الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 أبريل 2022 13:44
للمشاركة:

إيران في سوريا: هل انتهت المهمة؟

مع اندلاع حرب أوكرانيا وانخراط روسیا في الجبهة الأوروبية تحوّلت الأنظار مرة أخرى نحو النفوذ الایراني في سوریا، حيث تجري معرکة خفیة بین طهران وموسکو من أجل بناء النفوذ في بلد بدأ يخرج من حرب داخلية، وعزلة خارجية امتدت لأكثر من 10 سنوات.

وعلى الرغم من أنّ إيران لم تتمکن من القیام باستثمارات واضحة على الصعيد الاقتصادي في سوریا بعد الحرب بسبب أزماتها الناتجة عن العقوبات، إلا أنها وبموازاة محاولات منافسیها نجحت فعلاً في بناء قوة میدانیة ستلعب من المؤكد دوراً حاسماً في المؤسسة العسکریة السوریة خلال السنوات المقبلة. الأمر الذي يشير إلى أن طهران تعمل مجددًا وبدون ضجيج إعلامي على تكرار نموذجها المجرب في لبنان والعراق، في حين أن القوى الإقليمية والدولية الأخرى فشلت في أن تكسب هذا الإنجاز لصحالها. ولعل انعكاسات الدور الروسي في سوريا بعد حرب أوكرانيا، بدأت تساعد إيران على الاستفادة من هذه التداعيات ميدانيًا للمراكمة في حساب المشروع الذي تعمل تعمل عليه هناك. وعندما يتم الحديث عن تعزيز النفوذ العسكري الإيراني في مختلف مناطق سوريا لا يُقصد منه النفوذ التقليدي، كالاعتماد على قوات حزب الله أو مجموعات عسكرية تم تشكيلها خلال الحرب من المكون الشيعي الذي يعيش في سوريا، بل يشمل الأمر إنشاء شبكات محلية من العشائر والكرد في ظل التراجع الأميركي عن المنطقة، والانشغال الروسي بملف أوكرانيا. في هذا الصدد، ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط”السعودية، أن حلفاء إيران في الجيش السوري (تحديًا الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد)، إلى جانب قوات حزب الله والحرس الثوري حلوا مكان قوات روسية انسحبت من الريف الشرقي لمدينة حمص باتجاه المطار العسكري في تدمر.

بناء علی هذه الموشرات یعتقد كثيرون أنّ إيران تتطلع لاستخدام مساحه أُتيحت لها علی هامش الحرب في أوكرانيا لتعزیز نفوذها في سوریا. وتتضح أهمية القضیة عندما نلاحظ أنّ هذه الأخيرة بدأت تشعر بقلق من الاتصالات العربیة- الروسیة والتي يمكن أن تؤدي إلى الالتفاف علی دورها فی سوریا.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ طهران لن تعارض أبداً تطبیع العلاقات بین دمشق والعواصم العربية التی من المتوقع أنها ستموّل عملیة إعادة إعمار في سوریا، لکنّ حساسیة القضیة بالنسبه للإيرانيين تعود إلى احتمالیة استغلال الدول العربیة ملف إعادة الإعمار من أجل الضغط علی القیادة السوریة بهدف إخراجهم من البلاد أو علی الأقل تحجیم نفوذهم. من جانب آخر، وبالنظر إلى أنّ الدول العربیة غیر قادرة علی حسم ملف تطبیع العلاقات مع دمشق من دون أخذ الضوء الأخضر من واشنطن، فإن طهران تخشى من أن يرد إلى المشهد ملاحظات ومطالب إسرائيلية. وعليه فإن الجمهورية الإسلامية التي لا تملك البدائل المشجعة لسد احتیاجات سوریا الاقتصادیة، ستلجأ إلى تعزیز قوتها المیدانیة لضمان نفوذها المستقبلي أمام أي ضغوط محتملة، وهو مجال تملك فيه الخبرة الکافیة، کما تُظهر الحقائق المیدانیة الیوم في العراق ولبنان. وهکذا یمکن فهم موقف الناطق باسم الخارجیة الإیرانیة سعید خطیب زاده من زیاره الرئيس السوري بشار الأسد المفاجئة إلى الإمارات الذی قال فیه: “إنّ تعزیز علاقات سوریا مع الدول العربیه سیکون لصالح الجانبین”.

كيف بدأ التنافس؟

تاریخیاً لا شك أنّ دخول إيران في الأزمة السوریة عام 2011 مثل أكبر تحد إقليمي لها منذ الحرب مع العراق بعید انتصار الثورة الإسلامية في طهران عام 1981. لقد کانت سوريا محطة أساسية تربط طهران ببیروت ویشکل من خلالها ممراً برياً یسمی في المصطلحات السیاسیة في الشرق الاوسط المعاصر “محور المقاومة” أو الممانعة. وکان من الطبیعي أن تعتبر إيران اصطفاف قوی إقليمية وحتی دولیة لإسقاط النظام الحاكم هناك تهدیداً لمشروعها الإقليمي الذی استثمرت فیه طويلًا، بهدف محاصرة إسرائيل إقليميا.

وهکذا وقفت إيران بمواجهة القوی الإسلامية والجهادیة لأول مرة منذ حرب البوسنة والهرسك حیث کانت تصطف آنذاك إلى جانبهم. ورغم أنّ دخول طهران برفقة حلفائها من العراق وأفغانستان ولبنان إلى الأزمة السوریة أحدث تطورات عسکریة کبیرة لصالح النظام السوري، إلا أنها لم تکن تستطیع أن تقف بمفردها أمام تحالف کبیر من القوی الإقليمية والدولیة التي کانت تموّل المعارضة بملیارات الدولارات، إلى جانب خطر تمدد هذه الجماعات المسلحة کجبهة النصرة، ومن ثم “داعش” في مناطق مختلفة من أراضي سوریا.

فتوجه عندها اللواء قاسم سلیماني إلى موسكو لعقد لقاء مع الرئیس الروسی فلادیمیر بوتین، حيث لبى هذا الأخير طلب اللواء الإيراني ودخلت روسیا في الأزمة السوریة بالترکیز علی القوی التي تفقدها إیران (تحدیداً القوة الجویة لضرب مواقع المعارضة وتسهیل تقدم حلفاء الجيش السوري). ونجحت إيران وروسیا في إقامة تنسیق عسکري علی أعلى المستویات. وبعد أشهر قلیلة من دخول روسیا إلى المشهد السوري، بدأ تحریر المدن السوریة الواقعة تحت سیطرة المعارضة أو المجموعات الإرهابية واحدة تلو الأخرى.

 وبموازاة تقدم الحلف الداعم للنظام السوري، بدأ الخطاب الإعلامي والسیاسي في إيران يتطرّق لأهداف جیوسیاسیة لتبریر التدخل في الأزمة السورية، منها تحقق الحلم التاریخي للوصول إلى میاه البحر الأبيض المتوسط، أو إنشاء ممر اقتصادی یوصل السلع والصادرات الإيرانية مباشرة إلى أسواق دول الشام عبر العراق وغیرها.

وإلى جانب کل ذلك، أدى نجاح نموذج التعاون العسکري بین إيران وروسیا إلى الحدیث عن إقامة علاقات استراتیجیة بین الدولتین في الأوساط السیاسیة – الإيرانية. لکن کل ذلك لم یدم طویلاً. فمع انتهاء معظم المعارك العسكرية الكبرى في سوريا والهزیمة لصالح دمشق وحلفاءها فُتح باب التنافس بین الدولتين في مجالات مختلفة، منها النفوذ في الجیش وتملّك القسم الأكبر من کعکة الاقتصاد السوري مستقبلاً.

وقد تعززت الضربات الإسرائيلية المتکررة ضد المواقع الإيرانية فی ظل الانفعال الروسی والنظرة المتشائمة بین الحلیفین السابقین في الملف السوري. ومع ذلك استطاعت إيران أن تجعل التفوق الجوي الإسرائيلي غیر فاعل نسبیاً من خلال إيصال تکنولوجیا الصواریخ النقطویة وتطویر صناعة الطائرات المسیّرة في لبنان واستمرار محاولاتها الکثیفه لإنشاء قاعدة مشابهة في سوریا علی حدود فلسطین المحتلة.

لکن کلّ ذلك لم یمنع المعارضة الإيرانية من رفع صوتها في طهران أمام الخطاب الإعلامي للحکومة لکي تتسائل عن تکلفة تدخل إيران في سوریا (حسب مزاعم حشمت الله فلاحت بیشه النائب السابق في البرلمان الایراني بلغت 30 ملیار دولار) ونتائجها على الاقتصاد الإيراني، إلى جانب الانتقادات المتعلقة ب”الثقة غير المبررة” بروسیا.

إیران وملف إعادة إعمار سوريا

اليوم سوریا التی نجحت فعلاً بمساعدة إيران وحلفائها الآخرین في القضاء علی المعارضین، تواجه خطر الانهیار الاقتصادي، حیث شهدت خلال السنتین الماضیتین لأول مره منذ 2011 احتجاجات اقتصادیة في المناطق التي ظلت مؤيدة للنظام حتی فی ذروه الأحداث والاشتباکات داخل البلاد. ویزداد الوضع تراجعاً داخل سوريا في ظل توجهات الإدارة الأميركية الجديدة أن تبقي دمشق بحالة جفاف اقتصادي حتی تحصل منها علی ما ترید، وفی المقدمة إخراج ایران من البلاد. وفي الآن ذاته فإن دخول روسیا في حرب مع أوكرانيا وتشدید الحصار الاقتصادي علیها سينعكس سلباً علی الاقتصاد السوری الذي یراهن فعلاً علی أسواق روسیا للالتفاف علی عقوبات قانون قیصر. وفي الخلاصة فإن الحلیف السوري لإيران الآن بحاجة لأمرين:

  • 1- مصادر مالیة ضخمة لإعادة أعمار البلاد (حسب تعبیر الأسد في عام 2018 نحو 400 ملیار دولار)
  • 2- إنهاء العزلة إقليمياً لجذب المساعدات العربیة واستئناف الصادرات وإلغاء العقوبات الدولیة، وتحدیداً قانون قیصر.

صحیح أنّ حرب روسیا في أوكرانيا تمثل فرصة مهمة لإيران من أجل تعزیز نفوذها في سوریا أمام حلیفها السابق، ومنافسها الیوم هناك أي روسیا. لکن من دون شك لن تستطیع إيران أن تلبي حاجات سوریا الاقتصادیة، سواء في الاستثمارات أو الصادرات أوحتی المساعدات. فهل تتمكن في مقابل ذلك من ضمان انضباط علاقات دمشق مع العواصم العربیة بطریقة تؤمّن التمویل اللازم لإعادة الإعمار من دون الإضرار بمصالحها المستقبلیة ونفوذها العسکري هناك؟، أم أنها مضطرة أن تتأقلم مع تغییرات جوهریة في السیاسة الخارجية لحلیفها السوري؟.. التطورات السوریة والإقليمية المقبلة هي من ستحدد الإجابة على هذه الأسئلة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: