الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة16 ديسمبر 2021 16:25
للمشاركة:

مفاوضات فيينا.. تقابل الإرادات وحرب الروايات

تحت عنوان «مفاوضات فيينا: تقابل الإرادات وحرب الروايات»، أصدر مركز أبحاث البرلمان الإيراني تقريرًا تعرَّض خلاله إلى جولة المفاوضات الجارية في فيينا، وقراءته لنهج الولايات المتحدة خلال المفاوضات إجمالًا ولهذه الجولة على وجه الخصوص.

وتزامن التقرير مع الاتفاق التي توصلت إليه طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يقضي باستبدال الكاميرات المتضررة من الحادثة التخريبية لمنشأة تسا في كرج، وذلك بعد إدانة الوكالة للتخريب الذي تعرضت له المنشأة مطلع صيف 2021، وقبولها فحص خبراء فنيين إيرانيين للكاميرات.

يؤكد تقرير مركز أبحاث البرلمان على أن الدفاع الأساسي لإيران للدخول إلى مفاوضات فيينا يتمثل في تحقيق الهدف المندرج في البند 29 من خطة العمل المشتركة الشاملة أي «تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية».

ويذكر أن نتائج الجولات الستة السابقة للمفاوضات التي جرت في عهد حكومة حسن روحاني، لم تكن توفر المصالح القومية لإيران، بسبب عدم إرادة أميركا الإلغاء المؤثر لكافة العقوبات، وتقديم ضمانات اقتصادية.

 وعدَّ التقرير إعادة النظر في مسوَّدات الجولات السابقة، ضرورة بالنسبة لإيران، نظرًا لعدم الجدوى الاقتصادية منها. في الوقت الذي حاولت أميركا إطلاق حملة نفسية، ترغب خلالها تصوير مطالب إيران بالمتجاوزة للاتفاق النووي. في حين أن واشنطن طبقًا للاتفاق النووي والقرار الأممي 2231 عليها الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تحول دون تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران إلى جانب رفع العقوبات المقرر في الملحق 2 من الاتفاق النووي. 

وفي ذات السياق، ترى طهران أن الفكرة الرئيسية لحكومة بايدن، تتمثل في إجبارها على قبول اتفاق أقوى وأطول من خلال فرض «ضغوط ذكية» أو ما يمكن تسميته «دمج الدبلوماسية والتعددية بحملة الحد الأقصى من الضغوط». كما تعتقد كذلك أن استراتيجية بايدن لتقديم «امتيازات أقل وقيود أكثر»، تحوّلت إلى أهم عقبة تواجه مفاوضات فيينا خلال الجولات الستة السابقة من التفاوض.

ويلفت التقرير إلى أن تقييم أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، في إطار لجنة مطابقة الاتفاق للمتن الحاصل عن الجولات الستة الماضية من التفاوض، أن هذا النص لا يتطابق بالكامل مع سياسة الكلمة الفصل وقانون «الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات»، ولا يوفر مصالح إيران.

وفي تحليله للنهج الأميركي تجاه مفاوضات فيينا، كتب التقرير تحت عنوان «محاولة لتغيير حسابات إيران»، ذاكرًا أن هناك 3 فرضيات تشكَّلت لدى أميركا خلال فترة توقف المفاوضات حللت النهج المحتمل لإيران تجاه المفاوضات:

  • الفرضية الأولى: الحكومة الجديدة في إيران ستسعى إلى الوصول إلى اتفاق أفضل قليلًا من النتائج المتحصل عليها خلال الجولات الستة الماضية، وذلك بسبب الملاحظات السياسية وإيجاد اختلاف عن الحكومة السابقة.
  • الفرضية الثانية: إيران تسعى إلى التفاوض مجددًا على مسودات الجولات السابقة من مباحثات فيينا، وطرح مطالب قصوى متجاوزة للاتفاق النووي. وتنطلق هذه الفرضية من أن إيران ترى أن الوقت لصالحها في ظل تحسن أوضاع بيع النفط والحصول على الأموال المجمدة والتقدم الفني في البرنامج النووي. كما تظهر هذه الرؤية، بشأن أدوات الضغط الأميركية، أن حكومة بايدن لا ترغب في استخدام الخيار العسكري، كما أن فرض العقوبات المؤثرة قصيرة الأمد ممكنًا.
  • الفرضية الثالث: أوصل الاستياء من عدم رفع العقوبات وتجربة خروج دونالد ترامب من الاتفاق النووي إيران إلى تجاوز الاتفاق النووي والسعي للحصول على اتفاق جديد.

كما يضع التقرير جميع الجهود الأميركية في سياق محاولتها الحفاظ على المفاوضات والاتفاق، وتقديم نفسها كراعية للحل الدبلوماسي من جانب، ومن جانب آخر تسعى إلى ممارسة الضغط على إيران من خلال التهديد بتنفيذ «الخطة البديلة»، والتي ترغب من خلالها زيادة الضغوط السياسية والاقتصادية والتهديد بالعمل العسكري ضد طهران.

ويربط مركز أبحاث البرلمان محاولات واشنطن في تقديم روايات غير صحيحة، عن نوايا وأهداف البرنامج النووي الإيراني، بمساعيها لتحويل التقدم الناتج عن قانون «الاجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات»، الذي وصفته بأهم نقطة قوَّة لفريق المفاوضين الإيرانيين، إلى نقطة ضعف وذريعة لتشكيل إجماع دولي موجهة ضد إيران.

وفي هذا الإطار، ومن الناحية الاقتصادية، تسعى أميركا لتنفيذ عقوبات أشد وتقليص عوائد إيران، لممارسة المزيد من الضغوطات، لهذا نرى إدارة بايدن ترسل وفدًا من وزارة الخزانة للشركاء الأساسيين التجاريين لإيران، ولاسيما الإمارات والصين وتركيا وماليزيا، لإثنائهم وتحذيرهم من استمرار علاقاتهم البنكية والتجارية مع إيران، ومساعدتها في الالتفاف على العقوبات، وإلا سيكونون في معرض مخاطرة مالية كبيرة. ومع استمرار واشنطن في فرض عقوبات على أفراد ومؤسسات إيرانية، فهي تسعى من وراء ذلك إلى تعاون أوروبا في حالة الضرورة لأجل فرض ضغوط اقتصادية متعددة الأطراف، من وضع عقوبات جديدة إلى تفعيل آلية الزناد.

أمَّا من الناحية العسكرية، يرى التقرير أن تهديد أميركا والكيان الصهيوني بالعمل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، حال فشل المفاوضات، عملية نفسية لمنع رد فعل إيران على الضغوطات السياسية والاقتصادية الإيرانية.

وإجمالًا ينظر التقرير إلى فرض أميركا لضغوط اقتصادية وسياسية على طهران وتكرار موضوع الخطة البديلة في نطاق استهداف واشنطن إيجاد تغيير في حسابات إيران. وإيصال الرأي العام والنخبة إلى هذه الفكرة؛ ١/الوقت ليس في صالح إيران. ٢/أميركا لن تتراجع تحت ضغط نمو البرنامج النووي الإيراني، ولن تستطيع طهران الوصول إلى اتفاق أفضل. ٣/ستتكبد إيران تكاليف حال استمرارها في هذا الطريق.

لهذا فهي تستهدف من وراء حملة الضغوط النفسية على إيران؛ اجبار طهران على إبطاء سرعة البرنامج النووي، التراجع عن إعادة النظر في مسودة اتفاق فيينا، التخلي عن الإلغاء الكامل للعقوبات والقبول باتفاق فوري في إطار الاتفاق النووي أو اتفاق مؤقت.

التحدي الأساسي لنهج حكومة بايدن هذا-حسب التقرير-والتهديد بتنفيذ الخطة البديلة يكمن في أنه من الممكن أن يأتي بنتائج عكسية، وقبل أن يجبر إيران على التراجع، سيؤدي إلى رد فعل متقابل لها وتصعيد التوتر.

ويعدد التقرير من الزاوية الاقتصادية الخيارات الفنية والرقابية الفورية لدى إيران والتي بإمكانها الضغط على أميركا مثل الإيقاف الكامل لأعمال الرقابة المتجاوزة للضمان (لاسيما إيقاف تسجيل كاميرات مراقبة الوكالة الدولية في المواقع النووية)، زيادة مستويات التخصيب إلى90%، زيادة سرعة صناعة وتركيب أجهزة الطرد المركزي المتطورة، تشغيل معمل اليورانيوم الفلزي.

أمَّا من الزاوية السياسية والإعلامية، فرغم تهديد أميركا وبعض الدول الأوروبية بالعودة إلى فترة 2005و2006، ورفع ملف إيران لمجلس الأمن الدولي، يقدَّر التقرير أن الأوضاع اليوم مختلفة عن أوضاع عقد مضى، مرجعًا ذلك إلى تقليل التوتر في العلاقات بين أميركا والصين وروسيا من احتمالية إصدار قرارات ضد إيران. وحتى لو عادت القرارات الأممية ضد إيران فالوضع الاقتصادي لها لن يتغير بصورة ملموسة. نظرًا لأن تجربة العقوبات الأممية وعقوبات حملة الحد الأقصى، أثبتتا أن تأثير العقوبات الأممية أقل من العقوبات الأحادية الأميركية. وفي نهاية المطاف، التطور الملحوظ الحاصل في البرنامج النووي الإيراني بالمقارنة بالعام 2006. ولهذا في حالة تصاعد التوترات، فإذا كانت معادلة الأمس «العقوبات مقابل أجهزة الطرد»، فمعادلة اليوم «العقوبات مقابل قدرة التخصيب».

أمَّا عن نهج إيران تجاه مباحثات فيينا، فيذكر التقرير تحت عنوان «دبلوماسية قوية لضمانة الانتفاع الاقتصادي»، أن الاتفاق أو عدم الاتفاق ليس محل تحدي، وإنما تكمن القضية في ماهية احتياجات وأهداف إيران للوصول إلى التقدم.

ويرى التقرير أن تجربة تنفيذ الاتفاق النووي وخروج أميركا منه، فلا الوصول إلى اتفاق يعني التنمية الاقتصادية، ولا عدم الاتفاق يعني الانهيار الاقتصادي. مرور الوقت لا يعني أيضًا استمرار الوضع القائم أو سوء الأوضاع الاقتصادية أكثر، وإنما التفاوض يجب أن يتزامن معه ويتوازى مع مسار إحباط العقوبات.

وفي الوقت الذي ستكون النتائج المنبثقة عن أي اتفاق غير مستدامة ومحدودة بسبب عدم الثقة في التزام الطرف الآخر بالتعهدات، ولا يمكن ربط برنامج إدارة البلاد والتنمية الاقتصادية به.

لم تكن نتيجة الجولات الستة لمفاوضات فيينا أيضًا أكثر من صفقة قصيرة الأمد (حتى 2025 بالحد الأقصى) لمقايضة «النفط مقابل الغذاء». بينما يجب أن يكون نهج إيران في المفاوضات وفقًا لمفهوم «الانتفاع الملموس» وتطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية. ولن تؤدي بالضرورة النظرة القانونية الصرفة إلى فكرة «رفع العقوبات وطلب إلغاء بعض الأوامر التنفيذية، وإيقاف تنفيذ قوانين الكونغرس، وتغيير بعض توجيهات «أوفك»، التي فرضت على إيران أثناء رئاسة ترامب، إلى الانتفاع الاقتصادي من الاتفاق واستمرار مزاياه لإيران على المدى البعيد. وطالما لم يحدد مقابل ملموس يمكن التحقق منه لعمليات رفع العقوبات، فلا يمكن التعويل على الآثار الاقتصادية والمصرفية لها.

التقرير يخلص في النهاية، إلى أن رؤية مفادها أن نتيجة هذه المفاوضات لن تسفر عن اتفاق مبكر ومستدام في ظل سابقة أميركا في انتهاك تعهداتها تجاه الاتفاق ومساعيها لإبرام اتفاق أحادي الجانب وناقص. ولهذا فإن عدم الوصول إلى اتفاق على المدى المتوسط، لن يعني بالتالي انهيار الاتفاق النووي لأن أميركا تفتقر للبديل المناسب له.

وبحسب تلك الرؤية فإن القادر على الوصول إلى النتيجة المرجوة في فيينا هو من يتحلى بإرادة أقوى ومن يتمتع بقدرات أكثر في خلق الروايات.

ورغم أنه لم يتمخض اتفاق إلى الآن في فيينا، لكن نموذج سلوك إيران أسفر عن تشكل هذه الإدراك أن ممارسة ضغوط على إيران، لن يمر بدون رد أو تكاليف، معتبرًا ذلك أهم مكتسب تحصلت عليه إيران خلال مباحثات فيينا، والذي أدى إلى تعزيز قوة الردع الإيرانية.

التقرير رأى ختاما، أنه قبل عودة أميركا إلى الاتفاق النووي هناك ضرورة لخلق هذه النظرة أن “إيران لن تتراجع فحسب أمام الضغوطات، وإنما بمقدور رد فعلها أن يعقبه نتائج عكسية لأميركا والكيان الصهيوني”. وسيكون تعزيز هذه الإدراك عن إيران بمثابة واحد من أهم قواعد توفير الأمن القومي وضمانة اتفاق محتمل في فيينا. 

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: