الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 أبريل 2022 20:22
للمشاركة:

الدبلوماسية الإقليمية يمكن أن تكسر الجمود بشأن الحرس الثوري الإيراني

تناول الزميل علي هاشم حالة المحادثات المتوقفة بشأن العودة للاتفاق النووي الإيراني، حيث أشار في مقالة لموقع "المونيتور" الأميركي، إلى المفاوضات السعودية - الإيرانية كمسار يمكن أن يمهد الأجواء لتراجع نشاط الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، ما قد يلعب دوراً مهماً في حل العقدة المتبقية التي قد يؤدي استمرارها لتجمد كل ما تم التوصل إليه في فيينا حتى الآن.

إليكم النص الكامل للمقال كما ترجمته “جاده إيران”.

المحادثات السعودية – الإيرانية الحالية تقدم أرضية جيّدة لتراجع نشاط الحرس الثوري الإيراني إقليمياً، في وقت يسيطر الجمود لعدم تمكن وطهران وواشنطن من تخطي مسألة تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية.

يتردد صدى الأذان في أزقة سوق طهران الأصغر الذي يقع شمال العاصمة. في بازار تجريش تمتلئ المتاجر بالزبائن على الرغم من العقوبات الشديدة وانخفاض قيمة العملة الإيرانية الذي قلّص موائد الطعام وقزّم حسابات البنوك.

هناك بعض المؤشرات الإيجابية، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي نموّاً بنسبة 2.5٪ ، بينما سيظل التضخم عند نحو 40٪ في عام 2022.

كانت الآمال في إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مرتفعة حتى نهاية شباط/ فبراير، إلا أن حظيت الحرب في أوكرانيا بالأولوية، ولم يكن هناك على ما يبدو حل وسط واضح بشأن ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستحذف الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) من التصنيف كمنظمة أجنبية إرهابية.

في هذه الأيام، هناك أمل ضئيل بحدوث معجزة وإقناع الولايات المتحدة أو إيران بتقديم تنازل من شأنه تسهيل إحياء الصفقة. في حين تم توضيح جميع الجوانب الفنية للاتفاق خلال الأشهر الماضية، لا يزال إرث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يمنع المفاوضين من التوصل إلى اتفاق، مما يزيد من المخاوف من أنّ البرنامج النووي الإيراني قد يتجه نحو مرحلة العتبة النووية، أي الجهوزية لتصنيع القنبلة.

محور الجدل هو إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية الأجنبية، إلى جانب العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب. وترى طهران شطب تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية كشرط مسبق لأي صفقة، بينما تعتبره الولايات المتحدة قضية منفصلة. وسواء كان العبء في طهران أو واشنطن، فمن الواضح أنّ القضية هي لغم يريد صانعو القرار في كلتا العاصمتين تجنبه.

حتى القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي متردد في التورط في أي خطوة يمكن أن توفر أي شرعية للغارة الجوية في كانون الثاني/ يناير 2020 التي قتلت قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

أدت ضربة الطائرة المسيّرة إلى تصعيد غير مسبوق بين الولايات المتحدة وإيران. قال الرئيس الأميركي حينها إنه أمر بضربة دقيقة للقضاء على قائد إيراني كبير كان يخطط لـ “هجمات وشيكة وشريرة” على الأميركيين، مضيفاً أنّ هذه الخطوة كانت ردعاً وليس عدوان. وردت إيران يوم دفن سليماني بقصف قاعدة عين الأسد العسكرية الأميركية في العراق بوابل من 14 صاروخاً. ولم يقتل أي جندي أميركي في الهجوم.

وأشار مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني لـ “المونيتور”، شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أنّ “مقتل سليماني استند إلى تصنيف الفيلق على أنه منظمة إرهابية، وإبقائه وفيلق القدس على هذه القوائم يعني قبول قتل القادة، سواء الآن أو لاحقاً”.

وتعهد مسؤولون إيرانيون بالانتقام لقائدهم. وكرر خامنئي التأكيد على أنّ “أولئك الذين أمروا بقتل الجنرال سليماني وكذلك أولئك الذين نفذوا ذلك يجب أن يعاقبوا”. وتابع: “هذا الانتقام سيحدث بالتأكيد في الوقت المناسب “. في الآونة الأخيرة، شدد الرئيس إبراهيم رئيسي على أن ترامب “المعتدي والقاتل الرئيسي”، وأنه “يجب أن يواجه العدالة والانتقام” إلى جانب وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو “ومجرمين آخرين”.

خلال جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 26 نيسان/ أبريل، سأل السناتور تيد كروز وزير الخارجية أنطوني بلينكين إذا كان صحيحاً أن الحرس الثوري الإيراني يحاول بنشاط قتل كبار المسؤولين الأميركيين السابقين. رد بلينكين بشكل غامض: “هناك تهديد مستمر ضد المسؤولين الأميركيين في الحاضر والماضي”.

في آذار/ مارس، أخبرت وزارة الخارجية الكونغرس إنها تدفع أكثر من مليوني دولار شهرياً لتوفير الأمن على مدار 24 ساعة لبومبيو وأحد كبار مساعديه، وكلاهما يواجه تهديدات “جادة وذات مصداقية” من إيران.

ذكر المصدر المقرّب من الحرس الثوري الإيراني ل”المونيتور” أن الولايات المتحدة عرضت شطب الحرس الثوري مقابل ضمان أن توقف إيران جهودها للانتقام لسليماني. وشدد المصدر على أنّ “القائد الأعلى كان واضحاً: هذا شيء لا يمكن لإيران أن تتنازل عنه بأي ثمن” ، مضيفاً أن “أولئك الذين خططوا وأمروا وأعدموا سيظلون دائمًا تطاردهم روح الحاج قاسم”.

مع وجود العديد من العناصر الأخرى التي تلقي بظلالها على مصير الاتفاق النووي، فمن الواضح أنّ الآراء التقليدية عن كيفية التغلّب على المعضلة لن تؤدي إلى حلول. قد تكون هناك حاجة للنظر خارج الصندوق لحفظ اتفاقية 2015، أو ربما تهيئة الظروف اللازمة لبناء صفقة جديدة على أنقاض الاتفاقية القديمة.

بما أن القضية الرئيسية الآن هي الحرس الثوري الإيراني والدور الذي يلعبه في المنطقة، فربما يمكن للتنظيم نفسه أن يقدم الحل.
صرحت باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في مركز أتلانتيك كاونسل، في مقابلة مع المونيتور، إنه “من غير المرجح أن تقدم إيران ضماناً محدداً بأنها لن تستهدف الأميركيين الذين تعتقد بأنهم مسؤولون عن اغتيال الجنرال سليماني”. وأضافت أنّ طهران سعت إلى تهدئة التوترات مع خصومها العرب، وأبرزهم السعودية، ودعمت وقف إطلاق النار في اليمن. وتابعت: “إذا إيران يمكنها إصدار بيان غامض عن حاجة المنطقة لحل صراعاتها من خلال الدبلوماسية، بينما يتم بهدوء وضع أي مؤامرات ضد الأميركيين على الرف”.

ربما يفتح تزامن المحادثات النووية مع الحوار الإيراني – السعودي الباب أمام مبادرات قابلة للتطبيق. بصرف النظر عن إسرائيل، لدى جيران إيران العرب شكاوى جدية بشأن دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا واليمن ولبنان والعراق. يمكن أن يؤدي تخفيف التوترات الإقليمية إلى خلق مساحة لهدنة فعلية يمكن أن تسهّل التوصل إلى حل على الجبهة النووية، لكن هذا ليس شيئاً يمكن لأي شخص ضمانه.

أوضح عدنان طباطبائي، الرئيس التنفيذي لمركز الأبحاث CARPO ومقره ألمانيا، إنّ “الحرس الثوري الإيراني هو القوة العسكرية الوحيدة التي تقود سياسات الردع الإيرانية وسياسات الحرب غير المتكافئة في المنطقة”.

وقال طبطبائي لموقع “المونيتور” إنه كلما زاد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، زادت رغبة طهران بممارسة الضغط على واشنطن والحفاظ على قدراتها الرادعة في المنطقة. وأضاف: “كلما أمكن تخفيف التوترات الإيرانية – الأميركية، زاد التوتر بين إيران والسعودية، وكلما تحسنت العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، كلما وجدت إيران وخصومها المحتملون طريقة من أجل التعايش السلمي، فتقل حاجة الحرس الثوري الإيراني لتبنّي وتنفيذ عمليات الردع في المنطقة، سواء كانت مهاجمة البعثات الدبلوماسية الأميركية أو القواعد العسكرية. سيؤدي خفض التصعيد الإقليمي تلقائياً إلى تقليل الوجود الإقليمي للحرس الثوري الإيراني والقوات المرتبطة به في الجوار المباشر لإيران، ولهذا السبب أعتقد بأن المحادثات الإيرانية – السعودية الجارية هي مسار إضافي جيد جداً لمجموعة 5 + 1 أو P4 + 1 في ما يتعلّق بخطة العمل الشاملة المشتركة “.

بالعودة إلى تجريش، بجوار السوق يقع ضريح الإمام زاده صالح. والضريح هو المكان الذي دُفن فيه علماء نوويون اغتيلوا سابقا. ومن بين هؤلاء محسن فخري زاده، الرجل الذي يُعتبر والد البرنامج النووي الإيراني، والذي اغتيل بالقرب من طهران في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. ومؤخرا دفن حسن إيرلو، سفير طهران لدى الحكومة التي يسيطر عليها الحوثيون ومقرها صنعاء، والذي توفي بسبب COVID-19 عندما كان يخضع للعقوبات الأميركية لعضويته في فيلق القدس، إلى جانب فخري زاده. إنها صورة مؤثرة لكيفية تشابك القضايا في إيران، حيث تختلط السياسة والجيش والتقدم النووي تماماً مثل الحياة والموت.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: