الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 ديسمبر 2021 21:47
للمشاركة:

عبداللهيان يكتب: مفاوضات فیینا لإلغاء العقوبات

كتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان مقالة شرح فيها وجهة النظر الإيرانية تجاه المفاوضات النووية وما هي الخطوط الواضحة لطهران في عملية التفاوض مع الدول الكبرى والوصفة التي ترى أنها الأفضل للتوصل لاتفاق جيد.

إیران جادة ولدیها حسن النیة وترى النتیجة الفعلیة والملموسة فی إلغاء العقوبات الطریق المسلوک حتى الآن

بعد ست جولات من المفاوضات المکثفة فی فیینا والتی لم تنجح بسبب جشع الولایات المتحدة ومواقفها غیر الواقعیة، نحن الیوم على أعتاب انطلاق جولة جدیدة من المفاوضات. الغایة الرئیسة لهذه المفاوضات هی استیفاء حقوق الشعب الإیرانی وإلغاء جمیع العقوبات التی فُرضت بشکل أحادی وعابر للحدود على الشعب الإیرانی من قبل الولایات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووی.
انسحبت الولایات المتحدة من الاتفاق النووی أحادیاً فی 8 مایو 2018 فی خطوة اعتُبرت على المستوى الدولی عملاً غیرقانونی وواجهت الإدانة. هناك إجماع دولی على أن مثل هذه الممارسات الأميرکیة غیر القانونیة تمثّل تجاهلاً مطلقاً للقوانین الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة وهی عمل باتجاه تقویض التعددیة وتهدید کبیر على السلام والأمن الدولیین.

رغم مجیء إدارة أميركیة جدیدة، لم تزل کافة العقوبات غیر القانونیة والأحادیة قائمة، بل وتستمر سیاسة ممارسة العقوبات ضد إیران. إنه من الواضح أن هذه الممارسات الأميركیة تهدف إلى حرمان إیران وباقی أطراف الاتفاق النووی والمجتمع الدولی من الحقوق والامتیازات المصرح بها فی الاتفاق النووی وقرار مجلس الأمن رقم 2231. أما الدول الأوروبیة الثلاث الأطراف فی الاتفاق النووی، ورغم أنها اعتبرت التوجه الأميرکی غیر قانونیاً وغیر مقبولاً، فقد واکبت هذا التوجه والتزمت به من خلال صمتها وانفعالها.

الممارسات الأميركیة التخریبیة ومواکبة الدول الأوروبیة الثلاث معها أفقدت الاتفاق النووی فاعلیته وقضت على کامل مزایا الاتفاق الاقتصادیة بالنسبة لإیران. هذه هی الحقائق المرة التی شهدتها السنوات الماضیة والتی ینبغی أن تکون مصباحاً ینیر طریق المستقبل.

استمرار الإدراة الأميركیة الحالیة السیر على نهج إدارة ترامب التخریبی، یثیر تساؤلاً جدیاً عما إذا کانت الإدراة الأميرکیة تمتلك فعلاً إرادة لتنفیذ التزاماتها وهل هی على استعداد للتخلی عن سیاساتها الفاشلة الماضیة؟

لا تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة بالنظر للتوجه والممارسات التی تبنتها الولایات المتحدة على مدار الأشهر الماضیة.
لا أحد بمقدوره التشکیك فی جدیة إیران وحسن نوایاها فی الالتزام الکامل بتعهداتها. بعد الانسحاب الأميرکی غیر القانونی من الاتفاق وفرضها العقوبات، کفّت إیران بحسن النیة عن القیام بالخطوات التعویضیة. إذ أخذت فی الاعتبار مطلب الأطراف الباقیة فی الاتفاق والاتحاد الأوروبی بصفته منسق الاتفاق النووی، فلم تلجأ إلى وقف العمل بالتزاماتها وفق الاتفاق النووی، لإتاحة فرصة لکی تقوم باقی أطراف الاتفاق بما یعوّض عن التبعات السلبیة لانسحاب الولایات المتحدة منه. مع ذلك، وبالنظر إلى استمرار هذه الظروف غیر البناءة، وبعد عام من الصبر الإستراتیجی، وفی ظل تشدید العقوبات الأميرکیة، وکذك عدم وفاء الدول الأوروبیة الثلاث بالتزاماتها، لم تجد إیران خیاراً سوى الاستفادة من حقوقها المنصوص علیها فی البندین 26 و36 من الاتفاق النووی، فبادرت بتعلیق جزء من التزاماتها بشکل مرحلی بدءاً من 8 مایو 2019.

جراء عدم التحول فی الوضع القائم، وانعدام خطوات فاعلة من قبل الأطراف المعنیة بالاتفاق النووی، ومع الأخذ بعین الاعتبار التجربة المؤسفة التی حصلت، صادق مجلس الشورى الإسلامی الإیرانی على قانون “خطة العمل الإستراتیجی لإلغاء العقوبات وحمایة مصالح الشعب الإیرانی” فی 2 دیسمبر 2020.  وقد ألزم هذا القانون الحکومة على وقف تنفیذ کل التدابیر الطوعیة الإیرانیة على النحو المنصوص علیه فی الاتفاق النووی تدریجیاً فی حال استمرار انتهاك أعضاء الاتفاق التزاماتها، إلا أن تعود باقی أعضاء الاتفاق لتنفیذ التزاماتها الکاملة عملیاً.

الطریق الماثل أمام مفاوضات فیینا

رغم کل حالات نکث العهد التی أبداها الغرب فی الاتفاق النووی، إیران مستعدة مرة أخرى – ولإظهار نوایاها الحسنة وبغیة تحقیق الهدف النهائی المتمثل فی إلغاء العقوبات الأحادیة وغیر القانونیة – لإجراء مفاوضات موجهة نحو تحقیق نتائج فعلیة والتوصل إلى “اتفاق جید” مع 4+1.
تتمتع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بـ “حسن النیة” والعزیمة الحقیقیة فی هذا الطریق ولدیها الإرادة المطلوبة للتوصل إلى اتفاق جید فی فیینا.
 

فی إطار هذه العملیة، لا یجب نسیان أن الولایات المتحدة هی السبب الرئیس وراء خلق الوضع الراهن. خلال السنوات الأربع الماضیة، لم یتوان البیت الأبیض عن أی مسعى لتدمیر الاتفاق النووی وکانت إیران هی من بذلت قصارى جهودها لإبقاء الاتفاق النووی حیاً. إن ما تبین جلیاً لإیران خلال الجولات الست السابقة من المفاوضات هو أن الولایات المتحدة لا تزال تفتقر لوعی صحیح بحقیقة أنه لا سبیل لاستعادة الاتفاق النووی بدون إلغاء کل العقوبات التی فرضتها على الشعب الإیرانی بعد انسحابها من الاتفاق النووی.

یهیب قرار مجلس الأمن رقم 2231 بجمیع الدول الأعضاء إلى “اتخاذ کل الإجراءات المناسبة  لدعم تنفیذ خطة العمل، بوسائل منها اتخاذ إجراءات تتّسق مع مخطط التنفیذ المبین فی خطة العمل وهذا القرار والامتناع عن إتیان أعمال تعیق الوفاء بالالتزامات المنبثقة عن خطة العمل”.
ینبغی أن تکون الغایة الرئیسة للمفاوضات المقبلة هی التفیذ الکامل والفعال للاتفاق النووی بغیة إرساء علاقات تجاریة طبیعیة وتعاون مستدام مع الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة. ومن البدیهی أن العودة للاتفاق النووی، یتطلب انتفاع إیران من إلغاء العقوبات بشکل نهائی. إن إیران على استعداد لوقف خطواتها التعویضیة، فی حال الحصول على الضمان وبحث الخسائر وإلغاء العقوبات بشکل مؤثر وقابل للتحقق.

لن تکون عودة الولایات المتحدة المحتملة للاتفاق النووی محط اهتمامنا إلا فی حال تقدیم ضمانات بشأن عدم تکرار التجارب المریرة السابقة وإمکانیة قیام شرکاء إیران الاقتصادیین بالتبادلات الاقتصادیة المستدامة معها باطمئنان ودون مخاوف.

إن الواضح فی ما یتعلق بالمحادثات المقبلة هو أن إیران ستخوضها بحسن النیة للتوصل إلى اتفاق جید؛ لکنها لن ترضخ للمطالب التی تتجاوز الاتفاق النووی ولن تبحث أی قضیة خارج إطار هذا الاتفاق.

 أود أن أجدد التأکید على أن نافذة هذه الفرصة لن تبقى مفتوحة إلى الأبد ویجب أن تعی الولایات المتحدة والدول الأوروبیة الثلاث هذه الحقیقة جیداً. إن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة – وإلى جانب جهودها الدبلوماسیة الحازمة والقویة والفعالة لإلغاء العقوبات الأمریکیة الجائرة – تمتلک برنامجاً مؤثراً لإبطال مفعول العقوبات فی إطار خطة التنمیة المستدامة الاقتصادیة للبلاد.

لا شک فی أن طهران تلتزم بحمایة إنجازات علمائها وصناعتها النوویة السلمیة وصونها، بقدر التزامها بعدم انحراف برنامجها النووی السلمی. فهی لم تتوقف عن العمل على تطویر البلاد بشکل شامل فی جمیع مجالات الصناعة والتجارة والملاحة البحریة والفضاء والدفاع والعلم والتکنولوجیا والنمو الاقتصادی المطرد وغیرها رغم تعرضها لعقوبات غیر قانونیة وغیر إنسانیة.
إننا نعتقد أنه فی حال وجود إرادة سیاسیة لدى الأطراف الأخرى بشکل فعلی، فالاتفاق ممکن وفی متناول الید.

 رغم نکث الغرب عهوده وعدم الثقة فی توجه البیت الأبیض وسیاساته غیر البناءة، ستسعى الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة بـ “إرادة حقیقیة” و”نوایا حسنة” إلى التوصل لـ “اتفاق جید” ومستدام وقابل للتحقق حول إلغاء العقوبات خلال الجولة الجدیدة من مفاوضات فیینا.

یحضر فریق تفاوض الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی فیینا وعلى طاولة المفاوضات بشکل فعال متزوداً بحسن النیة والجدیة ومنطق تفاوضی یعتمد على حمایة مصالح الشعب الإیرانی وحقوقه.

کذلک، أنا وزملائی مستمرون فی توفیر الدعم الکامل لفریض التفاوض وکبیر مفاوضینا، الدکتور باقری، الذی یمتلك خبرة عالیة فی مفاوضات من هذا النوع. وسأقوم بالمزید من المشاورات مع نظرائی إذا اقتضى الأمر.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: