الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

المرآة لمحمود دولت آبادي (الجزء الأول)

للمشاركة:

جاده ايران- ترجمة/ ديانا محمود

محمود دولت آبادي، روائي وقاصّ إيراني من مواليد عام ١٩٤٠، يعتبر من أفضل كُتّاب الرواية المعاصرة، لكن مجموعاته القصصية قليلة مقارنة بآثاره الأخرى، ومن أشهر أعماله رواية “كليدر”.

المرآة لمحمود دولت آبادي (الجزء الأول) 1

المرآة /الجزء الاول
كان الرجل يعبر الشارع، لم ينس أن يتذكر أنه لم يشاهد وجهه بالمرآة منذ ثلاث عشرة سنة لم يكن لديه سبب ليتذكر أنه منذ زمن أيضاً لم يشعر بضحكته، بالطبع لم يكن يتذكر ضياع بطاقته الشخصية لولا أن الإعلان عبر إذاعة الراديو طلب من المواطنين المبادرة بتجديد بطاقاتهم، قالوا في الإعلان، عزيزي المواطن عليك إرسال بطاقتك القديمة عبر البريد لمحل إصدارها لتحصل بعد أربعة أسابيع على هوية جديدة، نسي الرجل أن يبحث عن بطاقته الضائعة، مع أنه أدرك سريعاً فقدانها. لكن لماذا؟. يبدو أن ثلاثة عشر عاماً مضت على ضياعها، السبب هو أن الرجل كان مضطراً أن يتذكر متى استخدم بطاقته آخر مرة، لقد استخدمها منذ ثلاثة عشر عاماً، ربما أيضاً منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، فهو في وقت سابق جداً في لحظة تاريخية وضع بطاقته الشخصية في جيب معطفه ليذهب ويدلي بصوته أمام الصندوق ويختم على بطاقته. ومنذ ذلك اليوم لم يعد لها ضرورة ليحفظ أين يضعها أو أين أضاعها. في الحقيقة لقد جاءت لحظة تاريخية أخرى احتاج فيها لبطاقته الشخصية لكنها كانت قد ضاعت منه. في البداية ظن إنها لازالت في جيب معطفه الشتوي، لكنها لم تكن هناك، خطر بباله إنها في ذلك الصندوق بحث ولم تكن. عبر الحيّ صعد إلى الباص واتجه مباشرة إلى مديرية الأحوال الشخصية، لم يستطع أن يحصل على جواب واضح، عاد إلى الحيّ ثانيةً، وعندما وصل إلى البيت تذكر أنهم قالوا له أحضر شهادة من الحيّ الذي تقطن فيه. نعم هو كذلك. هكذا قالوا له. لكن كيف يكتب هذه الشهادة؟. جلس أمام الطاولة أحضر ورقة وقلم وضعهما أمامه على الطاولة. نعم يجب أن يكتب شيئا، نحن الموقعون أدناه نقر إن هوية السيد … مفقودة. بيّض ما كتب بقلم حبر وخرج من المنزل واتجه مباشرةً إلى البقال الذي يشتري منه مرة واحدة كل أسبوع. لكن البقال لا يحب المشاكل، فقال له أنا لا أعرفك، ليس بالمطلق بل لا يعرف اسمه، ولم يخطر بباله حتى الآن أن يسأله عن اسمه؛ ” ولا سيما إنك تركت مكان اسمك فارغ”
نعم هذا صحيح.
كان عليه أن يذهب منذ البداية إلى صاحب المصبغة فهو في كل عيد يغسل ويكوي بنطاله وقميصه عنده ويأخذ منه وصلا بذلك. ومع أن صاحب المصبغة لديه ذاكرة جيدة ويعرف أغلب زبائنه بالوجه إن لم يكن بالاسم لكنه لم يستطع تذكره؛ وقال له مع الأسف لم يكن لنا نصيب بحضورك كثيراً، هل ليّ أن أتشرف باسمك الكريم؟
المعذرة في الحقيقه إنه.
“علي أن احضر لك أحد الوصول لكي تتذكرني، عندها تحلّ المشكلة”.
– اها نعم، وصل.
هناك، على ورقة الوصل يكتب اسم وتاريخ تسلم الملابس وأيضاً كم قطعة لباس تم تسليمها ولون كل منها. لكنه وصل مصبغة.. ما السبب الذي يدفع زبون للاحتفاظ بذلك الوصل بعد أن يأخذ ملابسه؟. لا الأمر ليس مفيدا، إلى أين يمكن الذهاب الآن؟ الخباز؛ هو بالقرب من هنا، يشتري منه أسبوعياً ما يكفيه لسبعة أيام، لكن الوقت لم يكن مناسبا فقد وصل إلى المخبز عندما كان صاحبه مستلق إلى جانب الجدار وقال له ليس هناك خبز الآن، عاد الرجل إلى الخلف ومشى مع الحائط حتى وصل إلى منزله مع ورقته التي مزعها من الدفتر ذي الأربعين ورقة.
وقف خلف زجاج نافذة الغرفة، سرح بخياله وهو ينظر إلى الطحالب على سطح البركة، لكنه لم يتذكر أيّ شيء. عند الغروب أو ربما كان قد حلّ الليل خطر بباله أن يذهب إلى دائرة الأحوال الشخصية ويده مملوءة، قليل من المال مثلاً يرشي بها مسؤول الأرشيف ليعمل ساعة إضافية عله يعثر على أثر لبطاقته الشخصية، هل كان من الممكن ذلك أو غير ممكن؟ لماذا..
“لماذا لا يكون ذلك ممكناً؟”
تمكن من الاتفاق مع ذلك الرجل العجوز الذي يدخن سيجارة رخيصة ويضع بين شفتيه مشربا* خشبيا طويلا، على أن يذهبا إلى دهليز المديرية ويبحثا في الأرشيف؛ وفعلاً ذهبا.

*مشرب: أنبوب خشبي يساعد في تصفية السجائر

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: