الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة23 أغسطس 2021 10:58
للمشاركة:

السياسة الخارجية في عهد رئيسي.. الدبلوماسية الاقتصادية تتصدر الأولويات

توقعت الباحثة الإيرانية بنفشه كي نوش، أن تشكل القضايا الاقتصادية المحور الرئيسي في تحديد أجندة إيران السياسية خلال عهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، مرجحةً في مقالها بـ "معهد دول الخليج العربي في واشنطن"، أن يدفع "تدهور الاقتصاد في البلاد بحكومة رئيسي نحو تخفيف التوترات الخارجية". في المقابل لم تبد كي نوش متأكدةً في ختام المقال الذي ترجمته "جاده إيران"، من "كون هذا التوجه كافيًا للتغلب على ما خلفته السياسة الخراجية لإيران في المنطقة، أو أنه سيغري أو يدفع الجيران إلى التعاون مع طهران اقتصاديًا ودبلوماسيًا"

5 أغسطس/ آب 2021، تم تنصيب الرئيس السابق للقضاء الإيراني إبراهيم رئيسي كرئيس جديد للبلاد، ليتعزز بهذا نفوذ التيارات الإيرانية الأصولية والمحافظة على مفاصل السُلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية الرئيسية. ومن المُرجح أنه ومِن خلفية عمله السابقة كقاضي سيلجأ لفرض سياسة صارمة لحماية الثورة الإيرانية أثناء توليه الرئاسة، وسيعمل على تحقيق هذا مِن خلال ربط السياسة الخارجية الإيرانية بإنقاذ اقتصادها المتعثر.

ووفقًا للمركز الإحصاء الإيراني، اقترب معدل التضخم في البلاد من 43٪ في يونيو، وقد توقع صندوق النقد الدولي معدلات أفضل تتراوح بين (36.5٪ – 39٪) بحلول نهاية العام. كما أعلنت غرفة التجارة أن متوسط معدلات النمو الاقتصادي بلغ 0٪ خلال السنوات الأربعين الماضية، وهو مؤشر على التأثير القوي للعقوبات والثمن الاقتصادي الباهظ الذي دفعته إيران لمواصلة برنامجها النووي. وفي الأشهر الأخيرة، تعرض القطاع النفطي الإيراني لعدة ضربات، كما اندلعت الاحتجاجات لنقص الكهرباء والمياه، لذا يأمل رئيسي في زيادة مصادر تمويل الموازنة العامة مِن خلال تعزيز الإنتاجية الاقتصادية، وزيادة عائدات الصادرات غير النفطية، وتشجيع المغتربين الإيرانيين على إعادة الأموال إلى الوطن عبر وعود بتوفير بيئة استثمارية آمنة لعوائدهم؛ وتشجيع القطاع الخاص.

حتى مع افتراض إمكانية تنفيذ أمال رئيسي وعلى رأسها محاولة جذب أموال المغتربين الإيرانيين، ستظل هذه الإجراءات غير كافية ما لم تُحسن طهران علاقاتها الخارجية، خصوصًا أن رئيسي يرغب في تعزيز التجارة مع الدول المجاورة بدلاً من انتظار تخفيف القوى الغربية نظام العقوبات الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد بلاده. وقد تعهد بإعطاء الأولوية لـ “الدبلوماسية الاقتصادية” لتعزيز الاستثمارات ونصحه الخبراء باللجوء إلى اتفاقيات التجارة التفضيلية، وتنويع الواردات، وتشجيع المشاريع المشتركة، وإنشاء مكاتب ترويج التجارة في 15 دولة مجاورة لإيران. وتحقيقا لهذه النصائح، دعا رئيسي إلى تعزيز الروابط الإقليمية خاصة في منطقة الخليج، والتقى بمبعوث إماراتي على هامش تنصيبه.

يدرك رئيسي أن تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية يحمي طهران من التهديدات الأكبر من إسرائيل أو الولايات المتحدة، فالرياض ستشجع على الأرجح الدبلوماسية عن الحرب. وعلى نفس المنوال، أشار إلى أنه منفتح على إجراء محادثات شفافة مع دول الخليج العربية الأخرى للحد من التوترات الإقليمية. ولكن إيران قد تفشل في استرضاء جيرانها من خلال الإصرار على تطوير برامجها الصاروخية والنووية والاستمرار في تقديم الدعم للحلفاء الإقليميين أو القوات بالوكالة. ومن غير المحتمل أن تتخلى طهران عن تعزيز قدراتها العسكرية ما سيعني دائمًا وجود توترات مع جيرانها العرب.

لم يتم تناول هذه القضايا في المحادثات النووية التي أدت إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015. وتم تعليق محادثات فيينا النووية الأخيرة بين إيران والقوى العالمية حتى تولى رئيسي منصبه، ولكن يمكن استئنافها في سبتمبر، مما سيتيح فرصة لإعادة التفاوض مع إيران. ومن المرجح أن يحاول رئيسي تقليل الخلافات الدبلوماسية مع الجيران لتعظيم التقارب في هذه الفترة، وعلى الرغم من أن إيران ستواصل بشكل شبه مؤكد إبراز قوتها العسكرية في مياه الخليج كوسيلة لتعزيز مصالحها الأمنية وكتذكير لجيرانها بالتكاليف المحتملة لاختيار المواجهة العسكرية على خيار التعاون التجاري والدبلوماسي، وقد شكل الهجوم الأخير على ناقلة ميرسر ستريت والتي تنفي إيران تورطها فيه تأكيد مِن أن رئيسي لن يتوانى في إستعراض قدرة بلاده العسكرية في مياه الخليج.

وقد أعطى رئيسي أولوية لمواجهة التحديات الاقتصادية لذا سيكون هدفه في المحادثات النووية هو السعي لتخفيف العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على قطاعات النفط والبنوك والمالية الإيرانية، ولجعل مثل هذه الأولوية قابلة للتنفيذ – سيكون التحدي الأساسي هو كيف سيصل لموقف مقنع للقوى العالمية، ولا سيما الولايات المتحدة – مع الحفاظ على تأييد تياره الأصولي- وخصوصًا أنه أعلن دعمه لأي خطة دبلوماسية تؤدي إلى رفع العقوبات.

وتصر طهران على أنها لا تريد للمحادثات النووية أن تطول إذا لم يتم تحقيق نتائج فعلية جراء التفاوض. وتقوم إيران حاليًا بتخصيب اليورانيوم دون قيود ويمكن أن تُطالب، إذا أصر بعض الأصوليين في البرلمان، بإنهاء جميع العقوبات الأمريكية وخاصة تلك التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مقابل الحد من التخصيب، ومن المحتمل ألا تُقدم إدارة الرئيس جو بايدن على هذا لكن رئيسي قد يميل إلى تقديم عدد من التنازلات النووية لتحقيق تخفيف نسبي للعقوبات. وقد أوقفت إيران أيضًا عمليات التفتيش على منشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها قد تسمح باستئناف عمليات التفتيش إذا تم الإستجابة لشروطها على طاولة المفاوضات، وخصوصًا أنها تساهلت وسمحت ببعض عمليات التفتيش للوكالة هذا العام.

لا يثير أعضاء مجلس الوزراء المقترحون في حكومة رئيسي قلقًا داخل إيران بقدر ما يثيروا في الخارج، فقد تم ترشيح الدبلوماسي حسين أمير عبداللهيان وزيرًا للخارجية، وكان عبد اللهيان قد تخرج من المدرسة الدبلوماسية الإيرانية التي تديرها وزارة الخارجية، وحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طهران، وهو سفير سابق في البحرين، كما شغل منصب نائب وزير الخارجية والمدير العام للشؤون الدولية في مجلس الشورى الإسلامي. ويشير المحللون المقيمون في إيران بأن الاختيار الجديد لوزير الخارجية يختلف عن سلفه محمد جواد ظريف الذي كان يعتبر شخصية دبلوماسية مقبولة في جميع أنحاء العالم. وتصف وسائل الإعلام الغربية وبعض المصادر الإيرانية عبد اللهيان بأنه شخصية متشددة ومناهضة للغرب.

ومع ذلك، يتحدث عبد اللهيان اللغتين الإنجليزية والعربية، وينظر إليه عدد قليل من خبراء السياسة في إيران على أنه شخصية أقل تطرفًا مقارنة بالمرشحين الذين تم الحديث عنهم سابقًا للمنصب مثل: سعيد جليلي و علي باقري كني، وكان لديهم سمعة أكبر في التشدد ضد القوى العالمية. ومؤخرًا في مقابلة أجريت مع عبد اللهيان أصر على أن السياسة الخارجية الإيرانية غير مرهونة أبدًا بنتيجة الاتفاق النووي، وأن رئيسي سيتبع سياسة خارجية متوازنة واستباقية. وتشير تصريحات عبد اللهيان إلى أنه على إستعداد لزيادة انخراط إيران مع العالم. وأخيرًا، في إشارة مهمة على وجهات نظره فقد ذكر في تغريدة قبل سنوات أن التفاوض مع واشنطن لم يكن أبدًا موضوعًا محظورًا في إيران.

سيتم تكليف حسين أمير عبداللهيان بحقيبة وزارة الخارجية بمجرد الموافقة على تعيينه من قبل البرلمان الإيراني، ويدعو عدد متزايد من الخبراء إلى تعزيز قدرة الوزارة لإنتهاج دبلوماسية اقتصادية، والتخلص مِن إرث جواد ظريف لعدم قيامه إلا بالقليل في هذا المجال جراء تركيزه أكثر من اللازم على نتائج المحادثات النووية. ويعتقد خبراء سياسين أنه مِن دون إصلاح الاقتصاد أولاً في إيران، سيكون لدى البلاد حوافز أقل -من حيث الصفقات والعقود – لتشجيع الشركات الدولية، وخاصة الأوروبية، على توسيع العلاقات الاقتصادية مع إيران. وعلى الرغم من التأكيد على أن صُناع القرار الإيراني عازمين على إتخاذ خطوات لازمة لهيكلة الاقتصاد، لكن يبقى هناك إجماع ناشئ بين النخبة السياسية الإيرانية أنه حال فشل هذه الخطوات وتدهور الاقتصاد أكثر فالدولة قد تفشل حتى في التفاوض على ملفها النووي بطريقة تخدم مصالحها، وستكون بلا أوراق قوية لتلعب بها. وفي هذه الحالة، يحذر المحللون من أن الاتفاق النووي قد لا يكون له أي قيمة اقتصادية حقيقية لإيران.

أخيرًا، لننتظر ونرى ما إذا كانت الحكومة الإيرانية الجديدة ستكون قادرة على إعادة التواصل مع جيرانها لبناء الاقتصاد، وقد وعد رئيسي ببحث اتفاقية استراتيجية مع روسيا وتنفيذ كامل بنود اتفاقية إيران الاستراتيجية مع الصين ومدتها 25 عامًا لزيادة دعم الإقتصاد، ومع الأخذ في الاعتبار أن جميع قرارات السياسة الخارجية تقريبًا تُتخذ من خلال الإجماع بين أصحاب النفوذ الرئيسيين في البلاد بدلاً من الرئيس الإيراني، لكن سيكون على المدى القصير على الأقل فرصة مع تدهور الاقتصاد الإيراني أن يكون للحكومة حافزًا لخفض التوترات الخارجية. ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك كافيًا للتغلب على ما خلفته السياسة الخارجية لإيران في المنطقة ويُغري أو يدفع الجيران إلى التعاون اقتصاديًا ودبلوماسيًا.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ “معهد دول الخليج العربي في واشنطن

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: