الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 أكتوبر 2021 05:38
للمشاركة:

هل ينجح رئيسي في تحقيق الدبلوماسية الاقتصادية؟

لم تؤل الحكومات الإيرانية المتعاقبة جهدا على مدى العقود الأربعة التي تلت الثورة عام 1979، لإيجاد الحلول والسبل اللازمة لإنعاش اقتصاد البلاد الرازح تحت العقوبات، لكن دون جدوى. ولعل ما أعلنه رئيس غرفة التجارة الإيرانية غلام حسين شافعي في وقت سابق عن أن حصة إيران في الاقتصاد العالمي تراجعت إلى النصف على مدار الأربعين عامًا السابقة خير مصداق على ذلك.

 وزاد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في عام 2018 هذه الصعوبات فبدا وكأنه القشة التي قصمت ظهر البعير وأدت للمزيد من التقهقر الاقتصادي، حيث سُجل خلال هذه الفترة أعلى نسب للتضخم والبطالة وتدني في قيمة العملة الوطنية. ومع وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة تبنت حكومته ما جرى وصفها ب “الدبلوماسية الاقتصادية” كاستراتيجية جديدة لتجاوز الأزمة الإقتصادية في البلاد وتعزيز مكانتها في السوق العالمي، وأكد رئيسي في تصريحاته أن هذه الرؤية ستكون أساس الحكومة الثالثة عشر، وعلى ذلك ستبذل كافة جهودها لتعزيز مكانة البلاد الاقتصادية على مستوى العالم والمنطقة.

لكن هناك عقبات تحول دون نجاح الدبلوماسية الاقتصادية، أولها أن طبيعة الاقتصاد الإيراني أحادي المنتج، إذ أ لا يزال يعتمد على النفط ومبيعات النفط الخام، كما يقول محمد البصيري أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة “اصفهان” في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “ارنا”.

 بصيري أشار إلى أن الحكومات المختلفة في إيران فشلت في إخراج البلاد من هذه الأحادية و”لم تظهر تحركا يمكن الدفاع عنه في هذا الاتجاه، على الرغم من أن اعتماد الحكومة على النفط قد انخفض من 90٪  إلى60% إلا أن هذه التحسن ما زال صغيراً.”

وأضاف الاستاذ الجامعي أنه “في اقتصاديات الدول يعد القطاع الخاص هو القوة الدافعة للاقتصاد وسياساته لكن في الحالة الإيرانية يظهر أنه تم استبعاده بعد سيطرت الحكومة ومؤسساتها على الاقتصاد حيث أصبح 80% من الواردات والصادرات  في أيدي المؤسسات الحكومية، إلى جانب أن التوترات السياسية التي تمر بها إيران حالت دون تحقيق الدبلوماسية.”

وكانت صحيفة “فرهیختغان” الأصولية، نقلت عن البنك المركزي الإيراني أنه خلال السنوات الـ 16 الماضية، خرج من إيران ما يقارب 171 مليار دولار من رؤوس الأموال للاستثمار وشراء البيوت في الدول المجاورة مثل تركيا وجورجيا والإمارات على إثر العقوبات الاقتصادية والتوترات في البلاد.

هل ينجح رئيسي في خطته؟

وفقاً للبنك المركزي الإيراني فإن الاقتصاد شهد تحسناً في النصف الثاني من سنة 2021 بحيث خرج من الركود بشكل ملحوظ ويتجه نحو التعافي، أتى هذا التصريح في ظل العديد من الخطوات والتحركات التي بدأت حكومة رئيسي باتخاذها لعل أبرزها ما تمثل في الانفتاح الإيراني وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع العديد من الدول إلى جانب انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي وزيادة مبيعات النفط في ظل الحديث عن العودة للمفاوضات النووية.

وبالنظر إلى الدبلوماسية الاقتصادية التي اعتمدها رئيسي والتي تبدو حتى اللحظة غير مستندة إلى برنامج اقتصادي واضح سوى شعار تحدي العقوبات الأميركية، يمكن القول إن إيران لا زالت حتى اللحظة غير قادرة على إيجاد بدائل اقتصادية واضحة يمكن أن تخفف من وطأة العقوبات الاقتصادية، وهو ما تشير إليها ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، إلى جانب تواصل انهيار أسعار صرف العملة الإيرانية أمام الدولار الأميركي، بحسب ما يرى الباحث في الشؤون الإيرانية فراس إلياس، في حديثه مع “جاده إيران.

بدوره، يختلف الباحث الإيراني ياسر ارشادمنش، مع هذا الاتجاه، اذ يؤكد أن “الدبلوماسية الاقتصادية التي تنتهجها حكومة رئيسي تعمل بشكل جيد لمواجهة العقوبات الأميركية، ويتابع خلال مداخلة مع “جاده إيران”، أن “الفريق الاقتصادي الجديد لدى الحكومة يعمل بجدية بالغة لتحييد العقوبات، خاصة وأن رئيسي يرى الاتجاه إلى الدول العربية والإقليمية من أولويات الحكومة الجديدة بدلاً من الاتجاه نحو الغرب، وهذا ما تعكسه المحادثات السعودية الإيرانية واحتمالية التقارب مع دول عربية أخرى مثل مصر”. في السياق ، يُذكر أن رئيسي لا يزال منذ فوزه في الانتخابات يردد بأن “طهران لن تربط اقتصادها بالتفاوض ونحن ملتزمون بتعهداتنا ولكن الولايات المتحدة وأوروبا لديهم أزمة على صعيد القرار السياسي”.

من جانبه، يوضح إلياس أن “اعتماد مبدأ رفع العقوبات مقابل الالتزام بالاتفاق النووي، يشير إلى مقاربة واضحة يعتمدها صانع القرار الإيراني، وهي الاقتصاد مقابل الالتزام بالاتفاق، وهي مقاربة تبدو رئيسية بالنسبة لحكومة رئيسي التي جعلت إصلاح الأضرار الاقتصادية التي خلفتها العقوبات أولوية لها. مضيفًا أن “إصرار الولايات المتحدة على ضرورة التزام إيران ببنود الاتفاق النووي كشرط مقدم لأي خطوة تسبق رفع العقوبات، يؤكد وجود إدراك أميركي واضح بأن حكومة رئيسي مصرة على اعتماد هذه المقاربة، وهو ما جعل إير تتأخر حتى بإعلان موعد العودة إلى طاولة المفاوضات.”

كذلك، يرى إلياس أن “نجاح هذه الدبلوماسية سيلعب دورا كبيرا بتحسين صورة حكومة رئيسي في الداخل الايراني، إلى جانب أنه سيزيد من فرص هيمنة الحرس الثوري والتيار المحافظ على الحياة الاقتصادية الإيرانية”، وبالتالي فإن إصرار حكومة رئيسي على إنجاح هذه الدبلوماسية يُظهر بوضوح وجود آمال كبيرة تعلقها هذه الحكومة على إعطاء دفعة كبيرة للدور الإقليمي الإيراني في الشرق الأوسط، على حد قوله.

جدير بالذكر، أن مجموعة العمل المالي (FATF) أبقت إيران مؤخرًا في القائمة السوداء ما يعني فشل ألية إينستكس الموضوعة لدعم وتسهيل التبادل التجاري بين إيران والدول الأوروبية، بحسب ما ترجح الباحثة في الشأن الإيراني فاطمة الصمادي، التي ذكرت في تغريدة لها عبر توتير أن “الترويكا الأوروبية جعلت تفعيل ألية إينستكس معتمدًا بشكل كبير على تنفيذ إيران لشروط مجموعة العمل المالي، ‏التي ترفض طهران نصوصا فيها تتعلق بدعم الإرهاب وغسيل الأموال، وترى أنها شروط تستجلب إملاءات غربية”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: