الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 مارس 2022 02:28
للمشاركة:

ضربة أربيل.. رسائل إيرانية كثيرة باتجاهات عديدة

بالتوازي مع مفاوضات فيينا المعقدة بين إيران والقوى العظمى من جهة والأزمة الأوكرانية التي شغلت العالم من جهة أخرى، تجري بين إسرائيل وإيران مواجهات مباشرة بما يتضمنه المفهوم العسكري واللوجستي من معانٍ.

لا تنحصر هذه المواجهات على العمليات العسكرية (المدروسة بعناية كي لا تتحول إلى مواجهة شاملة) بل تشمل كذلك عمليات تجسس وهجمات سيبرانية. أخر ما أعلنت عنه إيران هو كشفها عن شبكة تجسس تعمل لصالح الموساد الإسرائيلي عملت خلال الأشهر الماضية على تجنيد عاملين في منشأة “فوردو” النووية بالقرب من مدينة قم الإيرانية. سبق ذلك استهداف الحرس الثوري الإيراني مقاراً أمنية وعملياتية إسرائيلية (بحسب بيانه) في إقليم كردستان العراق.

التخلي عن سياسة الصبر الاستراتيجي

مع السيطرة الواسعة للأصوليين على مفاصل صنع القرار، تخلّت إيران بشكل كامل عن سياسة “الصبر الاستراتيجي” التي اتبعتها إدارة الرئيس السابق حسن روحاني. هذه السياسة التي طورها المعسكر الإصلاحي-المعتدل لمواجهة الانسحاب الأحادي الجانب من خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي) الذي نفذه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وتقوم هذه السياسة على ضرورة احتواء الولايات المتحدة وإسرائيل وتحمل تحركاتهما العدوانية في ساحات الصراع المتوزعة في الشرق الأوسط خصوصاً في العراق وسوريا ومياه الخليج لحين قدوم إدارة ديمقراطية أميركية تستطيع طهران الوصول إلى اتفاق معها. وبناء على ما تقدم فقد تجاهلت إيران معظم الضربات التي تعرضت لها في سوريا، ولكنها استمرت في تهريب السلاح إلى حزب الله، حليفها في لبنان. التغيّر الجذري الذي حصل في معادلة الردع الإيرانية جاءت مع الهجوم المتعمد على السفينة الإسرائيلية “ميرسر ستريت” في أواخر تموز/يوليو 2021. استخدمت إيران في هذا الهجوم طائرات مسيرة وصواريخ بالستية، كما تعمدت طهران إلحاق خسائر بشرية في صفوف طاقم السفينة من خلال استهداف مقدمة السفينة، وهي بالفعل نجحت في تحقيق هدفها هذا، حيث قُتل في هذا الهجوم قبطان السفينة بالإضافة إلى أحد العاملين على متن السفينة.

نقل المعركة إلى أرض العدو

بشكل عام، تسعى كل من إيران وإسرائيل إلى نقل المعركة إلى داخل أراضي “العدو”، ولذلك فإن الأولى عملت على تقوية حزب الله بترسانة صواريخ متطورة يقدر قوامها بنحو 130 ألف صاروخ. الثانية، بدورها لم تقف مكتوفة الأيدي بل تحركت نحو بناء قواعد متقدمة لها على الحدود الإيرانية في كل من أذربيجان وإقليم كردستان العراق. التواجد الأمني والمخابراتي الإسرائيلي في أذربيجان رفع من مستوى التوتر بين إيران وأذربيجان إلى درجة التهديد بالحل العسكري، لكن فيما بعد دفع الحوار والوساطات بين باكو وطهران إلى المضي قُدما في الحل السياسي ولذلك تفهمت أذربيجان القلق الإيراني وقامت برعاية ما يصفه الإيرانيون بـ”البعد الاستراتيجي الإيراني” وقامت بإبعاد عناصر الموساد من الحدود الإيرانية.

أما إقليم كردستان العراق فقد تم توظيفه غير ذات مرة كمنطلق لهجمات عسكرية سرية في العمق الإيراني كما يعتبر الإقليم منطقة خصبة لتنسيق عمليات التجسس على البنية الأمنية والعسكرية والنووية الإيرانية. حيث كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قبل أيام عن عملية نفذتها ست طائرات إسرائيلية مسيّرة انطلقت من إقليم كردستان في الـ 14 من شباط/ فبراير الماضي، استهدفت هذه الطائرات معسكراً لتصنيع الطائرات المسيرة في مدينة كرمنشاه غرب إيران. وتشير الصحيفة في تقريرها إلى تعرض مئات الطائرات الإيرانية إلى أضرار جسيمة للغاية. هذه الرواية تم تأكيدها عبر المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني الجنرال رمضان شريف في تصريحات له لقناة المسيرة اليمنية.

الموقع الذي استهدفه الحرس الثوري في إقليم كردستان العراق كان عبارة عن “فيلا كبيرة” لتاجر كردي يسمى الشيخ باز كريم وهو يملك إمبراطورية الغاز “KAR”. واستخدمت إيران في هذه العملية صواريخ “فاتح 110” من صناعة مؤسسة صناعات الطيران الإيرانية. حيث يصل مدى الجيل الثالث من هذا الصاروخ إلى 300 كليومتر وتم تطوير الجيل الرابع ليكون قادرا على إصابة الأهداف بدقة متناهية. تم إطلاق 12 صاروخ بالستي من شمال غرب إيران القريبة من إقليم كردستان. كما ادعت سلطات كردستان العراق بأن إيران دمّرت مبنى لقناة كردستان 24 الفضائية.

بطبيعة الحال، إيران لا تستخدم سلاح الجو لقصف الأهداف الأرضية وذلك لأن أسطولها الحربي الجوي قديم بسبب العقوبات الاقتصادية وبسبب حظر السلاح الأممي الذي فرض عليها على مدار السنوات الماضية وانتهى مفعوله في 2020.

رسائل مقصودة

تعمل إيران منذ سنوات عديدة على إرساء قواعد الردع الفعّال لمنع دول الجوار من استضافة القوات الإسرائيلية على أراضيها. لكن هذه المرة، هناك ثمة رسائل أرادت طهران إيصالها عبر تبني هذا الهجوم بشكل صريح وواضح، منها:

  • التأكيد مجددًا للولايات المتحدة بأن ملف الصواريخ البالستية الإيرانية غير خاضع للتفاوض لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل بوصف البرنامج الصاروخي الإيراني القوة الرادعة الوحيدة إذا ما تخلت طهران عن طموحاتها النووية. وانطلاقًا من كون التصعيد العسكري في بعض الأحيان يعد استمراراً للسياسة. يبدو أن ما قام به الإيرانيون انعكس بشكل إيجابي على محادثات فيينا التي يظهر أنها في طريقها إلى النهاية.
  • تحذير دول الجوار بأنّ إيران لن تقبل بتواجد إسرائيل بالقرب من حدودها.
  • إبلاغ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بأن إيران وإن خسر حلفائها في الانتخابات البرلمانية إلا أنها لا تزال متواجدة في الساحة العراقية وتمتلك فيها مفاتيح كثيرة.

*كاتب ومحلل سياسي/ متخصص بالشؤون الإيرانية والشرق الأوسط

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: