الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 سبتمبر 2021 09:41
للمشاركة:

بين الملف النووي والنفوذ الإقليمي.. ما المسار الذي يجب على طهران وواشنطن اتباعه؟

تناولت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، في مقال للدبلوماسي الإيراني السابق سيد حسين موسويان والباحث ولي نصر، الرابط بين ملف الاتفاق النووي وعلاقة طهران مع محيطها الإقليمي. ورأى الكاتبان أنه من خلال معالجة القضايا الإقليمية في محادثات منفصلة، ستزيل الولايات المتحدة عقبة رئيسية أمام المحادثات النووية.

عملت أميركا وإيران خلال الأشهر الماضية، على إحياء الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015. وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في عدة جولات من المحادثات في فيينا، لا تزال المحادثات بين الحكومتين أمام طريق مسدود، في ظل وجود قلق متزايد من نفاد الوقت.

في هذا الوقت، تقترب إيران بسرعة من “نقطة اللاعودة” في برنامجها النووي، وبعد ذلك لن ترى الولايات المتحدة أي فائدة في العودة إلى الصفقة إذا لم يعد من الممكن تحقيق بنودها الرئيسية. توصلت إيران أيضًا إلى استنتاج مفاده أن الحكومة الأميركية تماطل ومن غير المرجح أن ترفع العقوبات الاقتصادية؛ ومن ثم، لن يروا أي جدوى من المثابرة على استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة.

تتمثل إحدى العوائق في كيفية معالجة دور إيران في المنطقة. يجب على الولايات المتحدة وإيران إيجاد طريقة للقيام بذلك دون تهديد التقدم في المحادثات النووية الصعبة بالفعل. إن الإصرار على مناقشة القضايا الإقليمية، مثل دور إيران في سوريا والعراق، ودعمها لحزب الله في لبنان، وإنهاء الحرب في اليمن، والأمن البحري في منطقة الخليج العربي، كجزء من المحادثات النووية، ينطوي على مخاطر عدة بدمار الجهود الدبلوماسية لحل هذه القضايا في حال فشل الاتفاق النووي.

حاليًا، تؤدي الخلافات حول القضايا الإقليمية إلى إبطاء التقدم في المحادثات النووية، وسيؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق نووي إلى تفاقم الأمن الإقليمي. مع ضم المسألتين في نفس عملية المفاوضات، سيتبع الفشل على الطاولة النووية مزيدًا من الضغط الاقتصادي على إيران وتخريب منشآتها النووية.

من المرجح أن يتجلى الرد الإيراني على شكل صراع جديد في لبنان وسوريا والعراق بالإضافة إلى استفزازات تصعيدية تشمل منشآت النفط والبنية التحتية في المملكة العربية السعودية أو الشحن في البحار.

إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مصممة على تجنب الصراعات المكلفة في الشرق الأوسط، فعليها تغيير نهجها لإزالة عقبة كبيرة تواجه المحادثات النووية والمساعدة في الأمن الإقليمي في وقت تتطلع فيه الولايات المتحدة إلى تقليص التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط.

تصر الولايات المتحدة، لبعض الوقت، على أن عودتها إلى خطة العمل الشاملة المشتركة تتوقف على موافقة إيران على التفاوض بشأن سياساتها الإقليمية. لم يكن هذا هو موقفها عندما بدأت المفاوضات النووية عام 2011. بعد ذلك، كانت إيران أكثر انفتاحًا على إطار مفاوضات أوسع، وكانت الولايات المتحدة هي التي تصر على أن المحادثات يجب أن تركز في حينها بشكل ضيق على القضية النووية للتوصل بسرعة إلى اتفاق. تغير الموقف الأميركي بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، وتعرضت إدارة الرئيس باراك أوباما لانتقادات لعدم مطالبتها بالتراجع عن السياسات الإيرانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

سارع منتقدو الاتفاق النووي في الداخل وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميون إلى انتقاد الاتفاقية لأنها تمنح إيران موارد أكبر ومساحة لتوسيع نفوذها الإقليمي. كان هناك دليل ضئيل على هذا الارتباط، ولكن بغض النظر عن صحته، فقد أصبح الانتقاد عيبًا واضحًا في خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي بات يجب على إدارة بايدن تصحيحها إذا أرادت العودة إلى الصفقة. يبدو أن واشنطن تعتقد أن أي شيء أقل من ذلك سيكون بمثابة تنازل لطهران.

رفضت إيران المزاعم بأنها صعدت سياساتها العدوانية بعد التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة وأنها غير مستعدة لمناقشة قضية لم تكن مطروحة على الطاولة خلال المفاوضات النووية. وترى أن التركيز على القضايا الإقليمية هو نتاج ضغط ناجح من قبل منافسيها الإقليميين الذين يريدون تقويض الاتفاق النووي.

يسارع قادة إيران إلى الإشارة إلى تاريخ من المبادرات والاتصالات مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمنطقة التي باءت بالفشل. تعاونت إيران مع الولايات المتحدة في طرد طالبان من أفغانستان عام 2001 ثم في إنشاء نظام جديد في مؤتمر بون، ليتم وضعها على الفور كجزء من “محور الشر”.

بعد ذلك بعامين، رفضت إدارة جورج بوش عرض الرئيس الإيراني آنذاك محمد خاتمي لمناقشة القضايا الإقليمية. تعتقد طهران أن الولايات المتحدة لا تسعى وراء الأمن الإقليمي، بل إنها تريد إضعاف إيران وتغيير النظام. بعد انسحابها من جانب واحد من الاتفاق النووي لعام 2015، تواجه الولايات المتحدة مهمة صعبة بالتغلب على عدم ثقة طهران العميق.

ومع ذلك، أدركت طهران أن التقدم في المحادثات النووية يحتاج في نهاية المطاف إلى التعامل مع الأمن الإقليمي، ليس فقط كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة أو في مفاوضات مع الولايات المتحدة. تريد إيران التفاوض مباشرة مع جيرانها في القضايا الإقليمية. وقد دعت مرارًا إلى قرارات بشأن القضايا الإقليمية تحت رعاية الأمم المتحدة ودعت بشكل مباشر الأمين العام للأمم المتحدة لبدء هذه العملية. كما طرح الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني مبادرة هرمز للسلام في عام 2019، حيث دعا دول الخليج إلى حوار أمني؛ وخلال الأشهر الأخيرة له في المنصب، أطلق حوارًا أمنيًا مع السعودية في العراق.

اجتمعت إيران والسعودية منذ ذلك الحين في ثلاث جولات من المحادثات لبحث وقف إطلاق النار في اليمن، ووضع حد لهجمات الطائرات بدون طيار على المنشآت السعودية، والمسار إلى تطبيع العلاقات. وصف كلا الجانبين حوارهما بأنه مثمر.

ووضعت تلك المحادثات الأساس لمؤتمر الأمن الإقليمي الذي عقد الشهر الماضي في بغداد والذي ضم عددًا من رؤساء الدول ووزراء الخارجية. في نهاية المؤتمر، أعلنت إيران والسعودية أنهما ستجتمعان في جولة رابعة من المحادثات في وقت لاحق من هذا الشهر. ستحتاج المملكة العربية السعودية إلى تشجيع الولايات المتحدة ووعدها بمواصلة الدعم العسكري، لكن التدخل الأميركي المباشر ليس ضروريًا لإحراز تقدم في المحادثات.

لقد توصل حلفاء الولايات المتحدة بالفعل إلى أن واشنطن لن تكون قادرة على معالجة دور إيران الإقليمي في سياق المحادثات النووية، وهشاشة المحادثات النووية تعني عدم وجود خطط لكبح نفوذ إيران. هذا هو السبب في أن حلفاء الولايات المتحدة، على عكس ما حدث عام 2015، بدأوا في التواصل مع إيران حتى قبل التوصل إلى نتيجة للمحادثات النووية. ما يبحثون عنه هو دعم الولايات المتحدة لمبادراتهم الدبلوماسية والضمانات المستقبلية لأمنهم.

بدلاً من الإصرار على إدراج مناقشات الأمن الإقليمي في المحادثات النووية، ينبغي على الولايات المتحدة تشجيع المحادثات الأمنية الإقليمية الجارية والسماح لها بالمضي قدمًا بشكل منفصل ولكن بالترادف مع المحادثات النووية. يجب على الولايات المتحدة أن تشجع المملكة العربية السعودية والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى على تحويل منتدى بغداد إلى منصة للمفاوضات حول الأمن الإقليمي.

يجب على الولايات المتحدة دعم هذه العملية، وبمجرد حدوث تقدم كاف، يمكنها الانضمام إليها. من المرجح أن تحقق عملية تقودها الأمم المتحدة تقدمًا في قضايا الأمن الإقليمي أكثر من محادثات خطة العمل المشتركة الشاملة. ومن خلال معالجة القضايا الإقليمية في محادثات منفصلة، ستزيل الولايات المتحدة عقبة رئيسية أمام المحادثات النووية.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ مجلة “فورين بوليسي” الأميركية

ترجمة/ هادي فولادكار

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: