بعضها معارض للنظام.. هل أخطأت واشنطن في إقفال مواقع القنوات الإيرانية؟
تستمر التعليقات على قرار وزارة الخارجية الأميركية، القاضي بإغلاق مواقع إلكترونية تابعة لعدد من وسائل الإعلام الإيرانية. ومع إصدار ذلك القرار، في 22 حزيران/ يونيو، الماضي، فُتح باب النقاش حول "أحقية" واشنطن في القيام بهذه الخطوة، ومصير حرية الرأي والتعبير بعد هذا الإجراء.
وناقش معهد كوينسي للدراسات الاستراتيجية، في مقال لـ”ماثيو بيتي”، هذا القرار، مجريًا مقابلات مع عدد من المختصين، لدراسة أبعاد وخلفيّات الخطوة الأميركية.
وكانت الولايات المتحدة قد أغلقت 33 موقعًا تابعًا لعدد من وسائل الإعلام الإيرانية مثل قناة العالم وقناة برس-تي في وقناة المسيرة التابعة للحوثيين؛ حيث ظهرت رسالة على الصفحات الرئيسية تشير إلى العقوبات الأميركية، مع أختام لمكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة التجارة الأميركية.
كما ندد التلفزيون الرسمي الإيراني “ايريب”، الذي يرعى بعض هذه القنوات، بتعطيل مواقع “وسائل إعلام موالية للمقاومة تكشف جرائم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة”.
أخطأت العنوان؟
شكّل حجب الحكومة الأميركية لمواقع إخبارية تابعة لمرجع الدين الشيعي صادق الشيرازي مفاجأة، خصوصًا وأن رجل الدين المذكور، “على علاقة سيئة بالجمهورية الإسلامية”، بحسب معهد كوينسي للدراسات الإستراتيجية.
وألقت السلطات الإيرانية، عام 2018، القبض على نجل الشيرازي بعد وصف القائد الأعلى في إيران بـ “الفرعون المستبد”؛ كما أن مناصري الشيرازي اقتحموا السفارة الإيرانية في لندن.
بعض المواقع التي تمت مصادرتها تنتمي إلى الحكومة الإيرانية، لكن البعض الآخر عبارة عن مواقع دينية شيعية، لا علاقة لها بالنظام، وحتى أنها على خلاف معه.
في هذا السياق، اعتبر مدير الحريات المدنية في ” Electronic Frontier Foundation”، وهي منظمة تعنى بالحقوق المدنية، ديفيد غرين، في حديث للمعهد، أنه “منذ سنوات، دائمًا ما يكون للجهود الحسنة في التصدي لحملات التضليل أو الدعاية الإرهابية تأثيرات خطيرة على حقوق الإنسان، لأنها تستحوذ على الكثير”.
وأثار اختيار الأهداف أيضًا تساؤلات حول ما إذا كانت هناك حواجز حماية كافية على هذه القوة الجديدة، وما إذا كان بإمكان المسؤولين الأميركيين فصل صراعهم السياسي مع جمهورية إيران الإسلامية عن الصراع الأيديولوجي ضد الإسلام الشيعي.
من جهته، اعتبر مدير منظمة “الشيعة رايتس ووتش”، ومقرها واشنطن، مصطفى أخوند، في حديث للمعهد، أنه “في حين تقوم السعودية بترسيخ المعتقدات السنية باسمها، تقوم إيران بالعمل نفسه بالنسبة للمعتقدات الشيعية.
وأضاف: تواصلت مع الإدارة الأميركية أكثر من مرة، وقلت لهم أن “أفعالهم تخدم الجمهورية الإسلامية”؛ ففي كل مرة يحاول فيها الشيعة “إخراج أنفسهم من إيران، تعودون أنتم لتقولون للنظام هؤلاء لكم”.
كما أعرب أخوند عن قلقه من حصول أخطاء تتعلق بالهوية الخطأ للمواقع المستهدفة، وأضاف: أغلقت واشنطن قناة الأنوار التابعة للحركة الشيرازية، بينما كان المقصود ربما قناة الأنوار 2 التابعة للجمهورية الإسلامية، والتي لا زالت تعمل حتى الآن.
ورأى أن هذه الأخطاء تظهر أن الإدارة الأميركية لم تقم بدراسة حقيقية للوضع قبل تنفيذ قرارها.
وفي حين لم ترد وزارة العدل الأميركية على سؤال المعهد حول الموضوع، رفضت وزارة الخارجية الإجابة قائلة: “ليس لدينا ما نضيفه”.
مرجع الدين الشيعي: صادق الشيرازي
قمع لحرية التعبير
من جهتهم، رأى المدافعون عن حرية التعبير والديمقراطية في المنطقة أن الاستيلاء على المواقع الإعلامية أثار “قضايا شائكة” حول حرية التعبير في الولايات المتحدة، ويمكن أن يشكل “سوابق خطيرة للحكومات في الخارج”.
ورأى ديفيد غرين أن الأشخاص الموجودين في أميركا، والراغبين في الحصول على معلومات من المواقع المقفلة، خسروا هذه الإمكانية رغم حقهم بذلك.
وأضاف: “ما تفعله أميركا فيما يتعلق بحرية التعبير له آثار في جميع أنحاء العالم، لأننا نعتبر أنفسنا كمعيار ذهبي لحرية التعبير”.
ووافقه الرأي الصحافي الإيراني السابق أوميد معماريان، الذي قال للمعهد: “إيران هي واحدة من أكثر الدول قمعًا عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير، ولديها تاريخ طويل في حظر الصحف والتشويش على القنوات الفضائية. ولكن لكي تستخدم الولايات المتحدة نفس التكتيكات للتعامل مع أعدائها، فإنها تعزز الرواية الدعائية للمتشددين بأن الولايات المتحدة تستخدم قيمًا مثل حرية التعبير لأغراض سياسية.”
ووفق المعهد، فإن العديد من المواقع الخاضعة للرقابة هي جزء من حركات دينية على خلاف مع الحكومة الإيرانية، وهي خلافات طويلة الأمد وعلنية في الإسلام الشيعي حول دور السلطة الدينية في الحكومة المدنية.
وأوضح مقال المعهد أنه “في حين أن رجال الدين الثوريين في إيران أنشأوا جمهورية ثيوقراطية، فإن العديد من الفقهاء الشيعة البارزين يتبعون مسارًا أكثر تقليدية من “الهدوء”، أو الاعتقاد بأن رجال الدين لا ينبغي أن يمتلكوا سلطة سياسية مباشرة”.
وأوضح الخبير الإعلامي السعودي الأميركي، علي الأحمد، في حديث للمعهد، أن قناة الأنوار دينية لا تنتمي إلى الإعلام الإيراني بل للحركة الشيرازية، “وهذا أمر معروف”.
وينحدر الشيرازي من سلسلة طويلة من رجال الدين البارزين، وعائلته على خلاف مع الحكومة الإيرانية بشأن قضايا السلطة الدينية منذ السنوات الأولى للثورة الإسلامية. أشهر أتباع الحركة الشيرازية في الغرب هو رجل الدين محمد التوحيدي، الذي يسمي نفسه “إمام السلام”.
مساواة الشيعة بإيران
من هنا، أشار الأحمد إلى أنه “في أذهان الكثيرين في الحكومة الفيدرالية الأميركية، الشيعة يساوون إيران ولو كانوا على خلاف معها”.
وأضاف: “لقد كلف هذا الكثير من الأرواح الشيعة وسمح لرهاب الشيعة بالتفاقم في الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية وأماكن أخرى.”
كما تنتمي بعض المواقع الخاضعة للرقابة إلى الحركات السياسية التي يقودها الشيعة والتي يبدو ألا علاقة لها بإيران.
وأحد المواقع التي تم الاستيلاء عليها، هو موقع قناة اللؤلؤة، وهي قناة معارضة بحرينية. وقالت المحطة في بيان لها إن الرقابة “تمثل مصادرة لحرية الصحافة وملاحقة للرأي واغتيال لحرية التعبير”. ووصفت الخطوة الأميركية بأنها “انتصار للأنظمة القمعية والاستبدادية على الشعوب المقموعة التي تنتهك حقوقها”.
ولفت جلال فيروز، عضو البرلمان البحريني السابق المنفي، إلى أنه “متفاجئ” لرؤية تلفزيون اللؤلؤة يخضع للرقابة.
وقال إن “شعب البحرين ليس له إلا هذا المصدر لنشر مظالمه بمعاملة غير عادلة من قبل الحكومة. والنظام البحريني حليف للولايات المتحدة. هل يكفي ذلك لإسكات صوت الشعب البحريني؟”.
الحملة ليست الأولى
لم تكن حملة الثلاثاء هي المرة الأولى التي تفرض فيها الحكومة الأميركية رقابة على المحتوى الأجنبي على الإنترنت. تستند العديد من سجلات أسماء النطاقات .com و .org إلى الأراضي الأميركية، لذلك أصرت وزارة العدل منذ فترة طويلة على أنها قد تصادر مواقع الويب الأجنبية من سجلات النطاق إذا “انتهكت القانون الأميركي”.
وفي أيلول/ سبتمبر 2020، صادرت السلطات الأميركية مواقع لمجموعات عراقية، بحجة عقوبات مكافحة الإرهاب الأميركية. بعد بضعة أشهر، أغلقت الولايات المتحدة المواقع الإلكترونية للعديد من “وكالات الأنباء الوهمية”، زاعمة أن المخابرات الإيرانية كانت تستخدمها للتدخل في انتخابات عام 2020.
في نفس الشهر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي بسبب صلاته المزعومة بالجيش الإيراني.
مخيب للآمال
وفي أيار/ مايو 2021، نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مؤسسة فكرية مؤيدة لإسرائيل، تقريرًا يشيد بالعقوبات الأميركية ضد اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي، لكنه دعا إلى “إجراء إضافي ضد الكيانات الإعلامية التقليدية” و القنوات التلفزيونية ومحطات الراديو والمواقع الإلكترونية والمنظمات ذات الصلة في جميع أنحاء المنطقة.
استُخدمت العقوبات ضد اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي لتبرير قرار الرقابة يوم الثلاثاء. زعمت وزارة العدل أنه نظرًا لأن اتحاد المذيعين الإيرانيين يخضع الآن للعقوبات الأميركية، فلن يُسمح له بشراء أسماء النطاقات الأميركية دون ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، الذي يفرض العقوبات ويصدر الإعفاءات.
في هذا السياق، رأى غرين أن بيان السلطات الأميركية بشأن القرار كان “مخيبًا للآمال” ، لأنه لم يُظهر “العناية القصوى” التي ينبغي اتخاذها عند إغلاق المحتوى عبر الإنترنت.
وأضاف: “نحن لا نتعلم أي شيء عن المحادثات التي دارت وراء هذا، ما نوع تقييمات حقوق الإنسان التي جرت. ليس هناك ما يشير إلى وجود مصالح لحرية التعبير هنا”.