الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 فبراير 2022 11:42
للمشاركة:

“جرائم الشرف”.. حلقة جديدة في إيران

صُدم المجتمع الإيراني، السبت 5 شباط/ فبراير، بانتشار فيديو يوثق عملية قتل فتاة من مدينة الأهواز كانت قد نشرته وكالة أنباء "رُكنا" الإيرانية، مما تسبب بإغلاق الوكالة بعد يوم واحد، وفقا لوكالة "إرنا" الإيرانية، نظراً لما فيه من مشاهد قاسية.

ما القصة؟

مُنى حيدري، المعروفة بـ “غزل”، فتاة أهوازية قُتلت في التاريخ المذكور بعمر 17 عاماً على يد زوجها (ابن عمها) وأخيه. وقد ظهر في الفيديو الزوج وهو يقطع رأس زوجته في ساحة وسط مدينة الأهواز جنوب غرب إيران.

وسط أنباء متضاربة عن التفاصيل، أعلن المدعي العام في الأهواز عن اعتقال زوج “منى” وأخيه. وجاء على لسان المسؤول الإيراني وفق موقع “همشهري أونلاين” أنّ “هذه الشابة هربت إلى تركيا، ومن هناك أرسلت مجموعة من الصور إلى زوجها، أثارت مشاعره وتسببت بغضبه”.

وفي حوار مع وكالة “فارس” الإيرانية، أكد والد الفتاة الضحية أنها هربت من بيت زوجها قبل شهرين تقريباً وانقطعت أخبارها، الى أن اتصلت بهم وأخبرتهم إنها في تركيا، ثم استلموا رسائل عبر وسائل التواصل من رجل سوري يدعى “عبد جمونغ” تحتوي صورا صادمة تجمع منى مع رجل غريب يدّعي أنه هو من أرسلها ، وأنه تزوجها في تركيا.

وأضاف والد الفتاة إنه أرسل مبلغاً من المال لـ “الرجل السوري” كي يسترجع ابنته، لكن الأخير خالف ما وعد به.

وفي حوار مع موقع “اقتصاد نيوز” الإيراني، أشار الوالد إلى أنه توجه برفقة أخيه إلى تركيا بعد أن تلقوا اتصالاً هاتفياً من منى نفسها دلتهم خلاله على مكان إقامتها، ثم عادا بها إلى إيران، مضيفاً أنّه كان من المقرر أن يتم تقديم بلاغٍ ضد “مجموعة التهريب البشري” التي ساعدت الفتاة على مغادرة البلاد.

وعن عملية القتل، روى الوالد إنه غادر البيت يوم السبت وجاء أخوه بغير علمه مستدرجاً منى للخروج معه بحجة الذهاب إلى مقر الشرطة، ثم التحق بهما زوجها في منتصف الطريق وأخذها ليفعل ما فعل وسط المدينة.

الدستور الإيراني

قال المحامي الإيراني عبد الكاظم جبار مطوري في مقابلة مع “جاده إيران”: “حسب ما جاء في فصل القصاص من قانون العقوبات للجمهورية الإسلامية في إيران، أنه إذا قُتلت المرأة على يد رجل، وطلب أولياء الدم (الأم والأب أو أي ولي دم لم يشترك في قتلها) القصاص وكان القاتل رجلاً فيُدفع لأولياء دم القاتل لقاء القصاص منه نصف الدية أي دية الرجل لأنه حسب الشرع دية المرأة نصف دية الرجل وإذا لم يطلبوا القصاص حسب المادة 612 من قانون العقوبات يُحكم على القاتل من ثلاث إلى عشر سنوات سجن”.
وأضاف المحامي وهو قاضي متقاعد في مدينة الأهواز: “إن في هذه القضية التي بين أيدينا ارتكب القاتل عملا يخلّ بالنظم الاجتماعي والاحساسات العاطفية حسب المادة 618من قانون العقوبات أيضا يُحكم عليه من ثلاثة أشهر إلى سنة سجن”.
وتابع جبار مطوري: “تجاه هذا العمل الشنيع إذا توصل القاضي إلى هذه النتيجة فالعقوبات المذكورة لا تكفي لتأديب القاتل وهو ما يسمح له بأن يُصدر عقوبة تتميمية لمدة محددة من قبيل النفي من البلد الذي يعيش فيه وعموما هذه العقوبات التكميلية تُجرى بعد انقضاء مدة السجن”.
وفي السياق، سألنا المحامي جبار مطوري “متى يعدم أو يقتص من الرجل إذا ما قتل امرأة بدون دفع تفاضل الدية؟” فرد قائلا: “اذا ارتكب الرجل جرماً يدخل في تعريف وإطار المحاربة أو الإفساد في الأرض وانجر هذا الجرم إلى قتل امرأة (أو رجل)، فهناك يُحكم عليه بالإعدام وليس القصاص بدون دفع التفاضل للدية”.
وأوضح أن “حكم المحاربة (فقط أي بدون أن تؤدي إلى قتل امرأة أو رجل) يكون القتل أو التمثيل به أو النفي”.

ومن الجدير ذكره هنا إنه وفقاً لآخر الأنباء (غير الرسمية) لهذه القضية، فإنّ والدَيْ منى سيتنازلان عن القضية استجابةً لدعوة أقرباء القاتل.

العرف القبلي في الأهواز

وتعليقاً على الجدل التي أثارته هذه الحادثة، بين معارض ومدافع، وارتباط ما حصل بتقاليد المنطقة، أفاد مطلعون على الشؤون القبلية والأعراف السائدة في المجتمع الأهوازي لـ”جاده إيران” بأنه وفقاً للعرف القبلي إذا كان الزوج ليس من أولاد أعمامها عليه أن يأخذ بيدها إلى أهلها كي يتولوا الأمر، أي أن يقتلوها بأنفسهم، أما إذا كان الزوج من أبناء الأعمام فعليه أن يتولى القتل بيده.”

وعليه ستقدم أسرة “الزاني” (أي الرجل الذي أقام علاقة مع ابنة العائلة) مبلغاً باهظاً تحت مسمى “الفصل” لأسرة القتيلة، وتزوج إحدى بناتها (بنات أسرة الزاني) لزوج القتيلة.

بناء على ذلك، فإن القاتل في هذه القضية ارتكب جريمته كونه ابن عمها وزوجها، وحتى لو لم يكن زوجها فالعرف العشائري يعطيه الحق بقتلها لمجرد أنه ابن عمها، بحسب هؤلاء.

ويُذكر في هذا الصدد، أن العرف القبلي العربي في الأهواز يكتفي بـ “الإشاعة” للحكم بـ “قضايا الشرف”، بينما القانون الإسلامي يؤكد على “إقرار شهود عيان” يعلنون إنهم شهدوا على الحادثة ليحكم ب”رجم المحصّنة (المتزوّجة) الزانية حتى الموت” إذا ما ثبت عليها الزنا.

ردود الفعل

ونقلت وكالة “إرنا” الإيرانية أنّ الشيخ عباس الحيدري، أحد شيوخ عشيرة “الحيادر”، إحدى القبائل العربية في الأهواز التي تنحدر من قبيلة “بني طي” المعروفة، ويُنسب إليها القاتل والضحية، دعا إلى محاكمة علنية للقاتل، وقال: “المحاكمة العلنية ومشاهدتها عبر التلفزيون قد تكون درساً، ويمكن أن تكون خطوة نحو منع جرائم القتل في المستقبل”، مشدداً على ضرورة إدانة هذه الجريمة من قبل القضاء وإحقاق الحق من قبل النظام.

ويرى الناشط الاجتماعي الأهوازي صلاح سالمي، كما أوردت الوكالة، أنه نظراً إلى أنّ الأشخاص الذين يرتكبون جرائم الشرف قد نشأوا في هيكل عشائري، فإنهم ما زالوا لا يتخلون عن عاداتهم، حتى لو حُكم عليهم بالقصاص.

وتابع: “القبيلة بنية بدائية جداً للمجتمعات البشرية وترتبط بالزمن السابق لتشكيل الدول”، متهماً السلطات الرسمية بتهميش نخب المجتمع وتكريم العشائر وقياداتها فتعززت بذلك البنية العشائرية.”

واعتبر سالمي أنّ هذا النهج السياسي كفيل باستمرار هكذا جرائم، مشيراً إلى أنه في جريمة الشرف الأخيرة، نزل الرجل إلى الشوارع وأثنى عليه أناس ينتمون إلى نفس التركيبة القبلية.

أما عضو هيئة رئاسة لجنة المرأة والأسرة في البرلمان الإيراني فاطمة رحماني، فقد أسفت في تغريدة لها أن يكون “ارتكاب جريمة مروّعة بسلوك داعشي للقاتل الأهوازي تجاه زوجته لا يعاقب عليها أي قانون”.

من جهتها وعدت نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة إنسية خزعلي بـ “متابعة مشروع قانون يضمن الأمان للمرأة”.

وبحسب موقع “انتخاب” الإخباري، قال عضو هيئة التدريس بمعهد الإمام الخميني التربوي أحمد رهدار عن الحادثة “في هذه الحالة تعرض رجل إيراني للظلم، وخرج عن حالته العادية، ظهرت غيرته؛ ربما كان هناك خطأ في طريقة استخدام هذه الغيرة، لكن كل المسألة هي قضية الغيرة. وقد جاء في الروايات الدينية أن الغيرة تدل على الإيمان والله يحب العبد الغيور، كما أنّ روايات أخرى تحدثت عن. غيرة لا يحبها الله”.

واتهم الباحث السياسي عباس عبدي الأصوليين بتأييد هذه الجريمة، حيث كتب في “صحيفة اعتماد” الإصلاحية أنّ “صمت الأصوليين عن مقتل منى حيدري تأكيد على تأييدهم لهذه الجريمة، بينما ينبغي عليهم إدانة مقتل الفتاة الأهوازية”.

وتابع: “التزموا الصمت لأنهم تقليدياً يرون في هذا السلوك رادعاً لسوء السلوك الجنسي، لذا فإن صمتهم يشكل اتفاقاً نسبياً مع هذا الحدث المروع”.

الإحصاءات الرسمية

نشرت مجلة “الدراسات الأمنية الجنائية” الفصلية التابعة للشرطة الإيرانية في كانون الأول/ ديسمبر 2019 دراسة عن سبب وكيفية حدوث جرائم الشرف في إيران.

وأبرزت هذه الدراسة أنّ عدد جرائم الشرف في البلاد ينذر بالخطر ويشكل 30٪ من جرائم القتل.

أما أهم المعتقدات الاجتماعية التي تدفع إلى “جرائم الشرف” في إيران فهي ضرورة الحفاظ على شرف وكرامة المجتمع والأسرة، الشعور بالخزي، التخلص من وصمة اللامبالاة، احترام العادات والتقاليد ورأي الشيوخ وزعماء القبائل، مشاكل الصحة النفسية والتعصب الشديد تجاه الشرف والمرأة، كما نصت الدراسة نفسها.”

وأعلن تقرير الشرطة إنه من عام 2012 إلى 2016 كان أعلى عدد من جرائم الشرف مرتبطاً بمحافظتَي كرمانشاه (45.48%) وإيلام (40%) الكرديتين، ومحافظة خوزستان (سكانها هم العرب والفرس اللور ذات النسيج القبلي) بنسبة 39.1% على التوالي.

قضايا مشابهة في السنة الماضية

وذكّر هذا الحادث كثيراً من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بقضية رومينا أشرفي، الفتاة التي قُطع رأسها بمنجل والدها في أيار/ مايو 2020 في محافظة “غيلان” شمال إيران، وحكم على والدها بالسجن تسع سنوات فقط، لأنه “ولي الدم”، ولا ينفذ “القصاص والحد” بالنسبة له بل يحكم عليه بـ “دفع الدية والتعزير” وفقا للقانون الإسلامي في إيران.

كما أعادت الحادثة البعض إلى حالات شبيهة حدثت بالسنة الماضية، مثل ريحانة عامري في مدينة كرمان شرق إيران والتي قُتلت على يد أبيها، ثم فاطمة بريهي الفتاة العربية من مدينة عبادان التي قتلها زوجها.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: