الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة17 مارس 2022 17:14
للمشاركة:

نوروز طهران.. آمال النووي و المنطقة

يتحلقون حول باعة متجولين يبيعون بشكلٍ غير قانونيٍ علناً ألعابًا ناريةً و مفرقعات…

اعتاد الإيرانيون اللعب بالنار في آخر أربعاء من سنتهم الهجرية الشمسية، هي طقوس ضاربة في تاريخهم، واليوم مازالوا يتمسكون بها رغم تسببها بأضرار وإيقاعها القتلى و الجرحى. يشتري كل واحد ما تيسر له، فالأسعار باتت مرتفعة مقارنة بالأعوام السابقة.

حاملين ألعابهم النارية يسرعون، بعدها الخطى هبوطا نحو قطار أنفاق العاصمة، مزدحمة طهران فوق و تحت الأرض أكثر من أي وقت مضى، إنها نهاية العام. وكما هي شوارع و أنفاق العاصمة كذلك هي أروقة صنع القرار الإيرانية وملفات السياسة الخارجية.

قاع المدينة.. آمال تنتظر

في المترو الذي يخترق بسرعة ظلمات قاع طهران تكتشف ما يدور في رؤوس الإيرانيين، حتى وإن كان معظمهم غارق في شاشة هاتفه المحمول دون معالم واضحة ترتسم  على وجهه، لكنك تقرأ ترقب إنفراجة معيشية و اقتصادية طال انتظارها لدى الجميع.

وسط أصوات باعة متجولين يغص بهم مترو طهران يتناهى إلى سمعك أحاديث لا تنتهي، السياسيون الإيرانيون بطبعهم، يبدون آراءهم في مختلف القضايا.

تزامن غريب جمع أحداث دولية و إقليمية و إيرانية نهاية العام الفارسي يقول مصدر إيراني: “إنه تزامن غير مبرمج فيما يخص إيران، لكن بالمجمل لجميع هذه الأحداث تبعات إيجابية أو سلبية و يمكن تحميلها رسائل في أكثر من اتجاه”، تصر إيران على فصل الملفات دائما.

صواريخ إيران

بعد كشف الحرس الثوري الإيراني مؤخرا عن قاعدتين تحت الارض، صاروخية و أخرى للطائرات المسيرة، تطلق النيران من فوق أرض شرق بحيرة ارومية و تدك صواريخ فاتح ١١٠ مركزا قالت طهران إنه للموساد الإسرائيلي . صواريخ قرأتها كل من بغداد و أربيل انتهاكاً لسيادة العراق و أقليم كردستان. و أصرت طهران على أنها تشبه استهداف القوات الأميركية في قاعدة “عين الأسد”  قبل أكثر من عامين. يقول المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده : “طرف ثالث استغل الأراضي العراقية للقيام بعمليات ضد إيران وعلى العراقيين الاهتمام بحفظ أمنهم الداخلي وعدم السماح لأحد بالقيام بمثل هذه الاعمال”، و بعيدا عن التوتر و ضبطه بين طهران و بغداد و أربيل بعد هذه الصواريخ الإيرانية و النتائج المباشرة بقتل عدد من ضباط الموساد الإسرائيلي كما اوردت تقارير غير رسمية، و هو أمر سيبقى ضبابيا لفترة طويلة،  يقول المصدر الإيراني: “إن  نتائج هذا الاستهداف الصاروخي ثبتت قاعدتين، الأولى، أن طهران لن تتردد في ضرب  المراكز التي تكون دخيلة مباشرة في استهداف إيران في أي مكان كانت إذا لم تقم حكومات الدول التي تستضيف مثل هذه المراكز بالتعامل معها، و الثانية، أن برنامج إيران الصاروخي خط أحمر”.

يأتي ذلك في وقت دخل فيه الصراع الإيراني الإسرائيلي مرحلة جديدة، مع اعتراف إيران بأن قصف “مركز الموساد” في أربيل جاء ردا على تدمير إسرائيل لمركز للطائرات المسيرة في كرمانشاه غرب إيران، و أيضا مقتل ضابطين إيرانيين في استهداف إسرائيلي قرب دمشق، و إعلان الاستخبارات الإيرانية إلقاء القبض على شبكة مرتبطة بإسرائيل حاولت تنفيذ عمليات تخريبية في منشأة فوردو النووية، و أيضا تصاعد الحرب السيبرانية بين الطرفين و التي كانت آخر فصولها تسريب معلومات عن رئيس الموساد الإسرائيلي و إيقاف المواقع الرسمية الالكترونية الإسرائيلية عبر مجموعات قالت تسريبات إعلامية غير رسمية أن من يقف وراءها مجموعات هاكرز مقربة من إيران.

في أحاديث مقتضبة مع بعض ركاب مترو طهران تكتشف أن ما يشغل بال الإيرانيين ليس هذا الصراع و لا هذه الصواريخ و إن كان بعضهم يفاخر بإنجازات بلاده و يشير إلى صاروخ قاصد الذي وضع ثاني أقمار إيران الصناعية ” نور ٢ ” المخصص للأغراض العسكرية في مدار ٥٠٠ كيلو متر عن سطح الأرض، فما يهمه هو ألا يخجل من حاله أمام أسرته ليلة عيد النوروز كما يقول المثل الإيراني.

انفراجة دولية مأمولة

على المفاوضات النووية يعلق كثير من الإيرانيين آمالهم، قبل سنوات لمسوا انفراجة اقتصادية إبان التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، انفراجة لم يكتب لها الاستمرار لأسباب كثير لا تقتصر على انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018. يقول المصدر الإيراني:”إن تأثير الاتفاق النووي عندما أنجز لم يكن كبيرا ومباشرا على الاقتصاد الإيراني، و ربما كان الأثر النفسي له أكبر من الحقيقي”، يعاني الاقتصاد الإيراني من مشكلات عديدة داخلية و خارجية، تبدأ بهيكليته و لا تنتهي بالعقوبات، لكن رغم ذلك يقول المصدر:”إن حل المشكلات الداخلية هو الأهم، فإيران تمكنت إلى حد كبير من تجاوز العقوبات التي فرضتها واشنطن، لكن القرار الإيراني هو المضي بالتوازي برفع العقوبات من خلال مفاوضات فيينا، و إبطال أثرها بمختلف الأساليب المتاحة و خاصة من خلال تعزيز العلاقات الثنائية “، و يضيف المصدر ردا على سؤال عن ما الذي يدفع طهران لإحياء الاتفاق النووي:”لا يمكن إنكار تأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني من جهة و من جهة أخرى ليس لدى طهران ما تخسره نوويا، فقد حققت إنجازات تقنية خلال الفترة الماضية كان من المفترض أن تصل اليها في العام الثاني عشر من الاتفاق” ، إذا هي الورقة التقنية النووية و التي تقلق الغرب مع الاقتراب من “العتبة النووية ” و امتلاك إيران مزيدا من اليورانيوم المخصب و مزيدا من أجهزة الطرد المتطورة و مزيدا من العلم النووي مقابل رفع العقوبات و عودة إيران إلى أن تكون عضوا طبيعيا في المجتمع الدولي اقتصاديا و لو نسبيا. و بين هذا و ذاك ملفات عديدة موازية من المنطقة إلى تبادل السجناء مع الدول الغربية.

ارتدادات الحرب الروسية على أوكرانيا

أولى الملفات التي تلقت ارتدادات الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت مفاوضات فيينا، مطالبة روسيا بضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بعدم تأثير العقوبات المفروضة على موسكو عل تعاون روسيا و إيران، أربك المشهد، و دفع في نهاية المطاف وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى زيارة موسكو ليضع مع وزير الخارجية الروسي نهاية لهذه الأزمة.

في موسكو قال سيرغي لافروف: “حصلنا على ضمانات نصية من واشنطن بأن العقوبات لن تنعكس على تعاون روسيا مع إيران”.

و في طهران قال حسين أميرعبد اللهيان بعد عودته من روسيا: “الجانب الروسي طمأننا أنه لا صلة بين الاتفاق المحتمل في فيينا و التطورات المرتبطة بأوكرانيا .. روسيا كما قال السيد لافروف مستعدة للمصادقة على الاتفاق بمجرد إعلامها بذلك في إطار اللجنة المشتركة للاتفاق النووي”.

و تقاطع معهما ما قاله مسؤول أميركي لرويترز بأن “واشنطن لن تفرض عقوبات على الشق الروسي في المشاريع التي تطبق بشكل كامل الاتفاق النووي مع إيران”.

أنهت هذه التصريحات النمو المتصاعد للذهنية السلبية عن روسيا لدى الإيرانيين و التي كانت آخذة بالتصاعد من خلال استحضار التاريخ أيضا.

الأمتار الأخيرة لانهاء مفاوضات فيينا

بعيدا عن روسيا التي يقول المصدر الإيراني إن: “مصالح إيران معها و مع الصين أكبر بكثير من مصالح إيران مع الغرب، خاصة في ظل تجربة تنفيذ الاتفاق النووي بين 2015 و 2018 ” ، أما العقد المتبقية على طاولة فيينا فيقول عنها عبد اللهيان : ” كان لدينا أربعة مواضيع في ظل المفاوضات التي تقترب من نهايتها و خلال الأسابيع الثلاثة الماضية تم حل موضوعين تقريبا و لكن مايزال هناك موضوعان باقيان و منها الضمانات الاقتصادية.. إذا توفرت الإرادة اللازمة لدى الجانب الأميركي نحن جاهزون لإنهاء هذه المفاوضات”، تفيد معلومات بأن الموضوعين المتبقيين بشكل أساسي هما رفع الحرس الثوري الإيراني عن قائمة المنظمات الإرهابية حسب التصنيف الأميركي، إكمال حزمة الضمانات من خلال تقديم واشنطن ضمانات اقتصادية، في الأول نقل موقع أكسيوس بشأنه عن مصادر: “إن إدارة جو بايدن أبلغت إسرائيل أنها تدرس شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب مقابل التزام علني بخفض التصعيد في المنطقة” ، المصادر قالت للموقع أيضا : “القرار النهائي لم يتخذ بعد لكن إسرائيل قلقة بسبب عدم وجود التزامات تمنع إيران من استهداف الحلفاء بالمنطقة”، و في الثاني، يبدو الأمر مركبا بين دفع أميركي للشركات بالاستثمار في إيران، و بين فسح مجال إيراني للشركات الأميركية في إيران.

المنطقة .. هل ستتجه إلى الهدوء؟

على وقع مفاوضات فيينا نشطت مجددا قنوات أخرى بين إيران و الدول الغربية تحديدا، أبرزها عمان و قطر، و التي نجحت في ملفات موازية لها تأثيرها على سير المفاوضات دون شك.

و على وقع مفاوضات فيينا أيضا تغير المشهد اقليميا، غزل إيراني – سعودي، و اصرار على مواصلة الحوار بجولة خامسة في بغداد و إن تم تأجيلها من قبل طهران اعتراضا على الإعدامات التي نفذتها السعودية بحق 81 شخصا قالت إنها لإدانتهم بجرائم مرتبطة بالإرهاب.

و على وقع مفاوضات فيينا و معادلات إقليمية، تنسيق إيراني إماراتي دخل مرحلة مختلفة بعد زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران أواخر العام الماضي.

كل ذلك يؤكد أن ما بعد اتفاق فيينا، سواء نجح أو فشل، سيكون ليس كما قبله، و تحديدا إقليميا، اختلاف ترفض طهران أن يكون لواشنطن و الدول الغربية أي دور في تحديده.

لا بديل عن الاتفاق النووي

وسط المعادلة الإيرانية متعددة المتغيرات، يبدو أن اطمئنان إيران للموقف الروسي، وإطلاق سراح الإيرانيين البريطانيين، نازنين زاغري و انوشه آشوري،  و تسلم طهران أموالها من لندن، و الإعلان عن حل موضوعين و بقاء موضوعين عزز الآمال بإحياء الاتفاق النووي خلال فترة أعياد النوروز.

يرى الإيرانيون شعبيا في الاتفاق النووي ضرورة في الغالب و ترى فيه الحكومة الخيار الأمثل لإعادة فك الاشتباك في أعقد الملفات الإيرانية دوليا. و بين تفاؤل و تشاؤم بنجاح مفاوضات فيينا التي لا يبدو أن هناك بديل عنها، و بعد ما يقارب سبع سنوات على التوصل إلى الاتفاق النووي سيتحلق الإيرانيون في 20-3-2022 الساعة السابعة و ثلاثة دثائق مساء أمام سفرة سيناتهم السبع برمزيتها الكثيرة مترقبين على كل الاحداث الدولية و الإقليمية و المحلية و رافعين الأكف بدعاء النوروز: “بتحويل الحال إلى أحسن الأحوال”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: