الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 أكتوبر 2021 19:45
للمشاركة:

عاش في المنفى ووصف الخميني بـ”خائن الثورة”.. من هو أبو الحسن بني صدر؟

من مقرّب لمؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران روح الله الخميني، لـ"خائن" في أعين كبار المسؤولين في البلاد. حياة سياسية "معقّدة" عاشها أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران عقب الثورة الإسلامية، تنقّل فيها من مقاومة النظام الملكي ليصبح فيها رئيسًا لإيران، ثم ليصبح بعد ذلك وجهًا لمعارضة النظام الإسلامي في البلاد.

ولد أبو الحسن بني صدر في مقاطعة همدان، وكان والده نصر الله من رجال الدين النافذين هناك، فضلًا عن أنه كان صديقًا لمؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني. درس بني صدر الاقتصاد والحقوق الإسلامية في جامعة طهران، وكان ناشطًا في مؤسسة الدراسات والبحوث الاجتماعية لمدة 4 أعوام. وتابع تعليمه الجامعي في فرنسا حيث درس المالية والاقتصاد وحصل على البكالوريوس والماجستير في إدارة الأعمال.تزوج بني صدر عام 1962 من عذرا حسيني وأنجب منها صبيًا وفتاتين.

شغل بني صدر منصب ممثل طلاب كلية حقوق جامعة طهران في مؤتمر الجبهة الوطنية الإيرانية عام 1963، ومنصب مسؤول منظمة طلاب الجبهة الوطنية الإيرانية في جامعة طهران.

مقاومة النظام الملكي

شارك بني صدر، ليبرالي التوجه، في مكافحة الشاه عبر النشاط داخل الحركات الطلابية في أوائل عام 1960، وسجن مرتين، وأصيب خلال انتفاضة عام 1963.بدأ نشاطه السياسي وهو لم يزل في سن الـ 17 من خلال “الجبهة الوطنية” بزعامة رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق، قبل أن يسافر إلى فرنسا في تشرين الأول/ أكتوبر 1978، وينضم إلى مجموعة المقاومة الإيرانية بقيادة الخميني. هناك تقرب من هذا الأخير، ووصفه بأنه كان بمثابة “أب عزيز” له. وحين عودة مؤسس الجمهورية الإسلامية إلى طهران في شباط/ فبراير 1979 قبيل سقوط النظام البهلوي، كان بني صدر معه على نفس الطائرة.

رئيس إيران لمدة 17 شهرًا

انتخب رئيساً لأربع سنوات في 25 كانون الثاني/ يناير 1980، بنسبة 78.9% من الأصوات وذلك في انتخابات تنافسية ضد: أحمد مدني، حسن حبيبي، صادق الطبأطبائي، داريوش فرهود، صادق قطب زاده، سامي كاظم، ومحمد ماكري، وحسن غفوريفرد، وآية حسن. وبدأ تولي الرئاسة فعلياً في 4 شباط/ فبراير 1980، في ظل قيادة الخميني لـ “الجمهورية الإسلامية”، بما يؤهله هذا المنصب من سلطة دستورية تستطيع إقالة الرئيس.

في المقابل، حاول بني صدر في بداية حكمه وبعد اليمين الدستورية أمام الخميني إجراء بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية لكن الجو الثوري الذي كانت تعيشه إيران لم يكن حينها مهيأ لقبول ذلك، واصطدمت توجهاته الليبرالية مع التوجهات الدينية لرجال الدين الذين قادوا الثورة، وحاول التعايش معهم على مدى 17 شهرًا لكن محاولاته باءت بالفشل.

وكان اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 بداية النهاية لفترة حكمه القصيرة، حيث كان أبو الحسن بني صدر يرى ضرورة احتواء الأزمة التي نشبت بين العراق وإيران، إلا أن الأمور سارت بسرعة مريبة ووصلت إلى حد أن اجتاحت القوات المسلحة العراقية الحدود الإيرانية واحتلت مساحات من الأراضي الإيرانية. في هذا السياق، يذكر أن بني صدر نجا من حادث تصادم بين مروحيتين بالقرب من الحدود الإيرانية العراقية.

اتهام بالخيانة

كانت الرسالة التي بعث بها أبو الحسن إلى الخميني والتي يطالبه فيها بحل مجلس الثورة ومجلس القضاء الأعلى وتشكيل حكومة جديدة كوسيلة لإنقاذ البلاد من التدهور السياسي والاقتصادي الذي وصلت إليه، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فلم يكد يمر على تلك الرسالة أيام قليلة حتى توصل الخميني إلى اقتناع مفاده أن بقاء أبو الحسن بني صدر أصبح مصدر إزعاج وقلق داخلي، فقرر في 27 أيار/ مايو 1981 عزله بعد أن اتهمه بـ”الخيانة”، وبرر تلك التهمة الخطيرة بمسؤوليته عن إعاقة عمل القوات المسلحة لصد الهجوم العراقي على الأراضي الإيرانية.

واتهم بني الصدر بالتقصير من قبل رئيس البرلمان الإيراني، بدعوى أنه يتحرك ضد رجال الدين في السلطة، وعلى وجه التحديد ضد محمد بهشتي رئيس السلطة القضائية في ذلك الوقت. وحتى قبل أن يوقّع الامام الخميني على وثائق اتهامه، استولت قوات الباسيج، على المباني السياسية والحدائق وسجنت الكتّاب الذين يعملون لحساب صحيفة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأبو الحسن بني صدر.

وفي الأيام التي تلت ذلك أُعـدِم عدد من أصحابه المقرّبين، ومنهم حسين نواب، رشيد صدر الحفاظي، ومنوشهر مسعودي. وكان آية الله حسين علي منتظري هو واحد من القلائل في الحكومة الذين دعموا أبو الحسن بني صدر.

الهروب إلى فرنسا

بقي أبو الحسن بني صدر مختبئًا لمدة ستة أسابيع. وفي 10 تموز/ يوليو 1981 قام بحلق شاربه وارتدى الزي الرسمي للقوات الجوية الإيرانية وركب على متن طائرة بوينغ 707 يقودها الطيّار العقيد بهزاد موعضي، وسلكت الطائرة طريق قريب للحدود التركية قبل أن تنحرف في المجال الجوي التركي. توجّه بعد ذلك من تركيا إلى كاتشان في فرنسا برفقة مسعود رجوي، الزعيم السابق لمجاهدي خلق. وعاش هناك، بالقرب من باريس، في فيلا تخضع للحراسة المشددة من الشرطة الفرنسية.

https://www.instagram.com/p/CU0T3VLAj2a/?utm_source=ig_web_copy_link

ما بعد المنفى

عام 2008، طلب مسؤول كبير في الجيش الإيراني من فرنسا تسليم أبو الحسن بني صدر بتهم ضلوعه في هجمات مميتة ضد مدنيين إيرانيين. ونقلت وكالة “مهر” للأنباء عن اللواء مسعود جزائري نائب رئيس الأركان العامة في الجيش الإيراني قوله في خطاب بمناسبة الذكرى الـ28 لإزاحة بني صدر من السلطة إن “هناك وثائق كثيرة تثبت أن بني صدر، بالتعاون مع مجاهدي خلق، خطط وأمر بشن هجمات إرهابية أدت إلى مقتل مدنيين إيرانيين”. بعد أشهر قليلة تحديدًا في صيف عام 2009، اندلعت في إيران احتجاجات شعبية أُطلق عليها “الثورة الخضراء”، فلم تمر بدون موقف من بني صدر الذي اعتبر أن “”هذا التحرك يثبت أن “الناس يريدون الديمقراطية وأن النظام ليس ديمقراطيا”، جازمًا في حينه أن “هذا التحرك لن يتوقف”. كما أكد في ذلك الحديث الذي أدلى به لوكالة “رويترز” من منزله الفرنسي أن “موجة الاحتجاجات هذه تهدد الحكومة الإيرانية بأكملها”.

الوفاة

توفي الرئيس الأول لإيران في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عن عمر يناهر الـ88 عامًا. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” أن بني صدر “توفي السبت في مستشفى بيتيه-سالبتريير” في باريس بعد معاناة “طويلة” مع المرض. وأكدت عائلته ذلك في بيان من فرنسا موجه وفق ما ورد فيه إلى “شعب إيران الشريف وكل المناضلين من أجل الاستقلال والحرية”، معلنًا أن الوفاة جاءت بعد “صراع طويل مع المرض”.

مواققه من الخميني بعد عزله

خلال حياته في فرنسا بعد هروبه من إيران، اشتهر بني صدر بتصريحاته الناقدة للنظام الديني في إيران، ووصل به الأمر إلى حد وصف آية الله روح الله الخميني بـ”الخائن لمبادئ الثورة الإيرانية”، والذي ترك “مرارة وسط بعض من عادوا منتصرين معه إلى طهران”.

وفي مقابلة له مع وكالة رويترز بداية عام 2019، قال بني صدر، في إشارة للخميني “عندما كنا في فرنسا تبنى كل ما قلناه له ثم أعلن أنه في حكم آيات القرآن دون أي تردد”. وتابع قائلًا: “كنا على يقين أن هناك التزامًا قاطعًا من زعيم ديني وأن كل هذه المبادئ ستتحقق لأول مرة في تاريخنا”.وأضاف: “لم يتغير الخميني إلا عندما هبط درجات السلم من الطائرة في إيران، حيث تمكن رجال الدين منه ورسموا له مصيرًا جديدًا هو الديكتاتورية التي نراها اليوم”.

وروى بني صدر كيف ذهب لمقابلة الخميني الذي أصبح معروفًا بلقب الزعيم الأعلى في مدينة قم بعد بضعة أشهر من العودة من فرنسا ليشكو إليه ضغوط السلطات الدينية من أجل إجبار النساء على ارتداء النقاب. وقال: إن ذلك يتعارض مع الوعود التي قطعها في باريس. وأعرب بني صدر عن شعوره بالمرارة عندما أتاه رد الخميني الذي قال له وفقًا لروايته: “إن الأمور التي ذكرها في فرنسا كانت ملائمة، لكنه ليس ملزمًا بكل ما نطق به هناك وأنه سيقول العكس لو شعر أن ذلك ضروري”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: