الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة6 سبتمبر 2021 14:36
للمشاركة:

تركيا وحركة طالبان.. الخيوط الجديدة في العلاقات

في الحديث عن الدور التركي المرتقب في أفغانستان، يتبادر إلى الأذهان الدور النشط الذي لعبته أنقرة أخيرًا في منطقة القوقاز، وتحديدا في أذربيجان خلال حربها الأخيرة مع أرمينيا في إقليم "ناغورنو كاراباخ". كان دعم تركيا لأذربيجان بمثابة حجر الزاوية في انتصار باكو على يريفان.

بعد إبرام الاتفاق بين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وحركة طالبان، بقي سؤال محيّر لدى واشنطن: إلى أي دولة سيتم إسناد مهمة تأمين وتشغيل مطار كابل الدولي، لتضمن حرية حركة الطيران هناك، بعد انسحاب قوات التحالف من أفغانستان.

لأسباب عديدة، وجدت إدارة الرئيس جو بايدن أن أفضل من يقوم بتلك المهمة هي تركيا. فحركة طالبان لا تنظر إلى تركيا على أنها دولة مُستعمِرة، أو بمعنى أدق، نظرة “طالبان” إلى تركيا باعتبارها دولة مسلمة، ليست كنظرتها إلى الولايات المتحدة كدولة احتلال.

تصريحات عديدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن فيها عن استعداد بلاده للقيام بتلك المهمة، ولكن وفق شروط أنقرة.

وقد سبق قرار سحب القوات التركية بعد التفجيرات التي ضربت المطار، تصريح لافت من إردوغان مفاده أن أنقرة عقدت مشاورات رسمية مع حركة طالبان، واستمرت تلك المشاورات أكثر من 3 ساعات، ومن الممكن أن يكون هناك مشاورات أخرى، ويبدو أن تلك المشاورات هي التي أقنعت حركة طالبان بتغيير رأيها تجاه الوجود العسكري التركي على الأراضي الأفغانية. تلا ذلك إعلان الحركة انها طلبت رسميًا من تركيا تأمين مطار كابول.

التغير المفاجئ لقناعة الحركة حيال التواجد التركي في أفغانستان، يفتح الباب أمام مستقبل العلاقات الجديدة التي يتم رسم معالمها المستقبلية بين الطرفين، وأن تركيا من الممكن أن تكون من أوائل الدول التي ستعترف بالسلطة الجديدة في أفغانستان، والتصريحات العديدة الرسمية الصادرة عن الحركة بأن أفغانستان بحاجة إلى مساعدة من تركيا في عدة مجالات، وهذا التعاون بين تركيا والحركة سيفتح الباب على توطيد العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين ولن يكون تعاونا عسكريا فقط، حيث تمتلك أفغانستان ثروات طبيعية هائلة تُقدر بمليارات الدولارات من الموارد الطبيعية وهي بحاجة إلى المساعدة في استغلال تلك الموارد، وكذلك الاستفادة من الخبرات التركية في مجالات متنوعة.

رأت الولايات المتحدة في تركيا ما يقنعها لأداء تلك المهمة، أولهما أن تركيا دولة مسلمة، والثاني هو أن الأدوار التي لعبتها تركيا طيلة السنوات الماضية كانت بعيدة عن الأدوار القتالية في الأراضي الأفغانية.

ترى تركيا أن هذه المهمة الجديدة لها في أفغانستان سيكون لها انعكاس إيجابي على علاقاتها مع واشنطن بعد فترة من السلبية. وستسهم هذه المهمة الجديدة في تطوير وتعزيز التعاون بين الطرفين بشكل ملحوظ تزامنا مع سعي حركة طالبان إلى الانفتاح على العالم الخارجي، وانتهاج سياسة جديدة مع دول العالم. ولعل القبول بالوجود العسكري التركي على الأراضي الأفغانية هو بمثابة إظهار مرونة في التعاطي مع القرارات الأميركية حيال أفغانستان.

قد تستخدم تركيا أيضًا ورقة تأمين مطار كابول كورقة تفاوضية مع الولايات المتحدة في عدد من الملفات محل الخلاف بينهما، مثل صفقة منظومة الدفاع الصاروخي الروسي “إس 400” والتي تسببت في صدع كبير في علاقاتهما، أو تسليم زعيم تنظيم الكيان الموازي فتح الله غولن الموجود في الولايات المتحدة، أو أي من الملفات محل الخلاف بين الدولتين.

وتتبني تركيا ٣ آليات من أجل العمل على تشغيل وتأمين المطار الأفغاني:

  •  الأولى: الوجود التركي ليس وجودا تركيًا خالصا، بل نيابة عن وجود دولي وهو ما يؤمن غطاء سياسيا دوليا لها.
  • الثانية: ألا تكون موجودة بمفردها هناك بل أن يكون معها دولتان هما باكستان والمجر. والسبب لأن باكستان من دول الجوار وتعلم خبايا الأمور في أفغانستان، والمجر لتكون ممثلة عن أوروبا وحلف الأطلسي، علما أن تركيا تلعب هذا الدور أيضا.
  • الثالثة: ضمان سلامة قواتها التي ستشارك في تلك المهمة في أفغانستان.

لكن ماذا عن العقبات أمام القرار التركي النهائي لتأمين المطار؟

هناك 3 عوامل رئيسية ستكون المحرك الرئيسي لقرار تركيا إعادة إرسال قواتها إلى أفغانستان.

  • الأول: ليس من المتوقع أن ترفض الولايات المتحدة رفضًا كليًا لكل المطالب التركية، والتي ستكون قيد الدراسة والتباحث بين الطرفين، والذي سينتج عنه القرار النهائي لكل منهما. لكن من المتوقع أن تُبدي واشنطن المرونة تجاه تلك الطلبات نظرًا للأهمية القصوى التي تُوليها واشنطن لهذا الملف.
  • الثاني: رؤية طالبان لقيام القوات التركية بمهمة تأمين المطار وتفاصيل ذلك وآللياته.
  • الثالث: وهو من أبرز العوامل، أي المعارضة التركية التي يصعب إقناعها بأن الوجود التركي سيكون للحفاظ على الأمن القومي التركي، كما فعلت من قبل وقامت بإرسال القوات التركية إلي سوريا وأذربيجان وليبيا، فكان السبب أن الأمن القومي يتطلب التواجد العسكري خارج البلاد، لكن هذه المرة لن يكون هناك داع لنفس السبب، نظرًا لعدم وجود حدود مشتركة بين البلدين ما سيصعب الأمر من أجل إقناع أحزاب المعارضة للموافقة على تمرير قرار إعادة إرسال القوات التركية إلى الأراضي الأفغانية، وهو ما ينتظر المراقبون ليروا كيف ستتعامل معه الحكومة التركية.
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: