الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة13 أبريل 2022 18:05
للمشاركة:

دفاع خامنئي عن المفاوضین النوويين.. هل سینقذهم؟

أعادت التصریحات الأخیرة للقائد الأعلی آیه الله علي خامنئي بشأن مسار العملیة التفاوضیة والفریق المكلف بالمهمة في الحكومة الجدیدة، الجدل حول کیفیة التعامل مع الملف النووي في إیران.

وبینما تصاعدت الانتقادات الموجهة ضد الفریق التفاوضي برئاسة علي باقري کني خلال الأشهر الماضیة، حیث انضم جزء من المعسكر الأصولي أیضًا لأول مرة إلیها، إلا أن القائد الأعلى دافع عنهم بتصریحاته، واضعًا من خلالها حدًا أمام موجة الانتقادات علی الأقل للمعسكر الأصولي.

وأعرب خامنئي عن ارتیاحه من مسار العملیة التفاوضیة في لقائه السنوي خلال شهر رمضان مع العاملين في الدولة، قائلًا: المفاوضات تسیر علی ما یرام، وفریقنا التفاوضي لم یتراجع بحمد الله عن مصالح البلاد أمام مطالب الطرف الآخر.

ومن هنا یطرح السؤال عن مسار العملیة التفاوضیة منذ فوز الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/ حزيران 2021، حتی الآن. ولماذا لم تحصل علی النتیجة خلافًا للتوقعات، وما هي أهم محاور الانتقادات الموجهة لفریق التفاوض؟

إستئناف المفاوضات

استؤنفت مفاوضات إحیاء الاتفاق النووي بین إیران و مجموعة 1+4 (بمشارکة غیر مباشرة من جانب أمیرکا التي انسحبت من الاتفاق) بعد فترة قصیرة من هزیمة دونالد ترامب في الانتخابات عام 2020 وعودة الدیمقراطیین إلی البیت الأبیض.

وكان یقود تلك المفاوضات من الطرف الإيراني نائب وزیر الخارجیة آنذاك عباس عراقتشي. بطبیعة الحال كانت حكومة الرئیس روحاني تنظر إلى المفاوضات بمثابة مفتاح نجاح یمكن أن یغیّر الظروف المأساویة للاقتصاد الإیراني، ویعزز بنفس الوقت الحاضنة الاجتماعیة للحكومة التي انهارت بعد احتجاجات عام 2019 بسبب رفع سعر البنزین والسقوط التاریخي للعملة الإیرانیة أمام الدولار.

والمفاوضات وصلت فعلًا إلی محطة حاسمة ونتیجة محددة حسب تصریحات عراقتشي، بعد ثلاثة أشهر من استئنافها، لكن النظام اتخذ قراره بتجمید المفاوضات وتسلیمها إلی الحكومه الجدیدة.

وأشار عراقتشی من خلال تصریحاته إلی ذلك، وقال: لقد انتهت المفاوضات الفنیة في فیینا، ونحن ننتظر القرار السیاسي للدول. كما أكد علی ذلك الرئيس السابق حسن روحاني بشكل أوضح، من خلال تصریحاته أمام هیئة الوزراء عام 2021، والتي کانت تتسم بلهجة انتقادیة لمواقف النظام، قائلًا: إذا سمحوا بذلك الیوم، فإن عراقتشي سوف یحصل علی اتفاق غدًا.

بدوره، انتقد وزیر الخارجیة السابق محمد جواد ظریف عدم موافقة النظام علی حصول الاتفاق فی فیینا آنذاك، وذلك بعد أن قدم للبرلمان في أواخر فترة قيادته لفريق البلاد الدبلوماسي تقريرًا عن سير المفاوضات في فيينا، قائلًا: قد یكون الوضع بعد ستة شعور من الآن مختلفًا تمامًا، ویجب علینا ألا نفوت هذه الفرصة.

انتقال المحادثات لباقري كني

وبعد توقف دام نحو 5 أشهر، استؤنفت المحادثات في فیینا، لكن هذه المرة بقیادة علي باقري كني، الدبلوماسي الأصولي، الذي ینتمي إلی التیار المتشدد في معسكره. ومنذ انطلاقته، بدأ باقري كني المفاوضات بسقف عالٍ جدًا، حیث دعا خلال الجولة الأولی إلى تنفیذ إصلاحات عمیقة في مسودة الاتفاق التي نظمت بمشارکة الفریق التفاوضي السابق.

وتحدثت صحیفة فرهیختغان المقربة من الحكومة الجدیدة بنفس الوقت عن “أخطاء عراقتشي الكبیرة جدًا خلال الجولات الأخیرة من المفاوضات في فیینا”، وأنها بحاجة إلی العمل الدبلوماسي الجاد وإصلاحات عمیقة من أجل تغییر ذلك.

لكن هذا الوضع لم یدم طویلًا، حیث تراجع باقري كني خلال الجولات التالیة من مواقفه الأولیة، واکتفی بإجراء إصلاحات متواضعة في المسودة الموجودة. في الجانب الآخر، فإن الدول الغربیة التي أظهرت ردودًا سلبیة جدًا تجاه مواقف باقري كني الأولیة، وصفت مواقفه الجدیدة بالبناءة.

من هنا، عادت المفاوضات إلی مسارها الطبیعي من جدید، حیث استؤنف العمل علی المسودة التي أعدها فریق عراقتشي – روحاني، مع إدخال بعض التغييرات التي طلبها الفريق الإيراني.

وبینما کانت تشیر جمیع التوقعات والتقاریر السیاسیة إلی أن الطرفین سیتوصلان إلی اتفاق قبل رأس السنة الشمسیة وعید النوروز (21 آذار/ مارس 2022)، إلا أن حرب روسيا على أوکرانیا غيرت في المعطیات. فمن جهة طالبت روسیا فجأة بضمانات جدیدة للعمل مع إیران، وهو الأمر الذي استدعى تواصلًا ثنائيًا بين طهران وموسكو، حيث سافر وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان لروسيا والتقى نظيره سيرغي لافروف، بهدف استفهام الموقف، ولم تطل هذه المسألة طويلًا، فقد أعلن لافروف بعد لقاءه عبداللهيان أن بلاده حصلت على ما تريد من واشنطن، وأكدت الأخيرة هذا الأمر. اما من جهة أخرى، وبعدما انحلت المشکله الروسیة بدت إيران متشبثة بطالبها أكثر، هذا إن لم تكن رفعت السقف أيضا، وذلك استنادًا لتغير المعطیات لديها على إثر إحساسها بحاجة أسواق الغرب للطاقة بعد تلك الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا، وبالتالي تم تأجیل إحیاء الاتفاق النووي مرة أخری.

تحرير الأرصدة

انتقد حاكم المصرف المركزي السابق عبد الناصر همتي سیاسة بلده، قائلًا: کان بإمكان إیران أن تحصل علی ما بین 5 إلی 7 ملیارات دولار شهریًا من خلال اتفاق فوري لبیع النفط کما تفعل الآن دول مثل العراق، لكنها فضلت البقاء في وضعها الحالی والمساومة علی تحریر أرصدتها المجمدة.

ونجحت إیران فعلًا في تحریر جزء من أرصدتها المجمدة (أکثر من 500 ملیون دولار) في مصارف بریطانیا، مقابل إطلاق سراح سجینین من أصول بریطانیة هما نازنین زاغري وأنوشة آشوري، رغم أنها تنفي وجود العلاقة بینهما.

وهناك أیضًا أنباء عن تحریر نحو 7 ملیارات دولار من أموال إیرانیة في المصارف الأجنبیة، مقابل الإفراج عن سیامك نمازي، ومراد طاهباز، وعدد آخر من السجناء الأمنیین، لكن لم یتم تأیید هذا الادعاء من قبل أي مصدر أجنبي حتى الآن. لكن وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان اكتفى خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين الأربعاء 13 نيسان/ أبريل 2022 بالتأكيد على وجود اتفاق مبدئي على تحرير جزء من أموال بلاده المجمدة لدى إحدى الدول، كاشفًا عن وصول وفد إلى طهران من إحدى دول المنطقة الثلاثاء من أجل بحث كيفية التنفيذ.

إضاعة الوقت

وبینما یتهم التیار الإصلاحي الحكومة بإضاعة الوقت وتفويت الفرصة الذهبیة للاستفاده من أسواق النفط في ذروة الأسعار، بدأت بعض التیارات الأصولیة المتشددة بانتقاد الحكومة والفریق التفاوضي من منظور مختلف وجدید.

وقال النائب المحافظ محمود نبویان: إن المفاوضین قد تنازلوا عن الخطوط الحمراء التي وضعها القائد الأعلى، حیث اکتفوا بخطاب من قبل الرئيس الأميركي جو بایدن بدل أن یتمسكوا بأخذ ضمانات حقوقیة معتبرة من الإدارة الأميركیة. في المقابل، وبعد لقاء مغلق أجرته لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان مع وزير الخارجية ورئيس الوفد المفاوض الثلاثاء 12 أبريل/ نيسان، أكد المتحدث محمود عباس زاده مشكيني، أنه بناء على التقرير الرسمي لسلطات البلاد لم يستنتج أعضاء اللجنة أن الخطوط الحمر قد انتهكت.

ویمكن ملاحظة أن تصعید حدة الانتقادات من قبل التیارات المختلفة، قد جعل فریق التفاوض في موقف محرج جدًا، حیث یتجنب الدبلوماسیون الجدد في الفریق من التعامل مع التغطیات الإعلامیة الواسعة وإجراء مقابلات متعددة، بخلاف ما جرى خلال الأسابیع الأولی من تسلمهم مهام التفاوض في فیینا.

وعلی الرغم من أن التصریحات الأخیرة للقائد الأعلى ستجعل الأمور أفضل لهم، علی الأقل في الأوساط الأصولیة والمحافظة، لكن الضبابیة واستمرار المفاوضات بدون نتائج سیضر بهم، خصوصًا وأن المجتمع الإیرانی يستذكر السنوات السبع من المفاوضات غير المثمرة التي جرت في عهد الأمین السابق لمجلس الأمن القومي الإیرانی سعید جلیلي، حيث كان علي باقري كني مساعده آنذاك، والتي فرض في خضمها عقوبات قاسیة علی الاقتصاد الإیرانی، ووصل خلالها الملف النووي الإيراني إلی مجلس الأمن.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: