الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 يونيو 2021 15:15
للمشاركة:

صحيفة “دنياي اقتصاد” المتخصصة – ما هي التحديات الاقتصادية التي تنتظر الرئيس الجديد؟

أشار الكاتب والخبير الاقتصادي، مسعود نيلي، في مقالٍ لصحيفة "دنياي اقتصاد" المختصة بالشؤون الاقتصادية إلى واقع الاقتصاد الإيراني في ظل الغموض الذي يكتنف المشهد السياسي، والتحديات الاقتصادية التي تواجه الرئيس القادم.

بعد إجراء المناظرات الانتخابية والنظر في القضايا التي أثيرت في هذه المناظرات نرى زيادةً في مخاوف الخبراء الاقتصاديين إزاء مستقبل الاقتصاد في البلاد ونوعية القرارات التي قد تتخذ في هذا المجال وتبعات ذلك على القضايا الرئيسية في الاقتصاد الإيراني.

بعد أن كنا نشاهد في الانتخابات السابقة وبسبب تنوع الوجوه المرشحة في الانتخابات إقبالا شعبيا على هذه المناظرات، أصبحنا اليوم نرى المناظرات في هذه الدورة قد اقتصرت على اتهام الحكومة وتحميلها الأوضاع الاقتصادية غير المناسبة، وكذلك إعطاء الوعود المختلفة والتي بات الناس البسطاء وغير المختصين مدركين لعدم واقعيتها وبعدها عن التطبيق. فعندما نرى أن ميزانية الحكومة باتت تعاني فراغا وأن الحكومة تتحمل ضغوطا كبيرة في دفع رواتب موظفيها وفي الوقت نفسه نسمع وعودا مالية غريبة من قبل المرشحين فندرك حينها أن الوضع مؤسف للغاية وإن سياسيينا باتوا بعيدين عن واقع اقتصادنا أو إنهم يجهلون نسبة وعي الناس ومعرفتهم بحقائق الأمور، أو إنهم عوّلوا على سرعة نسيان الناس بعد أن يصلوا إلى الرئاسة.

إن أبعاد عدم توازن الميزانية في ظل إنفاق 50 بالمئة منها (حالة شبيه تماما بعام 1988 وهو أسوأ عام من الناحية الاقتصادية قد شهدته البلاد) على تكاليف الحكومة في الأسعار الثابتة (اقرأوها نسبة الخدمات العامة)، أصبحت في أقل مقدار لها خلال العشرين سنة الماضية. إن اعتماد 50 بالمئة من الاعتبارات المالية على التوفير المالي من خلال الاستقراض الحكومي قد لبى تكاليف الحكومة لكنها قد سلكت في ذلك أسهل الطرق وبشكل مؤقت، وفي الوقت نفسه قد جلبت معها تضخما كبيرا في الأسعار وحملت ضغوطا كثيرة على الميزانيات في الأعوام القادمة.

وسيمر عام 2021 ويأتي عام 2022 والسنوات الأخرى وتضيق مواردنا على الخدمات العامة، وقد تتزايد احتمالية الضربات الأخرى على الاقتصاد في حال لم تتغير الظروف العامة في البلد. عندما نراجع تاريخ صادرات النفط الإيراني نری أن عام 2020 هو أقل الأعوام تصديرا للنفط خلال الستين سنة الماضية، ونتيجة فقدان التوازن هذا هو زيادة يومية لحجم السيولة في البلاد.

مع الأسف الشديد لم يُنظر إلى هذا الجانب بعين الاهتمام ولم تقدم الاستراتيجيات والسياسات الواضحة للعبور من هذه المرحلة حتى أنه لم يتم طرح أسئلة بسيطة على المرشحين في هذا الخصوص. وهذا التناقض بين الواقع الموجود وبين ما تم تداوله في المناظرات الانتخابية إما ينبع من جهل المرشحين المحترمين لمنصب رئاسة الجمهورية لواقع الانسداد المالي الحقيقي الذي تواجهه البلاد أو إنهم يفكرون في حدوث انفراجه عبر محاسبات خاطئة في أذهانهم، أو إنهم قد أعدوا أنفسهم لإجراء إصلاحات هيكلية عميقة.

على الحكومة القادمة أن تغير الظروف السياسية التي أحاطت بميزانية العام الجاري، أو تحدث تغييرا في الظروف الاقتصادية لميزانية عام 2021، أو أن تحمل البلاد بسياساتها الاستقراضية تضخما كبيرا وتعطي مؤشرات جديدة تزيد من نسبة انتقادات الرأي العام والمنافسين السياسيين في الانتخابات الرئاسة القادمة.

إن التغيير في الظروف السياسية للميزانية يعني حل مشكلة العقوبات وعودة صادرات النفط وزيادة نسبة الدخل للبلاد بما يقارب 50 إلى 60 مليار دولار إلى موارد الدولة، وهو ما يتطلب وجود حكومة مدعومة من قبل باقي المؤسسات السياسية في النظام. إن هذه النسبة من العائدات المالية وإن كانت ضرورية لكنها قد تحدث صدمة في الاقتصاد الإيراني مثلما حدثت الصدمة عندما أعلن عن قطع هذه النسبة من العائدات في شتاء عام2018، فمن خلال عودة العائدات النفطية إلى البلاد بشكل مفاجئ قد يتضرر الإنتاج والاشتغال في البلاد تضررا كبيرا، وتشهد أسعار العملات انخفاضا غير مستدام وتكون العملات مستعدة لقفزة جديدة.

لكن تغيير الظروف الاقتصادية المحيطة بالميزانية فهذا يعني إجراء إصلاحات هيكلية في اقتصاد البلاد، وهو ما لم يتحقق حتى في أفضل الظروف السياسية استقرارا خلال العقود الماضية، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا نتوقع إصلاح هذه الظروف في الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة. إن إجراء الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد تتطلب تمهيدا فنيا وآخر سياسيا، ويمكن توفير الأول من خلال تعديل جودة البيروقراطية والقدرة على تصميم برامج إصلاحية، والثاني يتطلب دعما كاملا من النظام السياسي للحكومة والسلطة التنفيذية في البلاد. إن السياسيين في إيران لديهم القدرة على توفير التمهيد الأول لكنهم محرومون من التمهيد الثاني المتمثل بالدعم الكامل من النظام السياسي.

إذا امتنع الرئيس القادم لاسيما إذا كان فوزه بنسبة محدودة عن القيام بهذه الإجراءات الضرورية فإنه بذلك يورط البلاد في خطأ استراتيجي باسم “تأطير السيولة”. إن الخطأ الاستراتيجي هو أن ينشأ تصور بأن سَوق سيل السيولة نحو الإنتاج ينهي مشكلة التوفير المالي ويحرّك عجلة الإنتاج في حين أن مبادئ علم الاقتصاد تقول إن الحجم الزائد للسيولة عندما يتوجه نحو الاستهلاك فإنها يزيد من أسعار السلع الاستهلاكية وعندما يتوجه نحو الإنتاج فإن المنتج في هذه الحالة يزيد أسعار السلع والخدمات التي يقدمها.

إن مشكلة الاقتصاد الإيراني تكمن في وجود العديد من الأطراف لقيادة عجلة الاقتصاد، وهم جميعهم مشتركون في التفكير بالضغط على المحرك من خلال خلق السيولة لسيارةٍ تقع في منحدر سريع. هذه الأطراف تهزأ من كل شخص يقول إنه لا يمكن السيطرة على حركة هذه السيارة في مثل هذه الظروف، ويشمتون بمن يقول “إننا لا نستطيع”.

بعد أيام سوف يُنتخب شخص لرئاسة الجمهورية، ومن المقرر أن يقوم هذا الشخص بخبراته وعلمه وقدرات فريقه الرئاسي بإجراء الميزانية غير المتوازنة للعام الجاري وأن يبدأ في العمل على إعداد ميزانية العام القادم. وعليه كذلك أن يقرر حول النظام المصرفي غير المتوازن ويفكر في إيجاد الحلول لنظام التقاعد المفلس، ويحدد مستقبل صندوق التامين الاجتماعي الذي يعاني من فقدان التوازن والتعادل. ولو أراد هذا الشخص أن يدوس ويضغط على المحرك فإن جميع من حوله من الأفراد سوف ينسجمون مع قراره ويشعلون نار التضخم في المخزن الكبير للسيولة.

إذا نظرنا في خيارين من الخيارات المتاحة أمام رئيس الجمهورية فنجد أن خيار رفع العقوبات وإدخال العائدات النفطية على الاقتصاد دون إجراء تعديلات اقتصادية، أو خيار زيادة حجم السيولة وتسخين تنور التضخم، نجد أن في كلا الخيارين لا يوجد إصلاح هيكلي للاقتصاد.

ختاما، يبدو أن القيود المالية التي تنتظر الحكومة ستكون أكثر تأثير على مستقبل البلاد من رغبتنا في التأثير على الانتخابات الرئاسة القادمة. ويبدو أن عصى التأديب للميزانية لم تدغدغ بعد طيفا من السياسيين في بلدنا، ولسوء الحظ فإن هؤلاء السياسيين لديهم تأثير على مصير البلاد، لكنهم بعيدون عن واقع البلد والظروف التي يعيشها. ربما هذه الانتخابات ستكون فرصة لكي يعيش هؤلاء السياسيون تجربة شح الموارد وأن يخوضوا تجربة في ورشة التعليم في الحكم لمدة أربع سنوات لعل ذلك يكون مقدمة لانفراجة بعيدة المدى للأجيال القادمة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “دنياي اقتصاد” التخصصية

لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: