الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 سبتمبر 2021 14:07
للمشاركة:

العودة إلى المفاوضات النووية.. دموع شيرمان في البازار

المفاوضات النووية في فيينا تنتظر عودة إيران إليها. هذه العودة الى التفاوض، لا تعني حسم عودة الاتفاق النووي إلى العمل. لكلِّ طرفٍ من أطراف التفاوض دوافعه للمرونة وللتشدد. من الجهة الإيرانية، ما زال الخلاص من العقوبات نقطة التقاطع الأبرز بين الحكومات ومعظم فئات الشعب، في النظر إلى ضرورة التفاوض. لكن تفاصيل الإجابة عن كيفية الخلاص من العقوبات وبأي ثمن، ما زالت تدفع بالتباين بين التيارات السياسية إلى الواجهة.

رغم تأكيد الجانب الإيراني على استمرار المفاوضات، تقول صحيفة كيهان الأصولية: “إن الاتفاق النووي، لم يأتِ لنا بأي نفع إطلاقا”، بينما لا يتردد إصلاحيون في التأكيد أن “الاتفاق النووي هو الفوز العظيم لحكومة حسن روحاني والإصلاحيين”. التباين بين  هذين التعبيرين، شاسع وحاد كزاويتين متعاكستين. وعليه، تُطرح أسئلة لا يمكن تجاهلها ومنها: كيف سيمضي الأصوليون بالطريق الذي أشار له سابقا القائد الإيراني الأعلى علي خامنئي بضوء أخضر؟ هم لا يستطيعون التراجع تماما عن الاتفاق والمفاوضات، وفي الوقت نفسه، إذا استمروا وأحيوا الاتفاق النووي فسيواجههم ماضيهم الذي طالما حاولوا فيه أن يثبتوا أن الاتفاق النووي تدبير “حلفاء الغرب في الداخل”، وفي طليعتهم المساعد السياسي لوزير الخارجية علي باقري كني، الذي كان من أشد المهاجمين للاتفاق النووي.

تأخير العودة إلى فيينا

تزايد الدعوات الغربية لإيران، في الأيام الماضية، بالعودة للمفاوضات، لعلّه يؤشر إلى أن ثمة تأخيرا متعمدا من الجانب الإيراني، وعند النقاش الداخلي في أسباب ذلك، يتهم الإصلاحيون حكومة رئيسي بأنها “تفتقد لبرنامج خاص بالمفاوضات”. يقول البرلماني السابق حشمت الله فلاحت بيشه “إن عدم تأليف فريق التفاوض وعدم العودة للمفاوضات، حتى الآن، يشيران إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي تفتقر الخطة الواضحة في ما يخص المفاوضات والاتفاق النووي”.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان كشف أخيرا، أن بلاده ستعود للمفاوضات قريبا. لكن الخارجية الأميركية طالبت بشرح “قريبا”، وقالت إنها تسمع هذا الكلام يوميا ولكن الجانب الإيراني لم يعين وقتا محددا. عبد اللهيان أوضح مقصده من كلمة “قريبًا”،  بالقول عبر التلفزيون الإيراني: إن “العودة للمفاوضات ستكون في أول فرصة بعد اكتمال دراسة ملفاتها”، مذكرًا الاتحاد الأوروبي “بآلية “اينستكس” للتبادل المالي التي كانوا يعدوننا بتنفيذها قريباً”.

لم يفصح عبد اللهيان عن الفريق الإيراني الذي سيذهب للتفاوض. وهو الأمر الذي يظهر فيه الفرق بين الحكومة الحالية والسابقة، حيث أن أولى الأعمال التي قام بها الرئيس السابق حسن روحاني، تمثلت في نقل ملف المفاوضات النووية من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية، خلافا لما جرى في عهود الرؤساء السابقين. فقبل ظريف وعراقتشي وتخت روانتشي، كان ملف التفاوض موكلا لسعيد جليلي وعلي باقري كني. وبما أن هذا الأخير عُين مساعدًا لوزير الخارجية بدلًا من عباس عراقتشي، فإن عددا من المحللين  يعتقدون بإمكانية أن يبقى ملف المفاوضات في وزارة الخارجية، بينما يرى آخرون الأمر في غموض تام حتى اللحظة.

أما الأمر الذي تتفق عليه جميع الأطراف السياسية، هو أن الوضع في البلاد لا يحتمل الاستمرار تحت وطأة العقوبات، فالعملة في حالة انخفاض كبير، والنفط لا يُباع بالشكل المطلوب، والأموال مجمدة في البنوك. والجدير ذكره أن هناك من يرجح أن المباحاثات مع السعودية تنتظر عودة المفاوضات بفيينا، لأنها متأثرة بها. وعليه فإن الملفات الجانبية المتعلقة بتلك المفاوضات ليست بالهينة.

المفاوضات بين الإصلاحيين والأصوليين

يطالب الإصلاحيون حكومة إبراهيم رئيسي بالوضوح في ما يخص ملف المفاوضات والاتفاق النووي. كما يريدون الاستعجال في استمرار المفاوضات “لأن التأخر في إحياء الاتفاق سيخلق عقبات أكثر” وفق فلاحت بيشه الذي يرى أن : “رئيسي يحاول رفع قدرة إيران التفاوضية من خلال توسيع علاقاته مع الشرق، ولكن العالم لا ينتظر والعقوبات تؤلم الشعب كل لحظة ولا تؤلم المسؤولين”. في المقابل،  يعزف الأصوليون وفي مقدمتهم صحيفة “كيهان” على وتر التعاون الإقليمي مثل عضوية إيران الكاملة إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ويؤكدون على “تقليل تأثير العقوبات من خلال التعامل مع الحلفاء مثل إرسال النفط الإيراني إلى لبنان”، ويفخرون بعدم استعجال الجانب الإيراني بالعودة إلى المفاوضات، ويرون استعجال الجانب الأميركي دليلًا على “ضعف” الغرب.

من جهته، يعتقد البرلماني وأحد أعضاء هيئة الأمن القومي والسياسة الخارجية جليل رحيمي، أنه لا داعي للاختيار ما بين الغرب والشرق الذَين يتمثلان في الاتفاق النووي والتعاون مع الهند والصين وروسيا. ويوضح أن الاتفاق النووي عمل منطقي لرفع الخلافات ولا يفسد العلاقة مع الشرق، كما أنه يتضمن مصالح للجانبين حيث يرفع العقوبات عن إيران، ويفتح أبواب السوق الإيراني لاستثمارات الغرب وتجارته.

الأصوليون وعراقتشي

الصراع بين التيارين الأبرز في إيران جعل صحيفة “كيهان” الأصولية تستند إلى كلامٍ أميركي “بالرغم من اعتقاد الأصوليين بأن أميركا ليست محل ثقة”، لتوجهه ضد الإصلاحيين. هذا ما أشار إليه عراقتشي في رده على “كيهان”. وكانت الصحيفة الأصولية اتهمت عباس عراقتشي مساعد وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف بـ”عدم الكفاءة”، حيث استندت إلى قول كبيرة المفاوضين الأميركيين ويندي شيرمان في مذكراتها: “إن الجانب الأميركي واجه صعوبة في إقناع الجانب الإيراني بإحدى طلباته، فعندها راحت شيرمان تحدث عراقتشي عن حياتها الأسرية واستذكرت حفيدها وأرته صورة له وبكت، وحينها وافق عراقتشي على ما يريده الأميركيون”. عراقتشي ردّ قائلا إنه “أبكى شيرمان لصرامته في المفاوضات، وأن ما كتبته شيرمان ليس إلا تبريرا لدموعها التي كانت تعلم بأن الإيرانيين سوف يكتبونها في مذكراتهم، وهم فعلوا هذا بالفعل. شيرمان انهارت في لحظة ما وبكت في المفاوضات، وقالت إننا تعبنا كثيرا حتى وصلنا لهذه النقطة، لا تفسدوا كل شيء لحساسيتكم على مفردة بسيطة”. وقال عراقتشي في رده على “كيهان”، عليكم أن تقولوا إن الدبلوماسي الإيراني أبكى الجانب الأميركي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: