الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة5 أكتوبر 2021 17:39
للمشاركة:

بين إعادة المفاوضات وزيادة أوراق الضغط.. ما الهدف من تأخير المباحثات النووية؟

ناقشت وكالة "رويترز"، في مقابلات مع عدد من المحللين والمسؤولين، أفق إعادة إحياء المحادثات النووية. واعتبر مسؤولون ومحللون أن وراء سياسة المماطلة التي تتبعها إيران مسعى لكسب أوراق ضغط تمكنها من الحصول على امتيازات أكبر.

تحاول القوى الغربية منذ أسابيع حمل طهران على الرد على سؤال واحد: متى ستستأنف الجمهورية الإسلامية المحادثات النووية المتوقفة منذ حزيران/ يونيو؟ وكان رد إيران غامضًا وبسيطًا: “قريبًا”.

ورأى مسؤولون ومحللون أن وراء سياسة المماطلة التي تتبعها إيران “مسعى لكسب أوراق ضغط تمكنها من الحصول على امتيازات أكبر” عندما تستأنف المفاوضات في نهاية الأمر، ومنها ما تقوم به من تطوير برنامجها لتخصيب اليورانيوم وهو سبيل محتمل لإنتاج قنبلة نووية.

وتنفي إيران منذ فترة طويلة أن تكون تسعى لامتلاك سلاح نووي.

وتوقفت المحادثات في حزيران/ يونيو الماضي بعد انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيسًا للبلاد. وكانت تهدف المحادثات إلى إعادة واشنطن وطهران للامتثال لشروط الاتفاق النووي لعام 2015 الذي كان يهدف إلى تقليص برنامج التخصيب الإيراني.

“إيران ستعود في النهاية”

وقال مسؤول إيراني بارز اشترط عدم الكشف عن هويته: “إيران ستعود في نهاية الأمر للمحادثات في فيينا. لكننا لا نتعجل الأمر لأن الوقت في صالحنا. تقدمنا النووي يزيد يوما بعد يوم”.

ورأى علي واعظ، المحلل البارز المختص بشؤون إيران لدى مجموعة الأزمات الدولية، أن “المزيد من الوقت يعني المزيد من أوراق الضغط نظرًا للنمو المتسارع للبرنامج النووي الإيراني”.

وفي حين تبدي روسيا والصين، أقرب شريكان تجاريان لإيران، ضبط النفس لا تخفي الأطراف الغربية الموقعة على الاتفاق النووي شعورها بخيبة الأمل.

وحثت الولايات المتحدة وقوى أوروبية إيران على استئناف المحادثات، معتبرة أن النافذة الدبلوماسية لن تظل مفتوحة للأبد إذ أن تقدم البرنامج النووي الإيراني يتجاوز بكثير الحدود التي ينص عليها اتفاق عام 2015.

“يريدون فرض أمر واقع”

وقيد الاتفاق النووي أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية ليصعب على طهران تطوير سلاح نووي في مقابل رفع العقوبات الدولية.

لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تخلى عن الاتفاق عام 2018، مشيرًا في حينها إلى أنه لم يعالج بما يكفي تقليص أنشطة إيران النووية وبرنامجها للصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي وأعاد فرض العقوبات التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل.

وردًا على ذلك، انتهكت إيران الاتفاق بإعادة بناء مخزوناتها من اليورانيوم المخصب وتخصيبه إلى درجات نقاء أعلى وتركيب أجهزة طرد مركزي متطورة لتسريع الإنتاج.

وقال دبلوماسي أوروبي بارز: “الإيرانيون يقولون إنهم سيعودون لطاولة المفاوضات. لكنهم عندما يقولون “قريبًا”، فلا يعني ذلك أي شيء”.

وأضاف: “لا يعني ذلك أننا نعتقد أنهم لا يريدون العودة، ولكننا نعتقد أنهم يريدون كعكتهم ويريدون أكلها. يريدون فرض أمر واقع على الأرض، فنيًا ونوويًا، والحفاظ على إمكانية التفاوض”.

الكثير مقابل القليل

من هنا، اعتبر المحللون أن حكام إيران، الذين شجعهم الانسحاب الأميركي الذي اتسم بالفوضى من أفغانستان، على ثقة من أن سياسة المماطلة التي ينتهجونها لن تسفر عن تداعيات خطيرة، خاصة في الوقت الذي ينخرط فيه الرئيس الأميركي جو بايدن في تناحر متصاعد مع الصين وفي مكافحة أزمة كوفيد-19 في الداخل.

ومن ناحية أخرى، أشارت إدارة بايدن إلى أنه يتعين على إيران ألا تأخذ أي شيء كأمر مسلم به.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى: إن مسؤولين أميركيين سيبلغون نظراءهم الإسرائيليين أن إدارة بايدن لا تزال ملتزمة بالدبلوماسية مع إيران، لكنها ستكون مستعدة إذا لزم الأمر لأن تسلك “سبلًا أخرى” لضمان عدم حيازة طهران أسلحة نووية.

وألقى القائد الأعلى الإيراني أية الله علي خامنئي، صاحب القول الفصل في البلاد، اللوم على الولايات المتحدة في توقف المحادثات.

وقال مير جوادنفار المحاضر في السياسة الإيرانية في جامعة ريتشمان الإسرائيلية: “يبدو أن خامنئي يعتقد أن الانتظار سيمكنه من الحصول على اتفاق أفضل من واشنطن”.

وما زالت واشنطن وطهران على خلاف بشأن أي الخطوات يتعين اتخاذها ومتى، والقضيتان الأساسيتان هما القيود النووية التي ستقبل إيران بها والعقوبات التي سترفعها الولايات المتحدة.

وقال مسؤول إيراني سابق: إن توقف المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بعد انتخاب رئيسي حقيقة تشير إلى اعتزام طهران “الضغط من أجل الحصول على مزيد من التنازلات” من الولايات المتحدة.

وأضاف: “توازن المؤسسة كذلك بين أساليب مختلفة من أجل الحصول على المزيد مقابل الأقل. وتحديد استراتيجياتها يحتاج لوقت”.

وأوضح هنري روما المحلل في مجموعة أوراسيا أن تعيين علي باقري كني، وهو معاض قوي للاتفاق النووي، كبيرًا للمفاوضين النوويين خلفًا لعباس عراقتشي العملي كان إشارة على أن إيران ستنتهج نهجًا لا هوادة فيه عندما تستأنف المحادثات.

المخاطر الاقتصادية

تريد إيران، إلى جانب رفع العقوبات التي فُرضت في عهد ترامب بشكل يمكن التحقق منه، أن ترفع واشنطن اسم الحرس الثوري الإيراني من على قائمة سوداء للإرهاب. كما تريد من أوروبا ضمان عودة المستثمرين الأجانب وضمانات بأن واشنطن لن تتخلى عن الاتفاق مرة أخرى.

ومن جانبه، يريد بايدن العودة للامتثال للقيود التي يفرضها الاتفاق النووي وتوسعتها، إن أمكن، لتشمل ما وصفه بأنه أنشطة إيران الأخرى المزعزعة للاستقرار.

وقالت صنم وكيل، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد شاثام هاوس: إن إيران “ستفوز” إذا حصلت على المزيد من التنازلات من واشنطن، لكن في حالة انهيار الاتفاق يشعر حكام إيران أن بإمكانهم النجاة عن طريق “المقاومة القصوى”، وهو تعبير يشير إلى الاعتماد على الذات اقتصاديًا.

لكن سياسة المماطلة الإيرانية قد تضعف حكام البلاد من رجال الدين بالإضرار بدرجة أكبر بالاقتصاد الذي يعاني بالفعل من نقص حاد في عائدات النفط.

وتخشى السلطات من اندلاع الاحتجاجات مرة أخرى في دول مؤيديها الرئيسيين بعد أن كانت نوبات الاحتجاجات المتكررة هناك في السنوات الأخيرة بمثابة تذكرة لإيران بمدى الضعف الذي قد تكون عليه في مواجهة غضب شعبي بسبب الصعوبات الاقتصادية.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: