الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة8 نوفمبر 2021 09:27
للمشاركة:

قاآني في بغداد: لا للعب بالنار

وسط غبار محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بدا المشهد العراقي أشبه بساحة حرب سياسية، أمنية، إعلامية، وكأن ما حدث بدّل قواعد اللعبة وأوراقها.

فلعبة حافة الهاوية التي بدأت مع إعلان نتائج الانتخابات وصل فعليا إلى المنحدر الأصعب وكادت لو أن مكروها وقع للكاظمي تأخذ العراق إلى مساحة اشتباك من نوع آخر، لا تبدو القوى الإقليمية مستعدة لولوجه في مرحلة كانت تسعى فيها لجسر الهوة فيما بينها.

ولأن الاتهام السياسي جهزته ظروف ميدانية وإعلامية وشعبية متضافرة، لا يمكن الانقياد حصرا خلفه إذ أن هناك العديد من الفرضيات التي يمكن أن تؤخذ في الحسبان. فإلى جانب الاتهام الموجه للفصائل المتحالفة مع إيران بالوقوف خلف الهجوم بالطائرات المسيرة على منزل رئيس الوزراء والذي يدافع عنه أصحابه بإظهار التهديدات اليومية والخطابات التي تعهدت بأخذ الثأر، تبرز فرضية ثانية يرد بها هؤلاء معتبرين أن الهجوم تمثيلية أراد من خلالها الكاظمي حشد التأييد له وحسم ولاية ثانية، والأهم قلب الطاولة على الاحتجاجات على نتائج الانتخابات.

فرضية ثالثة تبقى وهي دخول طرف ثالث على المشهد في لحظة الاحتدام. وفي حين لا يمكن حسم أي من هذه الفرضيات دون تحقيق شفاف، تقدم هذه الحادثة نفسها كلحظة حقيقة عراقية، وشيعية بالتحديد، إذ أنها ترسم صورة مشهد الشيعية السياسية العراقية المتأزمة حتى الانفجار والتي تتخطى بأشواط مرحلة الاصطدام بين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر إبان عملية صولة الفرسان ربيع 2008.

المشهد العراقي المركب يفتقد حاليا لورقة الحسم مع إرباك الطرف الإقليمي في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني، إلى جانب أبو مهدي المهندس الذي كان متمما أساسيا في الداخل من موقعه كعراب محلي. فإيران التي تعتبر اللاعب الأبرز في السياسة العراقية، ورغم الهوية الفكرية الموحدة لقيادتها على المستويات المختلفة في هذه الفترة، تشهد حالة عدم وضوح بين الجهات العديدة المتابعة للملف العراقي وهذا له انعكاسه السلبي على المشهد. وحزب الله الذي يلعب دورا بارزا في عملية التوليف بين الأطراف العراقية المتصارعة، يبدو وكأنه فقد البطاقة السحرية التي كان يستخدمها في ظروف التوتر الشبيهة، بل وتحول لدى بعض الجهات إلى راعٍ  وعراب لرئيس الحكومة على حساب بقية الأطراف التي لم تستح من إبراز هذا الاعتراض عبر بعض أصواتها الإعلامية.

إيران التي تعتبر اللاعب الأبرز في السياسة العراقية، ورغم الهوية الفكرية الموحدة لقيادتها على المستويات المختلفة في هذه الفترة، تشهد حالة عدم وضوح بين الجهات العديدة المتابعة للملف العراقي وهذا له انعكاسه السلبي على المشهد

بغض النظر عن كل هذه التعقيدات، وضعت محاولة الاغتيال إيران والفصائل المتحالفة معها في موضع الاتهام إعلاميا وسياسيا، وهذا ما سيزيد من التوتر والشرخ بين الأطراف العراقية الموالية والمعارضة للدور الإيراني، وبين إيران وشريحة من العراقيين. ولذا تجد طهران نفسها معنية بالتهدئة واحتواء الموقف.

في هذا الإطار أكد مصدران عراقيان ل “جاده إيران” أن قائد فيلق القدس اسماعيل قاآني وصل إلى العراق الأحد واجتمع مباشرة بالكاظمي وأبلغه رسالة إيرانية حازمة برفض ما حدث واعتباره اعتداء على إيران قبل أن يكون اعتداء على العراق. وبحسب المصدرين فإن قاآني أبلغ الكاظمي أن إيران ستبقى على مسافة واحدة من جميع الاطراف ومعنية باستقرار البلاد والحوار لحل الأزمات. بدوره أخبر الكاظمي قاآني أنه يعرف بدقة من قام بالاعتداء وسيعمل على تقديمه للعدالة، كما أنه لن يتهاون مع إطلاق النار وقتل المتظاهرين ولديه قرار حاسم بمحاكمتهم، مع التأكيد أنه لم يتخذ قرار الاعتداء على المحتجين.

وانتقل قاآني لاحقا للقاء قادة الفصائل وأبلغهم رسالة إيرانية حازمة بأن تعريض الاستقرار في البلاد للخطر هو أمر مرفوض محذرا الجميع من الوقوع في فخ ما يمكن أن يكون استدراجا لتدهور لا يمكن السيطرة عليه.

وبحسب مصادر مقربة من الفصائل فإن اتجاها للتهدئة بدأ يتبلور مع استمرار الاحتجاج على نتائج الانتخابات لكن بحدة أقل، دون أن يتضح ما إذا كان هذا يعني الانسحاب من الشارع. لكن وبحسب المصادر نفسها فإن التهدئة لن تغير في نظرة الفصائل لرئيس الوزراء على أنه امتداد لمشروع خارجي، أميركي خليجي تحديدا، وأن علاقته بإيران علاقة مصلحية مؤقتة ستنتهي عندما يضمن الولاية الثانية في موقعه.

مجددا هذا يأخذنا إلى مساحة الاشتباك الآنية وهي هوية رئيس الوزراء القادم وموازين القوى في الحكومة الجديدة والتي أصبح محسوما الآن أنها لن تتشكل بسهولة وستحتاج لتسوية لا تبدو عناصرها جاهزة حتى اللحظة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: