الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 نوفمبر 2021 14:22
للمشاركة:

تقارب إماراتي سوري.. العين على إيران؟

بدأت الإمارات العربية منذ العام 2018 بخطى تدريجية للانفتاح على سوريا بعد أن كانت قد دعمت الجماعات المعارضة للرئيس السوري بشار الاسد عند اندلاع الحرب عام 2011 إلا أن الخطوة الأبرز كانت زيارة وزير خارجيتها عبدالله بن زايد آل نهيان لدمشق في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، الأمرالذي يشير إلى بداية مرحلة جديدة تشهدها المنطقة وربما تغييرات في بنى التحالفات السياسية.

 وتعتبر الإمارات أحد الشركاء الأساسيين لواشنطن في المنطقة كما أنها وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل العام الماضي. كما أن التقارب السوري الإماراتي الأخير سلط الضوء على العلاقة بين طهران وحليفتها دمشق في وقت يكثر الحديث عن “إعادة سوريا إلى الحضن العربي”. لكن هل يعني هذا ابعادها أوتوماتيكيا عن طهران أم أنها ستقرب بين الخصوم في المنطقة؟  

للإجابة على السؤال المطروح، استصرحت “جاده إيران” ثلاثة باحثين. حيث قال الباحث في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي، إنه “على الرغم من تحجيم النفوذ الإيراني هو من بين أسباب هذا التقارب مع سوريا لكن الواقع الميداني والتحليل المنطقي  يستبعد هذه الفرضية تماما كما أن العلاقات الإماراتية الإيرانية أقوى من أن تعمل على العكس من مصالح طهران على الرغم من الصوت العالي في هذه العلاقات إلا أنها ما زالت مستمرة بوتيرة عالية.”

وتابع في حديثه مع “جاده إيران”، مذكرًا أن “العلاقات السورية الإيرانية تعود إلى أكثر من أربعين عاما، وخلال السنوات العشر الأخيرة بنت إيران نفوذا في سوريا يتجاوز كثيرا حدود التعاون العسكري أو الاقتصادي كما أن لإيران اليوم حلفاء طائفيين وأنصار وقوى داخلية مؤيدة، تعمل حتى في هياكل السلطة، ويشمل ذلك عمليات استيطانية وتغييرات ديمغرافية، الأمر الذي يجعل من تحجيم النفوذ الإيراني هدفا وطنيا سوريا وليس مجرد رغبة خارجية.”

واعتبر مكي أن التحركات الإماراتية تأتي في إطار مساعيها لاستعادة نفوذها وتقوية اوراقها الإقليمية وربما التهيؤ مستقبلاً للعمل كوسيط بين سوريا وكل من أميركا وإسرائيل بطريقة تقترب مما فعلته قطر بين أميركا وأفغانستان.” 

أما سلام الكواكبي الباحث السوري في العلاقات الدولية فقد رأى أنه “على الرغم من العزلة العربية الممتدة تجاه سوريا، إلا أن الإمارات لم تقطع تواصلها مع دمشق  كما أن المصالح السورية المرتبطة بالنظام تزدهر في الإمارات دون أي قلق وتسعى السياسة الإماراتية إلى توسيع النفوذ الذي شعرت بتراجعه وذلك عبر دعم الثورات المضادة والانقلابات في الكثير من الدول كتونس والسودان ومصر.”

وفيما يخص الملف الإيراني أكد الكواكبي في حديث له مع “جاده إيران” أن “الخلاف بين ايران  أبو ظبي يبقى بحدوده النظرية و يختلف بطبيعته عن الخلاف السعودي مع إيران، كما أن الاستثمارات الإيرانية الخاصة في الإمارات تقدر بأحجام هائلة والتبادلات التجارية أيضا وتبقى مسألة الجزر” طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى” التي لا يتطرق لها أحد، والظن بأن الإمارات ستتمكن من إبعاد دمشق عن طهران يبقى ساذجاً في ضوء المعطيات المتوفرة ولا أعتقد بأنه  هدف لدى أبو ظبي، لكن الهدف الرئيسي هو تغيير طبيعة النفوذ ومحاولة ترسيخ النظم الاستبدادية، وحتى لو كان للزيارة هدف معادي لإيران فلن تكون نتائجها بهذه السرعة، خصوصا بأن التحالف بين دمشق وطهران له عقود من الزمن”.

الجدير ذكره، أن زيارة بن زايد لدمشق تلاها  اتصال بين هذا الأخير، ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين. وهو الأمر الذي وضعه مكي في سياق التنسيق الأمني المشترك بين البلدين وقال: “تبع الاتصال مباشرة انسحاب القوات التابعة للإمارات من مناطق بالحديدة بجنوب اليمن ليستولي عليها الحوثيون، لم تكن هذه الخطوة منعزلة عن زيارة دمشق، فهي تعمل في سياق إقليمي واحد محوره إيران.”

في المقابل، قلل الباحث الإيراني في معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط سيد نجات من “أهمية هذه المكالمة”، واضعًا إياها في “إطار تحسين العلاقات بين طهران وأبوظبي لا سیما أن هذه ليست المكالمة الأولى، وسبق أن تحدث الشيخ عبد الله بن زايد عدة مرات مع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف في العامين الماضيين. وبالإضافة إلى ذلك، تحدث حسين أمير عبد اللهيان مع نائب رئيس دولة الإمارات المتحدة الشيخ محمد بن راشد على هامش قمة بغداد التعاون والشراكة إلى جانب مشاركة وزير التسامح والتعايش الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، في فعاليات تنصيب الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي”.

وتابع نجات في حديث له مع ” جاده إيران” أن “توقيت هذه المكالمة بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق “يشير إلى أن طهران لا تعارض تطبيع الدول العربية مع سوريا، بل تدعم أيضًا توسيع العلاقات العربية وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية لأن هذه الإجراءات تؤدي من جهة إلى تعزيز الاستقرار والأمن في سوريا، ومن جهة أخرى إلى خروج دمشق من العزلة واستعادة موقعها ومكانتها في المنطقة العربية، كما أن طهران تدرك أن علاقات إيران مع سوريا استراتيجية وحتى مع تطبيع علاقات الدول العربية مع سوريا، لا يمكن لدمشق أن تدير ظهرها لحلفائها الأساسيين”.

يذكر أن مسؤول إيراني كشف عن زيارة لمسؤول إماراتي رفيع المستوى إلى طهران قريباً، وتأتي هذه التطورات مجتمعة بعد إعلان طهران عن تحديد موعد الجولة السابعة من المفاوضات النووية في 29 من نوفمبر/ تشرين الثاني. وقد رجح نجات أن يكون الهدف من هذا الاتصال “كسب دعم الإمارات والتأثير على الأوروبيين والولايات المتحدة في مفاوضات فيينا من خلال إظهار حسن النية لدى طهران تجاه حل القضايا الاقليمية التي ترفض نقاشها على طاولة المفاوضات النووية.”

وحول مستقبل العلاقات الإماراتية الإيرانية قال نجات: “ما زالت العلاقة بين البلدين معقدة وغامضة للغاية، حیث تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب عوامل على المستويات الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية، ووصلت إلى أدنى مستوى لها في السنوات الخمس الماضية وهذا ما ظهر مثلا عند تخفيض أبو ظبي مستوى علاقاتها مع طهران في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ودعمت سياسته “الضغط القصوى” تجاه إيران، وفي الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل العدو الاستراتيجي لإيران.

ختامًا، لا بد من الإشارة إلى أن الاقتصاد لطالما كان الركيزة الأساسية والمحدد الرئيسي للعلاقات الإيرانية الإماراتية، وذلك على الرغم من التوترات السياسية بين البلدين طوال السنوات الماضية، الأمر الذي حافظ على مستوى معين من العلاقات بينهما، لكن هذا لا ينفي أن هناك متغيرات من المتوقع أن تلعب دورًا مهمًا في مستقبل العلاقات، لعل أبرزها المحادثات السعودية الإيرانية، ومستقبل الاتفاق النووي، إلى جانب السقف الذي ستصل إليه تطبيع العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: