الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة26 أغسطس 2021 08:53
للمشاركة:

تفاصيل إيفين المكشوفة.. ماذا بعد؟

"قررنا أن نفضح جرائم النظام. نفذنا هجومًا إلكترونيًا على أنظمة سجن إيفين. أبلغوا العالم بالانتهاك الواضح لحقوق الإنسان خلف أسوار هذا السجن. يجب إطلاق سراح السجين السياسي".

هذا كل ما نطقت به مجموعة “عدالت علي” عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنها قامت بعمل قليلا ما سبقها أحد إليه. المجموعة المجهولة نشرت يوم الاثنين ٢٢ آب / أغسطس فيديوهات، وصور، وملفات سجناء سياسيين ووثائق مختلفة من سجن “إيفين” في طهران، وقالت إنها “عثرت عليها من خلال هجوم إلكتروني شنته على أنظمة كاميرات المراقبة في السجن”. لم يتوقف النشر حتى لحظة إعداد هذا التقرير، وتتوعد المجموعة بنشر مواد أكثر. ما أظهرته المنشورات أثار ضجة واسعة داخليا وعالميا.

في الفيديوهات أعمال عنف يقوم بها موظفون في السجون مع السجناء. السلطة القضائية التي تنحدر منها مصلحة السجون الإيرانية، اعتذرت عمّا ورد في المشاهد المسرّبة، ووعدت بمتابعة أوضاع السجون ومحاسبة الموظفين المتورطين بأعمال العنف مع السجناء. 

القضاء واعتذار رئيس السجون

بعد يومين من بدء “عدالت علي” بالنشر، بدأت ردود الفعل الرسمية في إيران. اعتذر محمد مهدي حاج محمدي، رئيس مصلحة السجون في إيران، عن الصور المنشورة. وكتب عبر تويتر: “أتحمل المسؤولية عن هذه التصرفات غير المقبولة”. كما تعهد بعدم تكرار “مثل هذه الأحداث المريرة” و”التعامل بجدية” مع الجناة. وكانت هذه أول ردة فعل رسمية.

وفي اليوم نفسه، أمر رئيس السلطة القضائية في إيران غلام حسين محسني أجئي بفتح تحقيق في الأمر. وطالب محسني أجئي، النائب العام بالتحقيق “دون تأخير”، والتحقيق في معاملة الضباط للسجناء وكذلك معاملة السجناء مع بعضهم بسرعة ودقة.

‏وفي اليوم الرابع أعلن حاج محمدي رئيس مصلحة السجون عن “توقيف الموظفين المخطئين الذين ظهروا في الفيديوهات المسربة من سجن ‎إيفين عن العمل، وإحالتهم إلى الرقابة والتفتيش وتسليم ملفاتهم إلى الادعاء العسكري”. كما أنه أدرج في تغريدته إحصائية تبيّن ارتفاع نسبة فصل المحاسبين من الخدمة خلال العام الماضي في إيران بمقدار ٣٠٪.

ومن السلطة القضائية، قال محمد مصدق النائب الأول لرئيس القضاء إن موضوع نشر صور سجن إيفين قيد التحقيق.  أما رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، فقد طلب من لجنة المادة ٩٠، بالتنسيق مع مكتب المدعي العام، بمتابعة القضية المتعلقة بسجن “إيفين”. وأكد النائب ورئيس لجنة المادة ٩٠ في البرلمان حسن شجاعي على “ضرورة الإصلاحات الهيكلية لضمان الشفافية والمساءلة في منظمة السجون”.

ماذا في فيديوهات “عدالت علي”؟

في جزء من أحد الفيديوهات التي نشرتها المجموعة، يغمى على شخص في مكان يشبه ساحة السجن، بعد أن سقط أرضا، وكان يرتدي كمامة طبية. اجتمع حوله أشخاص يبدو أنهم من حراس السجن. أمسكوا من أيديه وسحبوه على الأرض. وفي الصور الأخرى المأخوذة من كاميرات مختلفة، يمكن ملاحظة أن هذا الشخص يُجر على الأرض لفترة من الوقت ويتم رفعه عنوة على الدرج. وفي صور أخرى، يتعرض سجين للضرب المبرح على أيدي عدد من ضباط الشرطة. وأظهر عدد من الفيديوهات محاولات سجناء للانتحار.

وفي فيديو آخر نشرته “عدالت علي”، يُظهر عدد من الشاشات التلفزيونية الخاصة بكاميرات الرقابة. ويظهر الفيديو انفصالًا تدريجيًا للبث عبر الشاشات، ثم ظهور الرسالة التالية: “إيفين وصمة عار على العمامة السوداء واللحية البيضاء لرئيسي – احتجاجات على مستوى البلاد للإفراج عن السجناء السياسيين “.

غضب الإيرانيين

‏وخلافا للتعليقات الرسمية، لم تتأخر ردود الفعل غير الرسمية. البرلماني السابق محمود صادقي، بعث رسالة إلى رئيس القضاء غلام حسين محسني أجئي وطالب بـ “إخراج تنظيم السجون من سلطة القضاء وضمه تحت مسؤولية السلطة التنفيذية”، باعتبار أن “إدارة السجون ليست مسألة قضائية ولها طابع تنفيذي، ونقلها يوفر إمكانية الرقابة البرلمانية”. وقال كذلك في رسالته لرئيس القضاء أنه “تمت صياغة خطة سابقا في مجلس النواب العاشر، وإحالتها إلى اللجنة القانونية والقضائية”. السياسي السابق الإصلاحي محمد علي أبطحي، طالب في تغريدة السلطة القضائية بتوضيح حول الفيديوهات المنشورة.

 الأستاذ الجامعي الإصلاحي صادق زيبا كلام، رأى أن الفيديوهات المنتشرة تسلط الضوء على عدم مساءلة المسؤولين الذين يتم تعيينهم، وليس انتخابهم في السلطة. وأضاف زيبا كلام:”مسؤولي إيفين ليسوا مسؤولين أمام البرلمان أو الحكومة أو القضاء أو أي مؤسسة أخرى، ناهيك عن المؤسسات الدولية”.

أما الصحفي الإصلاحي أحمد زيد آبادي فقال إنه “عرض عفوا عاما على إبراهيم رئيسي”.

وكتب الباحث الإصلاحي عماد الدين باقي في صحيفة “سازندكي”: “إن الخطر يكمن في اختزال القضية إلى حادثة واحدة وتقليل المسؤولية إلى حد رئيس سجن “إيفين”، بينما في الماضي أيضا حدث أحداث مشابهة وأدت أحيانا إلى وفاة السجناء وتسببت بأزمة”.

ردود الفعل العالمية

منظمة العفو الدولية طالبت يوم الأربعاء ٢٥ آب/ أغسطس سلطات الجمهورية الإسلامية، بالسماح للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران بإجراء عمليات تفتيش مستقلة للسجناء في البلاد. مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة هبة مريف، رأت أن الفيديوهات تدل على “الطبيعة الواسعة الانتشار والمنهجية للتعذيب وغيره من سوء المعاملة في السجون ومراكز الاعتقال الإيرانية”.

سجن إيفين

افتتح سجن “إيفين” عام ١٩٧١ بعد مشروع بناء لعقد من الزمن. تبلغ مساحته ٤٠ هكتارا. قبل انتصار الثورة كان السجن تحت إشراف استخبارات شاه إيران محمد رضا شاه بهلوي المعروفة بـ”الساواك”. يُعرف سجن “إيفين”  بـ”جامعة إيفين”، وذلك بسبب السياسيين والمفكرين والزعماء الذين قضوا فترات من عمرهم في زنازينه.

ومن أبرز الشخصيات التي زجّت في إيفين قبل انتصار الثورة في إيران يمكن ذكر محمود طالقاني المفكر الشيعي ومن مؤسسي حزب “نهضة الحرية”، والسياسي الإيراني البارز أكبر هاشمي رفسنجاني، ومسعود رجوي من أهم أعضاء جماعة “مجاهدي خلق” المحظورة، وخسرو غُلسُرخي الشاعر والصحافي الشيوعي.

ومن أبرز معتقلي إيفين في عهد النظام الحالي، يمكن الإشارة إلى روح الله زم الذي أُعدِم هناك في كانون الاول/ ديسمبر 2020، وفائزة هاشمي ابنة أكبر هاشمي رفسنجاني، والكاتب والصحافي مسعود بهنود، ونسرين ستودة الناشطة في مجال حقوق الإنسان، وحسين فريدون أخ الرئيس السابق حسن روحاني ومدير مكتبه الذي ما زال في إيفين، وعبد الله رمضان زاده السياسي الإصلاحي والمتحدث باسم حكومة محمد خاتمي، الإصلاحي بهزاد نبوي، والإصلاحي والسياسي في حكومة محمد خاتمي مصطفى تاج زاده.

ومن الأحداث الصاخبة التي شهدها السجن في عصر بهلوي، إعدام أعضاء منظمة فدائيي الشعب الإيراني عام ١٩٧٥.

أما في الجمهورية الإسلامية فشهدت سنة ١٩٨٩ أكبر حملة إعدامات سياسية بعد الحكم الذي أصدره قائد الثورة الإسلامية روح الله الخميني، بشأن إعدام “المرتدين” و”الملحدين” و”أعداء الجمهورية الإسلامية اللدودين”. نُفِّذت عمليات إعدام على نطاق واسع في سجون عديدة ومنها سجن “إيفين”. يذكر أن لـ”إيفين” أجنحة ليس لها علاقة بالسلطة القضائية، إنما تشرف عليها الاستخبارات الإيرانية. وفي عام ٢٠١٨ عاقبت وزارة الخزانة الأميركية سجن إيفين “لانتهاكه حقوق المواطنين الإيرانيين”. وفي عام 2021 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثلاثة سجون إيرانية، بما في ذلك “إيفين”، “لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجمهورية الإسلامية، وقمع وقتل المتظاهرين خلال احتجاجات نوفمبر ٢٠١٩ في إيران”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: