الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 مايو 2022 06:21
للمشاركة:

من عائلة مناصرة للشاه إلى إدارة الجبهة الثقافیة للنظام الإسلامي.. من هو نادر طالب زاده؟

توفي الجمعة 29 أبريل/ نيسان 2022، أحد أبرز الشخصیات الثقافیة الداعمة لخطاب الثورة والمقاومة في إيران عن عمر یناهز 69 عاماً بعد سنوات طویلة من الصراع مع المرض، إنه نادر طالب زاده؛ المخرج السینمائي والوثائقي والخبیر في الاستراتيجيات الثقافية، وقد فارق الحياة في أحد مستشفیات طهران.

وعلی عکس العدید من الشخصیات المقربة من النظام في إيران، لم یولد نادر طالب زاده في عائلة ذات انتمائات دینیة او أيديولوجية، بل أتى من خلفیة معارضة تماماً للنظام الإسلامي، وهو ابن عائلة بارزة في عصر الشاه وکان والده قائداً في الجیش یقال إنه لعب دوراً هاماً في انقلاب 1953، عندما قُضي علی حکومه محمد مصدق.

حصل هذا الانقلاب في نفس العام الذي ولد فیه نادر؛ الطفل الذي لم یکن یتوقع أنه سیصبح أحد أبرز المسؤولين الثقافیین لنظام سیقام في إيران بعد سقوط السلطنة البهلویة.

وغادر طالب زاده البلاد متجهاً نحو الولایات المتحدة وهو في العاشرة من عمره فقط، لإكمال التعلیم الابتدائي ومن ثم الجامعي. ویقول نادر في ذكرياته عن تلك السنوات في حوار مع مشروع التاریخ الشفوي بإشراف حسین دهباشي: “في البدایة اخترت فرع الطب بناء علی طلب ونصیحة عائلتي، لکنني وجدت في منتصف الطریق أن مكاني ليس هنا، فتركت الطب بحثاً عن الأدب والسینما”.

وعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران كان الشاب معارضاً تماماً لأهداف والده وربما عائلته. فمن جهة کان مفتوناً بالخطاب الإسلامي الثوري الجدید لرمز تلك الثورة روح الله الخمیني، ومن جهة أخرى تأثر کالعدید من الشباب والطلاب الآخرین خلال تلك الفترة بالأفكار الیساریة المعارضة لواشنطن. هذا ما دفعه إلى مغادرة عائلته ودراسته سريعاً في الولايات المتحدة والعودة إلى إيران.

وسرعان ما أثبت طالب زادة قدرته على لعب دور بارز في القضایا الثقافیة لثورة کانت بحاجة ماسة لقوی جدیدة ومتعلمة بنفس الوقت. علی سبیل المثال، أنشأ طالب زاده صحيفة “تهران تایمز” الإنجليزية بعد أيام قليلة من نجاح الثورة، والتی لاتزال حتى اليوم تمثل أحد أهم المنابر الإنجليزية للجمهوریة الإسلامية. ولم یقف طلب زاده عند حدود الصحافة، ليتجه نحو الکامیرا والسینما لتسجیل أحداث ثورة کان یعتبرها الظاهرة الأهم في عصرنا هذا.

ومنذ عام 1980، انضم الشاب العائد من الولايات المتحدة إلى مجموعة مرتضى آویني الذی یوصف بأنه الأب الروحي للسینما والأدب الثوري. على سبیل المثال، خرج من هذه المجموعة شخصیات منها المخرج الإيراني الشهیر الذي تحوّل إلى المعارضة ویقیم حالیاً خارج إيران محسن مخملباف، المخرج الذی بقي في معسکر الثورة منتجاً أفلاماً بارزة تتعلق بتاریخ الثورة والحرب إبراهيم حاتمي کیا، الشاعر القریب من القائد الأعلى الإيراني یوسف میرشکاك وغیرهم من المثقفین والمخرجین والکتاب.

وکان ترکیز المجموعة آنذاك منصباً علی حرب إيران والعراق من خلال إنتاج مجموعة من الوثائقیات تسمی ب «روایه الفتح». وبدأ طالب زاده نشاطه من خلال إنتاج أجزاء من هذه الروایات، عاكساً روحية المجتمع الایراني.

وباعتباره جندیاً ثقافیاً، کان یغطي جمیع نشاطات الجمهوریة الإسلامية في جبهات مختلفة، وقد تم إرساله خلال السنوات اللاحقة إلى منطقة البلقان لتسجیل الأحداث الدائرة هناك وفق الروایة الثوریة. ومن بعد ذلك أيضاً أخرج الرجل مسلسلاً عن حياة نبي الله عيسى المسیح بتمویل کبیر من قبل النظام، ثم اقتُبس منه فيلم لكنه لم یلق ترحیباً لافتاً.

ومنذ عام 2009 وفي ظل تعمّق الفجوة السیاسیة في إيران بعد الانتخابات، بدأت مرحلة جدیدة في حیاة طالب زادة من خلال دخوله الی المشهد السیاسي الداخلي مباشرةً، بینما کان قبل ذلك مجرد شخصیة ثقافیة مهتمة بنشر إصدارات متعلقة بالثورة بعیداً عن الاصطفافات الداخلیة.

إدانته شدیدة اللهجة للتیار الإصلاحي، إلى جانب دعمه الأساسي لحكومة أحمدي نجاد ومواقف القائد الأعلى جعله واحداً من أبرز الشخصیات الثقافیة عند معسکر الأصوليين، وتحدیداً جبهة بایداري (الجناح الأكثر تشدداً عند الیمین المحافظ في إیران).

وبأمر من القائد الأعلى، انضم طالب زادة إلى المجلس المرکزي لإدارة معکسر “عمار” الذي تم إنشاؤه بهدف المواجهة الإعلامية والفنية مع الحرکة الخضراء بعد الانتخابات، کما أنه لعب دوراً بارزاً في إنشاء قناه “افق”، بوصفها أهم قاعدة إعلامية لجبهة بایداري والتي تتخذ عادة مواقف أكثر تشدداً من التلفزیون الرسمي في إيران.

ورغم أنه كان يُعرف باحترافه وتعليمه، لكنّ طالب زاده وخلال السنوات الأخيرة من عمره اتخذ مواقف غریبة فاجأت الآخرین في بعض الأحيان. على سبیل المثال زعم أنه تعرّض لمحاولة اغتیال بأسلوب بيولوجي خلال رحلته إلى مدینة کربلاء العراقیة. وردا علیه أعلن رئیس منظمة الدفاع المدني الإيراني الجنرال جلالي أنّ طالب زاده لیس علی قائمة الاغتیالات عند الاعداء.

وفي تعلیق آخر علی الهواء نقلاً عن مصدر لم یكشفه أبداً، زعم طالب زاده أنّ انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020 نجم عن إطلاق قنبلة نوویة عبر طائرة أف-16. کما تحدث مرات عدة عن قرب وقوع سناریو الحرب الداخلیة في الولايات المتحدة، معتبراً أنً الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد یکون الرئیس الأخبر لبلاده التي ستذهب نحو السقوط والانهيار.

من جانب آخر أطلق المخرج السينمائي خلال السنوات الأخيرة مشروعاً لجمع النخب الأجنبية الذین ینتقدون السياسات الأميركية.

ورغم أنّ المشروع بدأ فعلاً من خلال دعوة بعض النخب الیساریة إلى إيران بشکل مقبول، لکنّ مصداقيته تدهورت تدریجیاً من خلال دعوة شخصیات مجهولة لم تكن على علم بالسیاسة والعلاقات الدولیة، حيث كانوا يتخذون مواقفة ضد الولايات المتحدة أمام الشاشات باللغة الإنكليزية فقط.

وکانت کاترین شکدم إحدى الشخصیات التي دخلت إيران بإشراف من طالب زاده من أجل العمل مع وسائل الإعلام الإيرانية باللغة الإنكليزية، وأجرت مقابلة مع الرئيس الحالي ابراهيم رئيسي حين كان مرشحا للرئاسة في العام 2017. لكن شاكدام ظهرت لاحقا على وسائل إعلام إسرائيلية وبدون حجاب لتفتح الباب أمام انتقادات ضخمة للمخرج الراحل وتحليلات واتهامات وصلت إلى حد التلميح لكونه وفريق عمله سهلوا بقصد أو غير قصد اختراق الموساد لمؤسسات كبرى في النظام.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: