الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة16 أبريل 2022 19:51
للمشاركة:

بین الخارجیة و”الأمن القومي”.. من هو المسؤول الفعلي عن المفاوضات النوویة؟

"وزارة الخارجية عاجزة، والمجلس الأعلى للأمن القومي هو من يدير الملف النووي"، هكذا انتقد النائب السابق في البرلمان الإیراني حشمت الله فلاحت بیشه سیاسة بلاده في المحادثات النوووي، في حوار مع موقع "نامه نیوز" مطلع الشهر الجاري.

وأضاف فلاحت بیشه: تصریحات وزیر الخارجیة الإیراني حسین أمیر عبداللهیان المتكررة بشأن المفاوضات، واحتمالیة الوصول إلی الاتفاق قریبًا، نابع من أنه لیس لدیه صلاحیات تذکر في الملف النووي.

ثنائية الخارجية والأمن القومي

من هنا، تشیر تصریحات فلاحت بیشه المثیرة للجدل إلی ثنائية ألقت بظلالها علی السیاسة الخارجیة لإیران خلال العقد الماضي، وهي المجلس الأعلى للأمن القومي، مقابل وزارة الخارجیة.

تأسس المجلس الأعلى للأمن القومي في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1989، بهدف اتخاذ قرارات هامة جدًا من قبل قادة الجمهوریة الإسلامیه في القضایا العسكریة والأمنیة والسیاسیة.

ورغم أن رئیس الجمهورية یترأس المجلس حسب الدستور، إلا أن القائد الأعلی للثوره هو الذی یعطي الشرعیة إلی جمیع قرارات المجلس، من خلال التوقیع علی مخرجات اجتماعاته.

ویشارك في جلسات المجلس رؤساء القوي الدستوریة الثلاث (السلطة القضائیة والبرلمان والحكومة)، إلی جانب رئیس أرکان القوات المسلحة، وأعلی مسؤولین في الحرس الثوري والجیش، ووزراء الخارجیة والدفاع والداخلیة (الذین غالبًا ما یتم اختیارهم حسب اتفاق بین القائد الأعلى ورئیس الجمهورية)، وممثلًا مباشرًا للقائد، وأخیرًا  الأمین العام للمجلس والذي یعینه رئیس الجمهوریة.

بعبارة أخری، تظهر ترکیبة المجلس، إضافه إلی الصلاحیات الدستوریة، أن القائد الأعلى هو الذي سیقول الكلمه الأخیرة فیه.

دور المجلس في الملف النووي

بناء علی ما ذکر، کان متوقعًا أن مجلس الأمن سیلعب دورًا حاسمًا في أول مواجهة بین إیران والغرب في الملف النووي عام 2003. وبالتالي، ترأس الأمین العام السابق للمجلس في عهد محمد خاتمي، حسن روحاني، أول مفاوضات رسمیة حول الملف النووي والتي باتت تعرف بمفاوضات سعد آباد.

بعد روحاني، کان علي لاريجاني مسؤولًا عن المجلس، ومن ثم أتى سعید جلیلي، وهما الدبلوماسیان الأمنیان اللذان تولا إدارة المفاوضات مع الغرب حتی عام 2013.

لكن بعد ذلك، شهد الملف النووي تطورًا تاریخیًا یعتبر سابقة في البلاد؛ حیث دعا الرئیس المنتخب آنذاك حسن روحاني إلی تسلیم الملف النووي إلی وزارة الخارجیة کونه ملف دبلوماسي یجب أن یخرج من الإطار الأمني، ویكون تحت إشراف الخبراء الدبلوماسیین.

وبعد موافقه القائد الأعلى علی ذلك بدأ فصل جدید في تاریخ الملف النووي في إیران. ورحب الكثیر من النشطاء والسیاسیین في إیران بهذه الخطوة، كما أعرب حسین شیخ الإسلام، الدبلوماسي البارز ومستشار رئیس البرلمان السابق آنذاك عن أمله بأن نقل الملف إلی الخارجیة سیؤدي إلی انفراجات کبیرة في مواجهة العقوبات بسبب تغییر النظرة الأمنیة للملف.

وعملیًا، تمكنت الخارجیة بقیادة محمد جواد ظریف من التوصل إلی اتفاق كبیر، يُعرف في إيران باسم “برجام”، مع مجموعة 1+5 خلال أقل من أربع سنوات، وذلك بعد بعد نحو 8 سنوات من المفاوضات غیر المثمرة تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي.

عودة الملف النووي إلى الحاضنة الأمنية

ورغم انتهاء الملف بشكل إيجابي، إلا أن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أعاد خلط الأوراق، وأحيا في إيران من جديد النظرة الأمنية للملف النووي.

وأدى هذا الواقع الجديد إلى إعادة التفكير داخل الجمهورية الإسلامية بالعلاقة بين الخارجية والمجلس الأعلى للأمن القومي، وعادت النظرة الأمنية إلى كل ما يتعلق بالعلاقة مع أميركا. كما أن وقع ضربة ترامب القوية على العلاقة بين الدبلوماسية والجهاز الأمني، لا يزال عائقًا أمام محاولات حل الموضوع على يد الديمقراطيين الأميركيين الذين عادوا للبيت الأبيض مطلع العام 2021.

علی سبیل، المثال دعت صحيفة “صبح صادق” التابعة للحرس عام 2020، إلی عودة الملف النووی إلی عهدة المجلس الأعلى للأمن القومي، “حیث لا یوجد أي تسامح بشأن القضایا الصاروخیة أو الإقلیمیة مع الغرب”. كما أعلن الناطق باسم الحكومه الإیرانیة السابقة علي ربیعي، في العام التالي، عن تشكیل هیئة في مجلس الأمن القومي، تتولی مهام إدارة الملف النووي وتطبیق البنود المصوبة من قبل البرلمان الإیراني في الجولات الجدیدة من المفاوضات.

ورغم عدم إعلان نقل الملف النووي من مؤسسة إلی أخرى رسمیًا، لكن هناك تصریحات وإشارات واضحة توکد ذلك. فعلى المثال، أكثر من مرة صرحت الوزارة على لسان المتحدث باسمها أنها تدير المفاوضات النووية تحت إشراف المجلس، كما أنها إعتادت خلال الأشهر الماضیة إصدار بیانات متكررة وغیر ملیئة بالمعلومات عن المحادثات، إلا أن موقع “نور نیوز” التابع للمجلس تحول في المقابل إلی مصدر موثوق لتصدير آخر أخبار المفاوضات في فیینا. وفي خضم مفاوضات فيينا قبل أشهر غرد أمين المجلس علي شمخاني ليقدم موقفًا عن المفاوضات النووية، بدأه بالإعلان أنه اتصل هاتفيًا قبل كتابة التغريدة بكبير المفاوضين علي باقري كني.

الجدير ذكره، أن إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي علی الملف النووي لا یعني بالضرورة فشل المحادثات. فعلی مر السنوات الماضیة، کان هذا المجلس مسؤولًا عن محادثات مهمة جدًا مع الدول الإقلیمیة، أو حتی مع الولايات المتحدة في بعض الأحیان. فإطلاق سراح نازنین زاغري السجینة السیاسیة التي تحمل جنسية بریطانیة مقابل الإفراج عن 530 ملیون دولار من أموال إیران المجمدة، تم بواسطة محادثات ناجحة تولاها المجلس.

کما أن وسائل الإعلام الإیرانیه تتحدث هذه الأیام عن صفقه أخری سیتم بموجبها إطلاق سراح سجناء سیاسیین مهمین للغایة، منهم سیامك نمازي ومراد طاهباز، مقابل حصول إیران علی نحو 7 ملیارات دولار أخری من أموالها. وأوضح الناطق باسم الخارجیة الإیرانیة سعيد خطیب زاده أن کل هذه المفاوضات تتم بإشراف المجلس الأعلى للأمن القومي.

إضافة إلى ذلك، کان المجلس ولا یزال یتولی مهام إدارة العدید من المحادثات الإقلیمیة مع دول أخری منها السعودیة والإمارات، والتي أدت حتی الآن إلی تطورات مهمة في المنطقة، لا سيما في الملف اليمني.

ومع ذلك، یستمر الجدال بشأن ثنائیة المجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الخارجية داخل إیران. جدال قد بلغ ذروته عندما انتشر التسريب الصوتي لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، والذي أثار فيه دور الوزارة في صناعة السياسة الخارجية، عندما تحدث عن ثنائية الدولة والميدان، ليخرج القائد الأعلى بعد ذلك بأيام حاسمًا هذا الجدل بالقول إن “وزارة الخارجية هي مجرد مؤسسة لتنفيذ سياسات النظام وليس أكثر”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: