيفة: “بعد 62 یوماً من تجمید المفاوضات وتراجع الأمل بإحياء الاتفاق، إلى جانب قرار الكونغرس الأميركي بإبقاء العقوبات علی إيران، يأتي أمير قطر إلى طهران لیشغّل محرّك الدبلوماسية من جدید”.

كذلك، اعتبرت صحيفة “ابتکار” أنّ قطر تشكل قطباً مؤثراً لاحتواء أزمة الطاقة الدولیة في ظل علاقاتها الجیدة مع الغرب، لافتةً إلى أنّ الحرب الأوكرانية تجعل الدوحة قادرة علی المناورة من أجل تهدئة المشهد وتوفیر الظروف المناسبة لإعادة إحياء الاتفاق.

وقالت الصحيفة إن “المحاولات القطریة لیست إلا حلاً قصیر الأمد حتى إذا نجحت، فإن الأزمة بین إيران والولايات المتحدة لن تُحلّ إلا من خلال اتخاذ قرارات کبیرة”.

في مقابل كل ما سبق، يبقى من المؤكد أن نوايا الدوحة لا يمكن أن تصل إلى مبتغاها إذا لم يُفتح لها الباب في طهران، وعليه فإن محطة بداية المسار من طرف إيران تلعب دورًا أساسيًا في تحديد أي محطة يمكن أن تتوسط هذا المسار سواء قطر أو عُمان أو غيرهما، وهذا بدوره يعتمد على ما تقدمه تلك المحطات من عروض، فضلًا عن رصيد الثقة التي تملكه في جعبة الإيرانيين.

فحتی وقت قريب مضى، کانت سلطنة عمان تتربع على عرش الوساطة بین الولايات المتحدة وإيران بدون منازع، حيث منع نشاطها الدبلوماسي خلال السنوات الماضية تصاعد أكبر في الصراع بين الطرفين، فضلًا عن دورها في حل أزمات إقليمية لواشنطن وطهران بصورة أو أخرى يدًا فيها.

وعلى إثر هذا الدور، كانت كلّ زيارة تقود وزیر الخارجیة السابق للسلطنة یوسف بن علوي إلى إيران تُحدث انتظارًا في أوساط المراقبين لمبادرة حوار أو تقریب وجهات نظر بین الخصوم، سواءً فيما يتعلق برفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني أو احتواء التوترات الإقليمية التي تلحق أضراراً بمصالح الجمیع.

جذور هذه النظرة لدور مسقط يعود إلى المفاوضات التي انطلقت في الخفاء وباستضافة سلطان عمان الراحل قابوس بن سعید عام 2012، حيث خرج من رحم هذه المفاوضات أكبر اتفاق سیاسي بین إيران والغرب منذ الثورة الإسلامیة بقيادة روح الله الخميني. لكن مع مرور عقد من الزمان على بدء تلك المفاوضات، حاملًا في طياته تغيّيرات في الكثير من الظروف. منها علی سبیل المثال، وصول هذا الاتفاق الذي وُضِع حجر أساسه في مسقط وکان یعتبر من أهم الأحداث السياسية في سياق العلاقة بين أميركا وإيران إلى مرحلة يلفظ فيها أنفاسه الأخيرة بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه وإعادة فرض عقوبات أشد علی ایران، کما فشلت حتی الآن جمیع الجهود الدبلوماسية لإحيائه بعد عودة الدیموقراطیین برئاسة جو بايدن إلى البیت الأبيض. والجدير ذكره، أنه في خضم ذلك كله شهدت السلطنة تغيرًا في تركيبة الحكم بعد وفاة السلطان قابوس، إذ انتقل الحكم بعده لابن اخيه السلطان هيثم بن طارق، كما أن وزارة الخارجية أصبحت على إثر ذلك بقيادة بدر بن حمد البوسعيدي.

ومؤخرا توسطت عمان بين بريطانيا وايران في صفقة شهدت افراج إيران عن حاملي الجنسية المزدوجة البريطانية والإيرانية نازنين زاغري راتكليف وانوشه عاشوري، مقابل تسليم لندن لطهران ديناً قديما محتجزا بقيمة 530 مليون دولار. لكن عملية تحويل الأموال من مسقط إلى طهران لا تزال تواجه بعض الصعوبات كما كشف في وقت سابق برلماني إيراني.

فقد نقل موقع انتخاب عن المتحدث باسم اللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسية الخارجية، النائب محمود عباس زاده مشكيني، أن إيران لم تتمكن من استرجاع 400 مليون جنية إسترليني أعادتها بريطانيا، في إطار تسديد ديون تاريخية.
وقال مشكيني: «نعمل نوعاً ما مع دول المنطقة، وهي تقوم ببعض الوساطات والمشاورات للحصول على مستحقاتنا»، وأضاف النائب: «ما هو مهم أن الأموال المحتجَزة جرى إطلاقها من الدولة المحتجزة، من حيث المبدأ، ليس لدينا صعوبة كبيرة في الوصول إلى الوجهة النهائية».


ولعل هذا التفصيل المهم يلقي بظلاله على الثقة التي بين مسقط وطهران وهو ما قد يفتح الباب بشكل اوسع نحو تعزيز حظوظ قطر في القفز إلى المقعد الامامي في مسار الوساطة بين إيران والولايات المتحدة في المرحلة القادمة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: