الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

أحمد شاملو.. شاعرٌ كاد أن يصبح فيسلوفاً

للمشاركة:

أحمد شاملو، الشاعر والمترجم والباحث والناقد الأدبي الذي أسس مدرسته للأدب واللغة الفارسية، امتاز بلغته وكان أول من كتب "القصيدة النثرية" في إيران. ولد عام ١٩٢٥ في مدينة طهران، وتوفي عن عمر ناهز ٧٤ عاماً.

وقال الباحث في شعر شاملو وحياته سعيد بورعظيمي عن رحيله: “العلَم الذي وضعه شاملو على الأرض قرابة مساء الرابع والعشرين من تموز/ يوليو ٢٠٠ ما زال على الأرض، ولا أحد لديه القدرة والجرأة ليحمله ويذهل عدداً لا يحصى من الناس بسلوكه بالكلمات”، معتبراً ذاك العصر “بداية لتراجع الشعر في إيران”. فقد سيطر شاملو ولخمسة عقود على النشاط الشعري في بلاده وأصبح مركزاً مشعّاً للثقافة والأدب.
وللحديث عن أحمد شاملو لا بد أن نشير إلى “نيما يوشيج”، المجدد الأول في الشعر الفارسي الحديث، حيث كسر أوزان الشعر الفارسي القديم والمعروفة باسم أوزان الفراهيدي وقام بنشر أول قصيدة له على شكل “التفعلية”.
ويمكن مقارنة بدر شاكر السياب الذي قام بنفس الدور في عام ١٩٤٥ بـ “نيما يوشيج”. وقد تأثر أحمد شاملو أكثر ما تأثر بهذا الشاعر الطلائعي، غير أنه طوّر أساليبه الشعرية في ما بعد وأرسى ما وُصف بالشعر الحر والشعر المنثور، إذ يمكن أن نقارن أحمد شاملو في هذا المجال بالشاعر العربي علي أحمد سعيد (أدونيس).
تقول زوجة شاملو، آيدا سركيسيان، في حوار لها مع بورعظيمي إن زوجها كان يحب الشاعر الإسباني لوركا كثيراً، ومن الشعراء القدامى كان يحب أبا العلاء المعرّي، أما من العرب المعاصرين فأدونيس وعبد الوهاب البياتي ومحمود درويش ونزار قباني.
وكان الشاعر الفلسطيني محمود درويش قد صرّح معتبراً أنّ شاملو أعظم من لوركا وقبّاني، في كلام صريح وصف به الشاعر الإيراني بأنه “نيرودا نيشابور”.
وتضيف سركيسيان أنّ شاملو كان يلتقي بأدونيس والبياتي في الولايات المتحدة، وأنه كان لديهم كثير من العلم والثقافة، لا سيما أدونيس. وتتابع: “دُعِيَ شاملو إلى جامعة برنستون في الولايات المتحدة عام ١٩٧٦ لندوة تحت عنوان “أدب الشرق الأوسط المعاصر” لقراءة الشعر، وبعد مشاركته انبهر الحضور بشعره ذلك اليوم، ومنهم البياتي وأدونيس حيث قال لشاملو: لن أقرأ الشعر بعدك، ربما ليعبر عن حبه وإعجابه”.
وآيدا سركيسيان هي امرأة أرمنية إيرانية أحبها شاملو في الستينيات بعد أن انفصل عن زوجتيه الأولى والثانية، فبات حبه لها حيث ملهما له بالكثير من الشعر.
وقال المترجم الإيراني أسد الله أمرايي في كتاب صُدر في إيران يضم مقالا له إلى جانب مقالات لآخرين عن شاملو إنّ من يعتبر الأخير شاعراً كمن يقول إن للشمس نوراً وحرارة، قاصداً بذلك إبعاد أي شبهة حول قدرة شاملو “الكبيرة” في الشعر.
وإضافةً إلى دواوينه الشعرية، ترجم شاملو قصائداً وأشعاراً لأعظم الشعراء الأوروبيين، منهم سان جان بروس ولوركا وألبرتي وآخرون؛ كما ترجم بعض الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة.
يثني النقاد على ترجمة شاملو لقصائد الشاعر الإسباني فدريكو غارسيا لوركا، حيث يؤكد أمرايي أنّ لوركا حصل على مكانته الرفيعة في اللغة الفارسية بفضل شاملو، لأنّ كثيرين من قبل ترجموا أعمالاً له لكنه لم يُعرف بالفارسية إلّا بعد ترجمات شاملو.
كما نشط أيضاً في مجال الصحافة، فأصدر أو ترأّس صحفاً عدة؛ وكان دوره في تطوير الشعر الفارسي الحديث أكثر من أي شاعر إيراني آخر، ليتمتع شعره الجميل بلغة بليغة فاخرة وعمق في المفاهيم والمضامين.
ويمكن للقارئ أن يلمس في قصائد شاملو الملحمة منسجمة مع الغزل، ويرى الإنسان المعاصر حاضراً في معظم قصائده، حيث يقول:


أن تولد إنساناً، فهذا تجسيد للمهمة:
القدرة على أن تُحِب وتُحَب
القدرة على السماع
القدرة على النظر والنطق
القدرة على الحزن والفرح
القدرة على الضحك من صميم القلب والقدرة على البكاء من شَغاف الروح
القدرة على الغرور في قمة التواضع الرفيع
القدرة الجليلة على حمل الأمانة
والقدرة الحزينة على تحمّل الوحدة
الوحدة
الوحدة
الوحدة العارية.
فالإنسان، صعوبة المهمة.


ويقول الباحث الإيراني يوسف عزيزي في كتابه “إيران الحائرة بين الشمولية والديمقراطية”: “أشعار شاملو بالفارسية كأغنيات فيروز بالعربية، لا تحدّها حدود طبقية أو مذهبية أو دينية؛ فكما كان يتغنى المناضلون الوطنيون واليساريون من جهة، والكتائبيون واليمينيون من جهة أخرى في لبنان بأغنيات فيروز فقد كانت قصائد شاملو أيضا تطرب قلوب المعتقلين في السجون والمناضلين ضد حكم الشاه من جهة والملكة فرح بهلوي – ملكة إيران السابقة – من جهة أخرى”.
ومن قصائده التي تكشف أنه كان مدركاً الموت والعشق:


سأفارقُ الشمس والنفَس
مفارقة الشفاه لقبلةٍ لم ترتوِ بعد
عارياً
عارياً فليدفنوني
عارياً من رأسي حتى قدمَي
كما نقيم صلاة العشق
خالصاً دونما حجاب
أريدُ لقاء التراب
لقاء حبيبَين


ويعتبر الناقدون الشاعر شاملو محطماً للأصنام في إيران، حيث لم يسلم حتى الشعراء الفرس العظام من انتقاداته؛ إذ انتقد سعدي الشيرازي لـ “مواقفه المحقرة للمرأة”، وفردوسي بسبب “مغالطته التاريخية في قصة “كاوة الحداد والضحاك””.
وقد أدت هذه الانتقادات، وخاصة الموجهة لفردوسي الذي يعتبره القوميون الفرس محيي اللغة الفارسية بعد “الفتح” العربي الإسلامي لإيران، إلى المزيد من الهجمات المتعصبة من هؤلاء القوميين على شاملو.
وكان هذا الشاعر الشهير طموحاً في القضايا السياسية، مؤمناً بالديمقراطية وحقوق القوميات الإيرانية غير الفارسية، حيث خصص في أوائل الثمانينات المزيد من صفحات مجلته الأسبوعية “كتاب جمعة” لثقافة وأدب هذه الشعو، وقد رأى في النظام الفيدرالي إطاراً مناسباً لإيران.
ولم تسمح وزارة الإرشاد بطبع دواوينه وسائر آثاره إلّا عقب مجيء الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، بعد أن حُظرت كتبه لمدة ١٦ عاماً (١٩٨١ – ١٩٩٧).
كما عارض أحمد شاملو بأشعاره نظام الشاه، وأهدى أجمل قصائده للمناضلين اليساريين الذين كافحوا أو استشهدوا في السجون والزنازين، أو في حروب الشوارع.
ولم تخلُ أشعاره بعد الثورة الإسلامية من انتقادات لاذعة لبعض الجهات في الأحداث العاصفة التي واكبت تلك المرحلة.
وجاء في قصيدة شهيرة لأحمد شاملو:


الدمعة سِرٌّ
والبسمة سِرٌّ
والهوى سِرٌّ
دمعة ذاك المساء، بسمة الهوى كانت.
لستُ روايةً لترويني
لستُ نغمةً لتغنيني
لستُ صوتاً لتسمعيني
أو شيئاً كذا لتريني
أو شيئاً كذا لتعرفيني..
إني الألم المشترك
اصرخيني.
الشجرة تتحدث للغابة
والعشب يتحدث للصحراء
والنجمة تتحدث للمجرة
وأنا أتحدث إليك.
إلَيّ قولي اسمك
أعطيني يدك
إلَيّ قولي كلمتك
أعطيني قلبك
إني أدركتُ جذوركِ
بشفتيكِ تحدثتُ لكل الشفاه
ويداكِ تعرف يدَي.
في العزلة المضيئة بكيتُ معكِ
لأجل الأحياء،
وفي المقبرة المظلمة أنشدتُ معكِ
أجمل الأناشيد
لأن موتى هذا العام
كانوا الأكثر عشقاً بين الأحياء.
أعطيني يدكِ
إن يديكِ تعرفني.
أتحدثُ إليكِ يا من عثرتُ عليكِ متأخراً…
كما يتحدث الغيم للعاصفة
كما يتحدث العشب للصحراء
كما يتحدث المطر للبحر
كما يتحدث العصفور للربيع
كما تتحدث الشجرة للغابة.
لأني
أدركتُ جذوركِ
لأن صوتي
يعرف صوتكِ.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: