الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 يوليو 2021 04:28
للمشاركة:

ماذا يريد عرب الأهواز من الحكومة؟

ربما يجهل كثير من العرب وجود عرب أساسا في إيران ناهيك عن العلم بمطالبهم من الحكومة وما يريدون الوصول إليه من خلال الاحتجاجات الأخيرة، لكن استمرار التظاهرات والاحتجاجات منذ أكثر من أسبوع في عدد من مدن الإقليم الذي يطلق عليه في إيران اسم "خوزستان" جعل المواطن العربي يتعرّف نسبيا على الخوزستانيين أو الأهوازيين وقد انعكس ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي التي شهدت اطلاق عدد من الهشتاغات حول الاحتجاجات في الأهواز.

العرب في إيران هم أقلية تقطن في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، ينتمي معظمهم إلى المذهب الشيعي الإثني عشري. وتعد المحافظة التي يسكنها العرب هي أغنى المحافظات في إيران من حيث الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمياه والأراضي الخصبة، لكن سوء الإدارة للحكومات المتعاقبة في إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية جعل هذه المحافظة تُصنف ضمن أفقر المحافظات وأقلها تنمية في إيران وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسة في تفجر الأزمة الأخيرة على خلفية شح المياه الذي تُتهم الحكومة بأنها السبب وراءه.

وبسبب مكانة المحافظة وواقع أهلها السيئ ظهر تعاطفٌ شعبي واسع في عموم أرجاء إيران مع المطالب الشعبية التي يرددها المتظاهرون، وهو ما أجبر المسؤولين المعنيين بالإقرار في التقصير وقبول الأخطاء في إدارة المحافظة وإعطاء الوعود السخية للمواطنين في الأهواز لحل أزمات المحافظة ومشاكلها.

لكن وبسبب التراكم الكبير للأخطاء في إدارة أزمات المحافظة فإن نسبة كبيرة من الأهوازيين لم تعد لديها ثقة بالوعود والتصريحات التي يطلقها المسؤولون وهو ما يمكن لمسه في حراك الشارع الذي لم يتوقف عند سماعه لوعود المسؤولين المحليين والمسؤولين في طهران.

وقد يخطئ من يتخيّل أن الاحتجاجات الأخيرة في الإقليم هي بسبب أزمة المياه وحدها وإن كانت هي اللافتة الرئيسة والواجهة الأمامية في هذه الاحتجاجات، لكن الحقيقة هي أن المواطن في الأهواز يشكو من الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وكانت أزمة شح المياه وجفاف الأنهار قد فجّرت هذا التراكم في المشاكل وجعلت نسبة غير قليلة من الأهوازيين ينزلون إلى الشوارع وينادون بما يعتبرونه حقوقا ضائعة لهم. وبالتالي فإن مطالب الشارع لا تنحصر على المياه بل هي أوسع وأكبر من ذلك بكثير.

وفيما يلي سنشير إلى أهم وأبرز المطالب التي نادى بها المواطنون العرب في الأهواز خلال احتجاجاتهم الأخيرة.

  • أولا: يشعر كثير من الأهوازيين أنهم مهمشون من قبل الحكومة المركزية ولا يتمّ التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الأولى، وربما لهذا السبب قد تجد كثيرا من الأهوازيين – مثقفين وعامة – يرفضون اعتبار أنفسهم إيرانيين ويحاولون صياغة هوية خاصة لهم هروبا من اللاهوية الوطنية التي يعانون منها. وبالتالي يصبح مطلب إعطاء الحقوق الكفيلة بتكوين هوية لدى المواطن الأهوازي – هو المطلب الأول والرئيس للمواطن الإيراني العربي في الأهواز حتى وإن لم يُصرَّح به في الاحتجاجات، فعلى الحكومة أن تُشعر الأهوازيين بانتمائهم للبلد، وتثبت لهم أن حقوقهم وواجباتهم هي نفس الحقوق والواجبات التي يمتلكها المواطنون في محافظات أخرى كطهران وأصفهان وفارس وغيرها.
  • ثانيا: نظرا إلى الثروة الكبيرة للمحافظة ومعرفة المواطن بهذه الحقيقة فيلزم الحكومة الإجابة على هذا السؤال الذي لا يغيب عن أذهان المواطن في الأهواز وهو: ما هي حصتي في ثروة محافظتي؟ ولم يعد بإمكان الحكومة الصمت عن هذه الحقيقة وهي أن المواطن الإيراني العربي في الأهواز محروم من الثروات التي تحيط به ولا يصل إليه منها إلا النزر اليسير. وعليه فالمطلب الثاني للمواطن في الأهواز يتمثل في تحديد نسبة كافية من الموارد الموجودة في المحافظة لمعالجة أزمات الإقليم وإنشاء المشاريع التنموية والاقتصادية التي تتناسب مع ظروف المحافظة وإمكانياتها.
  • ثالثا:  بما أن أزمة المياه هي التي فجّرت الأحداث الأخيرة في الإقليم على الحكومة (منظومة الحكم) تشكيل فريق أو فرق متخصصة لدراسة مشاريع المياه وتقديم حلول عاجلة وعملية وشفافة لحل أزمة المياه على وجه السرعة وضمان حصة أنهار الإقليم من المياه التي تلبي احتياجات المواطنين شربا وزراعة. إن محاولة إلقاء اللوم على الظواهر الطبيعية أو الحكومات السابقة ليس كفيلا بتهدئة الشارع أو إقناع المواطنين في الأهواز بأن الأزمة غير مسيطر عليها وخارجة عن إرادة الحكومة، ولم يعد خافيا على أحد في الأهواز وربما في عموم إيران أن السبب الرئيس في أزمة المياه الأخيرة ناجم عن مشاريع نقل المياه لمدن ومحافظات مركزية تحيط بها بيئة صحراوية جافة وقاحلة؛ ولذا فإن ما يلزم الحكومة في هذا الصعيد هو إعادة النظر في مشاريع نقل المياه، حتى وإن انتهى ذلك بإيقاف هذه المشاريع الاقتصادية المجحفة، وذلك بكل تأكيد أقل تكلفة على البلاد وأهون خطرا.
  • رابعا: يتمثل المطلب الرابع في معالجة أزمة البطالة في الإقليم، حيث لا توجد وظائف تضمن للشاب الأهوازي الحياة الكريمة لاسيما إذا كان محروما من الدراسة الأكاديمية أو لم يستطع الهجرة إلى محافظات المركز وتحديدا العاصمة طهران، حيث يهاجر الكثير منهم إلى محافظات أخرى للحصول على المهن والوظائف التي عدموها في محافظتهم. إنّ سد هذه الحاجة لاسيما للفئة المثقفة والدارسة من شأنه أن يقلل من نسبة الاستياء بين المثقفين الأهوازيين من الحكومة، وهم على كل حال أصحاب تأثير ونفوذ على الشارع الأمي تقريبا.

هذه أربعة مطالب رئيسة للشارع الأهوازي التي يريد تحقيقها على أرض الواقع ويطالب الحكومة المركزية بتلبيتها وعدم الاكتفاء بإعطاء الوعود في هذا المجال. ولا يعني ذلك أنه لا توجد مطالب أخرى، فهناك مطالب ثقافية واجتماعية وسياسية لكننا هنا اكتفينا بأهمها وأشدها صلة بالأحداث الأخيرة التي يشهدها الإقليم.

وختاما ينبغي على الحكومة الجدية في التعامل مع أحداث كأحداث الأهواز وإن لم تخلق تحديا أمنيا كبيرا للبلاد إلا أنها وما شابهها من أحداث مرشحة أن تسبب المشاكل والتحديات الكبيرة للبلد مستقبلا، كما يفترض من الحكومة عدم الامتعاض وإظهار الحساسية من الشعارات الاستفزازية التي تُسمع في عدد من التجمعات فهي شعارات غير مطلوبة حقيقةً، وإنّ رفعَها يتمّ في الغالب عن جهل أصحابها بها، وحماسهم وانفعالهم الناجم عن المشاكل والأزمات المذكورة آنفا.

إن المواطن الأهوازي لا يريد إلا أن يكون مواطنا إيرانيا له حقوق متساوية كما عليه واجبات مثل غيره من المواطنين، وإن رفع شعارات تتعارض مع انتماء الإقليم لإيران هي شعارات يرفضها معظم الأهوازيين ولا يؤمنون بها حقيقة حتى وإن رُددت بين المتظاهرين.

على الحكومة أن تستمع لصوت العقل والحكمة وتبتعد عن السياسات القهرية في التعامل مع المطالب الشعبية الحقة للمواطن الإيراني العربي في محافظة خوزستان.

ملاحظة: إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: