خطة الصيانة.. هل تطفيء ضوء الإنترنت في إيران؟
بدأ البرلمان الإيرانی الحالي والذي یقع تحت سیطره الجناح الأصولي في إيران بعد أشهر قلیلة من تشکیله منتصف عام 2020، بدراسة خطة تسمی الصیانة أو حمایه حقوق المستخدمین الإيرانیین في الإنترنت.
المجلس الأعلی للفضاء السیبراني الذي أنشيء عام 2012 بأمر من القائد الأعلی للثوره آیه الله علي خامنئي والذي يعتبر مؤسسة موازیه لوزاره الاتصالات في الحکومة هو من أعد الخطه المثیرة للجدل وقدمها إلى البرلمان. یقول أنصار ومعدو الخطه إنها مقدمه لتنظیم الفضاء السیبراني في البلاد والذي یسوده الفوضی، حسب تعبیرهم. لکن فی الجهه المقابله یری المنتقدون أنها أداه ستقید علاقات إيران مع العالم وستفرض قیود واسعه جدا علی استخدام المواطنين للشبكات الاجتماعية. وبين هذا وذاك يُطرح السؤال عن أهم محاور هذه الخطة، ولماذا تثير الجدل علی نطاق واسع في المجتمع الإيرانی؟
لا شك أن قضیة الإنترنت في إيران خلال الأعوام الماضیة تحولت إلى ظاهره سیاسیه بحته یصطف التیارین الرئیسین في الأوساط السیاسیه حولها ویستخدمان تلك القضیه في خطابهما الانتخابی. وعندما تدعو الأحزاب الإصلاحیة أو المعتدلة غالبا إلى المزید من الحریة في الفضاء السیبرانی وتوکد دائما علی رفضها لفلتره وسائل التواصل الاجتماعی کجزء ثابت من خطابها الانتخابي تتحدث في المقابل الأحزاب والتیارات المحافظة عن عدم وجود الضوابط القانونیة لاستخدام الإنترنت وتدعو إلى دراسه الموضوع من قبل المؤسسات المعنیة وفرض القیود القانونیة علی هذه الشبکات. وتعززت هذة الثنائية إلى حد أصبح فیه تطبیق تلغرام للتواصل الاجتماعی إلى جانب الاتفاق النووي برأي محللين أحد السببین الرئیسین في فوز الرئیس السابق حسن روحانی بالانتخابات فی ولایته الثانیة لأنه کان یرفض حجب التطبیق المحبوب جدا في إيران وأمر وزاره الاتصالات في حکومته بأن توفر الإمکانیات اللازمه لإلتفاف المواطنین علی الفلتره بعد قرار السلطه القضائیة فرض القیود علی استخدام تلغرام داخل البلاد.
بالعودة لخطه الصیانة، فإن السؤال الأول الذي يُطرح عند الحديث عنها هو هل سيؤدي تطبيقها إلى حجب المواقع و شبکات التواصل الاجتماعی وانقطاع علاقات إيران الافتراضیة مع العالم الخارجي؟. مویدوا الخطة یردون علی هذا السؤال بـ «لا» حاسمة جدا. حيث يقول أحد أنصار ومعدي الخطة روح اله مومن نسب: “نحن نطالب فقط أصحاب هذه الشبکات الاجتماعیة الکبیرة مثل واتساب، انستغرام، فیسبوك، تلغرام و… بإنشاء مکاتب رسمیه لها في طهران کما یفعلون في أي دولة أخری. مشددًا في إحدى المناظرات حول هذا القانون على ضرورة أن تصبح أنشطه هذه الشبکات في الإنترنت الإيراني رسمیا بدل أن تبقی غیر قانونیة. لکن الأمر لا یقتصر علی هذا الحد لأن الخطة تطالب بنقل خوادم جمیع هذه الشرکات إلى داخل إيران وتوکد علیه کشرط لعدم فلترتها. كما أنها تنص على وجوب أن یکون لدي الموسسات الأمنیة والقضائیة حق الحصول علی خوادم الشبکات المستخدمه من قبل الإيرانیین إذا لزم الأمر، غير أنها تؤكد في الوقت ذاته أن ذلك لن یتم إلا من خلال عملیه قانونیه شفافه. من جانب آخر تنص الخطة علی تجریم استخدام أو حتی شراء جمیع أنواع VPN داخل إيران وقد تصل عقوبه استخدمها في بعض الحالات حسب ما هو مذكور فيها إلى السجن لمده عدة أشهر. ولفهم حساسیه هذا القانون، يجدر الإشارة إلى أن ملايين من الإيرانیین يستخدمون تطبیقات VPN من أجل الوصول إلى شبکات مثل یوتیوب، توییتر، فیسبوك والکثیر من المواقع السیاسیه المحجوبه في البلاد.
على المقلب الأخر، یری معارضوا هذا القانون أنه من السذاجة الاعتقاد أن هذه الشرکات ستاتي وتقبل بشروط إيران، لا سيما تلك المتعلقة بإمكانية حصول المؤسسات الأمنیه علی الخوادم)، مرجحة أن تُرفض تلك الشروط، وبذلك سیتم حجب أغلبیه تلك المنصات، والمواقع داخل البلاد، في الحين الذي لا يمكن فيه استخدام VPN بسبب تجریمها قانونیا. ویرد علی ذلك رئیس اللجنه الخاصه لدراسه خطه الصیانه في البرلمان الإيراني رضا تقي بور قائلا: شبکات مثل انستغرام تستفید جدا من حضور الملایین من الإيرانیین وبالتالي ستمتثل أمام شروطنا لأنها لا ترید أن تحرم من مصالحها الکبیرة. في السياق، يُذكر أن المجلس الأعلی للفضاء السیبراني يعمل علی تطویر التطبیقات المحلیه البدیله لانستغرام وغیرها بموازاه سير تلك الخطة في البرلمان. وعليه، یعتقد المنتقدون أن إيران تعد نفسها لنشر واستخدام التطبیقات المحلیه في حال فشلت المفاوضات مع الشرکات الأجنبیه حول القبول بشروط طهران من أجل استمرار عملها. خصوصًأ أنه منذ عام 2018 بعد الدور البارز الذي لعبه تلغرام في التطورات السیاسیه داخل إيران و تحدیدا دوره في تنظیم وتوسیع الاحتجاجات، بدأ النظام مشروعا ضخمًا لإنشاء وترویج التطبیقات المحلیه للتواصل الاجتماعي. وخلال احتجاجات البنزين عام 2019 عندما انقطع الإنترنت عن کافه أرجاء إيران لقرابه أسبوع کان بإمکان المواطنین أن یتسخدموا فقط الشبکه الوطینه للاتصالات ومنها التطبیقات المحلیة مثل سروش وغیرها. لکن هذه التطبیقات فشلت آنذاك في تلبیة حاجات الملایین من الإيرانیین الذین تعودوا علی استخدام أفضل الشبکات العالمیه کتلغرام أو واتساب بسبب الضعف في البنی التحتیه والأمور التقنیة.
في الأونه الأخیره، ظهرت عراقیل جدیده أمام طریق خطه الصیانه في البرلمان الإيرانی إضافه إلى المعارضه الإعلامیه الواسعة من قبل المنتقدین. فبحسب تصریحات رضا تقي بور، بعض النواب الأصولیین الذین کانوا یویدون الخطه سابقا تحولوا الأن إلى منتقدیها بسبب الضغط الإعلامي والقلق من عدم فوزهم مجددا في الانتخابات المقبله. ویتابع تقي بور: هناك جهات فی البرلمان تحاول أن تعرقل مسار الخطه أو تبطيء حرکتها بسبب المخاوف من ردود الفعل في وسائل الإعلام أو من الأحزاب المنتقده. وبرغم ذلك یؤکد أنه لا یمکن لأي من هذه الإجرائات من أن تمنع إيران من الحصول أخیرا علی حقوقها أمام الشرکات الأجنبية التي تستفید جدا من المجال الفوضوی للإنترنت داخل إيران ولا تدفع أي ثمن قانونی أو مالي إزاء ذلك.
خلاصة ما سبق، أنه وفي ظل التقدم البطیء للخطه فی البرلمان یستمر الصراع الإعلامی بین طرفي النزاع في إيران؛ بین من یؤکد دائما علی تطبیق الموازین الدولیة في التعامل مع الشرکات الاجنبیة وتوفیر إمکانیه الإشراف علیها من قبل المؤسسات الأمنیه ومن یعتقد أن کل ذلك یجري من أجل تقیید الحریات الاجتماعیة وتعزیز السطوه الحکومیه للاشراف علی جمیع الاتصالات وربما احتوائها في المراحل المقبلة.