الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 مايو 2022 19:07
للمشاركة:

الخبز والأدوية والبنزين.. لماذا يخشى المجتمع الإيراني من رفع الدعم؟

صيدلية 13 آبان، هي واحدة من أهم الصيدليات الحكومية بالعاصمة طهران، والتي تحولت خلال السنوات الماضية إلى ملجأ للمرضى الذين يواجهون مشاكل عديدة للحصول على دوائهم بسبب العقوبات الأميركية.

وشهدت هذه الصيدلية، كباقي الصيدليات الحكومية الأخرى، اضطرابات جديدة خلال الأسابيع الماضية، ليس فقط بسبب النقص في سوق الدواء، بل بسبب ارتفاع أسعار الأدوية بعد الرفع التدريجي للدعم الحكومي الذي كان مرصودًا لتخفيض أسعارها.

غلاء فاحش

وأعرب أحد كبار السن الواقفين في الطابور أمام باب الصیدلیة عن قلقه قائلًا: ارتفع سعر الدواء الذي أضطر لأخذه يوميًا من 70 ألف تومان إلى أكثر من 500 ألف تومان (1$= 28 ألف تومان) خلال أقل من أسبوع.

وأضاف: إنهم یلغون الدعم عن جمیع السلع والخدمات، وهذا الأمر سیؤدي إلی ارتفاع الأسعار والتضخم. وتساءل: “کیف يمكننا دفع هذه التكاليف في ظل الغلاء الفاحش؟”.

وانعكست التقارير الإعلامية حول هذا الموضوع سلبًا في الداخل الإيراني، وبدا المجتمع أكثر تشاؤمًا تجاه وعود الحكومة المتعلقة بعدم ارتفاع أسعار الخبز والمواد الغذائية الأخرى بعد رفع الدعم.

وتنعكس هذه المخاوف بشكل واضح في كلام فاطمة، وهي موظفة جاءت إلی أحد المراكز التجارية وسط طهران لشراء المواد الغذائية، وقالت: “خلال العقد الماضي، دفعنا ثمن هبوط الريال أمام الدولار، وعلی ما یبدو یجب أن نستعد لموجة أخرى من الغلاء والتضخم، لكن هذه المرة من أجل الإصلاح الاقتصادي”.

و حسب التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الحكوميين خلال الأيام الماضية، فان الإصلاحات الاقتصادية لن تبقى عند حدود الخبز بل ستشمل جميع السلع والخدمات التي كانت مدعومة بالعملة الحكومية. حيث أكد نائب الرئيس الإيراني محمد مخبر أن الحكومة الإيرانية ماضية نحو إلغاء الدعم الحكومي. كما أشار وزير الاقتصاد احسان خاندوزي إلى أن الحكومة كانت ملتزمة بإلغاء الدعم عن جميع السلع بما فيها الطاقة لكنها قررت تأجيل ذلك للعام المقبل بهدف توفير الظروف الاجتماعية المناسبة.

واللافت أن هذه الظروف لیست غیر مألوفة للمجمتع الإیراني، حیث تسبب قرار الحكومة السابقة برئاسة حسن روحاني في رفع سعر البنزین، بنسبة متواضعة مقارنة مع دول الجوار، باندلاع واحدة من أکبر الأزمات الأمنیة في تاریخ إیران المعاصر عام 2019، حيث قتل خلالها نحو 250 شخصًا بعد 4 أيام من المواجهات، وفق الرواية الرسمية.

بداية رفع الدعم

من هنا، یُطرح السؤال: لماذا تصر الحكومة علی فتح ملف حذف الدعم، وهي تدرك تمامًا خطورة أبعاد ذلك في ظل العقوبات والمفاوضات النوویة؟

في الحقیقة، مشروع حذف الدعم في الاقتصاد الإیراني لیس ولید الیوم، ویعود تاریخه إلی بدایة عهد الرئیس أحمدي نجاد الذي بدأ ولايته الرئاسية عام 2005.

في ذلك الوقت، قررت جمیع مراکز صنع القرار في إیران (بدعم من مجمع تشخیص مصلحة النظام برئاسة هاشمي رفسنجاني وتأیید القائد الأعلى علي خامنئي) الخروج من اقتصاد شبه شیوعي الذي بدأ في حرب إیران والعراق، وتبني سیاسة الاقتصاد الحر بهدف تعزیز قوة البلد التنموية.

ونجحت الحكومة حينها في تنفیذ الخطة عبر مراحلها الأولى، من خلال رفع سعر البنزین وإعطاء المواطنین دعمًا نقدیًا مباشرًا. وبحسب الكثیر من الخبراء، لعب ارتفاع سعر الطاقة علی الصعید الدولی آنذاك، وبالتالی زیادة إیرادات الحكومة (نحو 700 ملیار دولار خلال 8 سنوات)، دورًا مهمًا في إدارة المشهد.

ومقارنة مع الظروف الحالیة، أشار موقع “تجارت نیوز” الإیراني إلى أنه “لا يشك أي خبیر في ضرورة تنفیذ الإصلاحات الاقتصادیة، لأن الدعم الحكومي أبقی الأسعار غیر واقعية، ما يؤدي إلى تهريب السلع من إیران إلی دول الجوار، إضافة إلی إهدار المصادر المالیة للبلاد.

مخاوف أمنية

لكن في الوقت نفسه، يشار إلى أن المجتمع الإیراني لم یعد قادرًا علی تحمل المزید من الضغوط بعد عقد من الأزمات الاقتصادیة الناتجة عن العقوبات. ومن ناحیة أخرى، یتطلب مشروع حذف الدعم إعطاء المواطن شبكة دعم نقدي مباشر لفتره من الزمن تعوض جزءًا من خسائره، إلا أن مصادرها تبدو غیر متواجدة حالیًا عند الحكومة التي لا تزال تعاني من العقوبات.

وبخلاف مزاعم وسائل الإعلام المعارضة التي تزعم أن الحکومه قد اتخذت قرارها لتنفیذ المشروع یبدو أن الخلافات کانت تتوسع حتی داخل الحكومة نفسها، وأغلبها تتعلق بالمخاوف الأمنیة.

وظهرت الخلافات إلی العلن خلال مقابلة مثیرة للجدل أجراها المساعد الاقتصادي للرئیس الإیراني محسن رضائي، مع قناة الخبر الإیرانیة، حيث أعلن أن الحكومة أقرت المشروع، وأنه سیدخل حیز التنفیذ عبر مراحل مختلفة، شرحها خلال المقابلة.

لكن بعد مرور بضعة دقائق من المقابلة، ظهر محسن رضائي من جدید، لكن مع قليل من الارتباك، حيث نفى خبر تأیید الخطة في الحكومة، قائلًا: القضایا الاقتصادیة تكون كما أعلنت، لكن الحكومة لم تقر الخطة بعد، وعلینا أن ننتظر.

وبین المواقف المتناقضة من جانب الحكومة، والإشارات الحمراء من جانب المجتمع، (منها إقامة مظاهرات محدودة خلال الأیام الماضیة في بعض المدن الجنوبیة احتجاجًا علی رفع الأسعار) ظهر الرئیس الایراني ابراهیم رئیسي مؤخرا أمام الشاشات خلال حوار مع التلفزيون الإيراني، معلنا أن القرار لرفع الدعم قد اتخذ لکنه لن يدخل حيز التنفیذ إلا بعد توفیر الظروف الملائمة مع معاش المواطنین وبهذه الطریقة حسم التناقض الذي ظهر من خلال تصريحات أعضاء حکومته بعد بضعة أسابیع من الجدل.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: