الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة8 مايو 2022 03:39
للمشاركة:

احتجاجات جديدة على الوضع الاقتصادي.. ما هي خیارات رئیسي لتجاوز الأزمة؟

هل يمكن اعتبار حکومه إبراهيم رئیسي في إيران حکومة سیئة الحظ؟.. یبدو أنّ الجواب العادل على هذا السؤال هو: نعم، على الأقل حتى الآن.






تسلّمت هذه الحکومة إرثاً ضخماً من الأزمات الاقتصادیة المتبقية منذ عهد الرئیس السابق حسن روحاني؛ بما في ذلك دعم السلع والأدوية بعملة حکومیة قیمتها 4200 تومان (بینما یصل سعر الصرف الحقیقي في الأسواق إلى أكثر من 27000 تومان). ومن ناحیة أخرى، لاتزال العقوبات الواسعة النطاق التي تقیّد وصول إيران إلى العملة الأجنبية مستمرة، ولا يمكن الالتفاف علیها في أغلب الأحيان إلا من خلال المقایضه فقط (النفط مقابل السلع والخدمات).

عطفا على ما سبق، جاءت حرب أوكرانيا وتبعاتها الاقتصادیة العالمیة، منها انخفاض صادرات القمح والتضخم، بینما لم یخرج الاقتصاد الدولي من الرکود الناجم عن أزمة کوررنا بعد، لتفاقم الأزمة أكثر في البلاد.

ویُظهر استطلاع أُجري موخراً في إيران أنّ شعبیة حکومة رئیسي تراجعت لأكثر من 10% بعد نحو عام من تولیها السلطة. وبینما أعرب أكثر من 44% من المواطنین الإيرانيين عن ارتیاحهم تجاه أداء الحکومة في الخریف الماضي، یظهر استطلاع موسسة “کیو” أنّ هذا الدعم تراجع إلى أقل من 33% مؤخراً.

لکن ما هي جذور الاستیاء الشعبي هذا والذي لا يزال من الممكن اعتباره معقولاً؟. للإجابة لا بدّ من إلقاء نظرة على أوضاع الأسواق الإيرانية في هذه الأيام.

خلال الأسابيع الأخيرة شهدت أسعار المواد الغذائیة بأكملها ارتفاعاً ملحوظاً، بینما تشیر التقاریر إلى نقص بعض السلع، منها الزیت والمعکرونةً في الأسواق. ویفید تقریر موقع “تجارت نیوز” الإيراني أنّ أسعار المواد الغذائیة ارتفعت بنسبة تتراوح بین 35 إلی 60% خلال أقل من شهرین.

وفي شرح أسباب التضخم، یضیف “تجارت نیوز” أنّ نقص العملة الأجنبية عند البنك المرکزي الإيراني بجانب الأزمة الدولیة لتأمين المواد الأولية أديا إلى ارتفاع التضخم، وبالتالی زیادة الضغوط المعیشیة علی المواطنین.

كل ذلك يأتي بینما أثارت شائعات بشأن إلغاء الدعم عن الخبز مخاوف کبیرة عند المجتمع الإيراني. کما بدأت الحکومة خطة إلغاء الدعم عن بعض الأدوية الخاصة خلال الأشهر الماضیة بعیداً عن الضجیج الإعلامي، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار تلك الأدوية.

ورداً علی الشائعات أعلن المتحدث باسم الحکومة ربهادري جهرمي أنّ الرئيس الإيراني أكد علی أنّ سعر الخبز یجب أن لا يتغيّر حتی نهایة العام الجاري. ومع ذلك، تشیر تقاریر مختلفة إلى ارتفاع سعر الخبز بشکل غیر منتظم في مناطق مختلفة من البلاد.

وفي إشارة إلى مستقبل الدعم الحکومي للسلع الغذائیة، یتابع موقع “تجارت نیوز”: “نظراً للعوقبات والمصادر المحدودة عند المصرف المرکزي، لا یوجد حل بدیل عند الحکومة سوی وقف الدعم وتبني سیاسات حرّة تجاه المواد الغذائیة”.

وبالتزامن مع کل ذلك، لم تقتصر تبعات التضخم والاضطرابات الاجتماعیة الناجمة عنها علی تراجع حاضنة الحکومة في الاستطلاعات، حيث تتحدث تقارير ذات صلة عن مظاهرات شعبیة في بعض المدن الجنوبیة والریفیة في إيران احتجاجاً علی ارتفاع الأسعار.

ووفقاً لتقاریر، شهدت مدینتا إيذه وسوسنغرد في محافظة خوزستان احتجاجات محدودة، بینما دعت المجموعات المعارضة المواطنین إلى إقامة احتجاجات أوسع في مدینة الأهواز عبر المنصات الافتراضیة.

ورداً علی ذلك، شهدت أغلبية مدن خوزستان أجواء أمنية ملحوظة إلى جانب قطع شبکة الإنترنت لعدة ساعات، في محاولة لمنع حدوث احتجاجات. وکانت قد تحولت مدن خوزستان إلى ساحة اشتباکات عنیفة بین المحتجین والأمن خلال المظاهرات عامي 2019 و2017.

ورغم أنها تحتضن أغلبية المصادر النفطیه للبلاد، تعتبر خوزستان من أفقر المحافظات في إيران. وزادت احتجاجات اللیالي الماضیة في المدن الجنوبیة المخاوف من تکرار أحداث عام 2019 بوصفها أكبر احتجاج اقتصادي فی تاریخ البلاد المعاصر بعد قرار حکومة حسن روحاني رفع سعر البنزین بنسبة متواضعة.

من الواضح أنّ حكومة رئیسي منذ بدایة عملها تواجه مفترق طرق صعب، ما یضفي طابعاً مصيرياً على خياراتها، فهي إما ستمتثل لرأي الخبراء الاقتصادیین الداعي لتحرير الأسعار ورفع الدعم الذی فرض عبئاً ثقیلاً علی عاتق الحکومة، وإما ستتراجع أمام ضغوط المجتمع بسبب المخاوف بشأن الاضطرابات الأمنية الواسعة في بدایة عهدها.

وبین هذا وذاك، یُطرم السؤال: هل ستبقی حكومة رئیسي ملتزمة بوعدها بعدم ربط الاقتصاد الإيراني بالمفاوضات النوویة لرفع العقوبات، أم أنها ستضطر أن تخطو خطوات تكتيكية تنقذها من أزمة داخلیة ستلحق أضراراً جسیمة بحاضنتها الاجتماعیة؟

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: