انتخابات في إيران وأوراق في فيينا
بينما تستأنف المفاوضات النووية في فيينا، يجلس المرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية لمناظرتهم الأخيرة. حتى اللحظة لم يناقشوا الملف النووي خصوصا، أو السياسة الخارجية عموما، ربما لأن السياسة الخارجية، كما سبق وقال القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، هي عملية تنفيذية بالنسبة للوزارة والحكومة عندما يعملوا منفردين، لأن وضع العناوين الرئيسية هو عمل مؤسسات الدولة المختصة مجتمعة.
في ذلك إشارة واضحة من خامنئي، هي أن مسار التفاوض مع الدول الغربية والصين وروسيا حول البرنامج النووي لم يكن اجتهادا حكوميا في زمن روحاني، وكذلك كل أنواع التواصل مع الدول الصديقة وغير الصديقة. هذا ما ينطبق على التفاوض النووي، وعلى التواصل مع السعودية والإمارات وعلى خطة التعاون الاستراتيجي مع الصين. لكن النووي حاليا قد يكون الأولوية الأكثر الحاحا.
فنتائج المحادثات النووية ستنعكس على جوانب عديدة من حياة الإيرانيين، في الاقتصاد ستكون عاملا محددا بشكل رئيس، ولهذا تأثير محوري على الجوانب الاجتماعية والسياسية على المديين المتوسط والبعيد. والتوجس من الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص ومن “القوة الناعمة” التي تتحسب طهران لتأثيراتها، يدفع بالنظام إلى تضييق مساحة الاختيارات التي قد تخرج عن السيطرة، لأنه لا يرغب بالمخاطرة، بأي شكل من عدم التجانس، بين الحكومة ومجلس الشورى والمؤسسات الأخرى الرئيسية لتجنب تمايز غير مرغوب في هذه الفترة بالتحديد.
يبدو أن قيادة الجمهورية الإسلامية تريد في هذه الفترة تنفس الصعداء بعد أربعة أعوام عجاف، من عقوبات أميركية شديدة القسوة في عهد ترامب، وبعد عام ونصف من جائحة كورونا، وبعد اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري، -ذراعها الاقليمية الأكثر فعالية- اللواء قاسم سليماني، وبعد كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية التي تركت ندوبا عميقة على مستوى الثقة بالنفس على مستويات مختلفة. ما تريده طهران هو ألا تبذل جهدا إضافيا داخل مؤسساتها لصناعة إجماع حول كيفية إدارة أزماتها، وكيفية حكم الداخل، وكيف تصنع سياستها الخارجية.
بدا هذا واضحا من خلال هويات المرشحين للرئاسة الإيرانية، فإلى جانب إبراهيم رئيسي الذي يقال إنه الأكثر حظا، مرشحون أربعة آخرون من المدرسة الفكرية نفسها، إلى جانب مرشحين آخرين، حاكم المصرف المركزي عبد الناصر همتي المحسوب على تيار الاعتدال، ومحسن مهرعليزاده ابن التيار الإصلاحي والذي لم يحظ بعد بإجماع حركاته. ولأن همتي ومهرعليزاده، تنفيذيين تكنوقراطيين إلى النخاع، فحتى لو حصلت المفاجأة وربح أحدهما، لن يكون لدى الرابح مشروع سياسي حقيقي يدفع باتجاهه، على خلاف ما كان يمكن أن يحصل في حال وجود شخصيات ذات وزن سياسي.
لا يرغب النظام بالمخاطرة، بأي شكل من عدم التجانس، بين الحكومة ومجلس الشورى والمؤسسات الأخرى الرئيسية لتجنب تمايز غير مرغوب في هذه الفترة بالتحديد.
في هذا السياق، بدا لافتا جدا طلب علي لاريجاني من مجلس صيانة الدستور تبرير رفضه، متسلحا بخطاب خامنئي الذي طلب تعويض المرفوضين معنويا، إلا أن رد صيانة الدستور بدا وكأنه يهدف لتثبيت اتجاه واحد في اتخاذ القرار ، على قاعدة ألا شيء يلزم، وهذا يفتح بابا آخر للتحليل فيما يفكر به لاريجاني للمرحلة المقبلة، وتصلب صيانة الدستور، إلى جانب مسألة ثالثة أكثر أهمية من الأولى والثانية، رد فعل الشارع على كل ما يجري أكان ذلك في يوم الانتخابات أم بعده. مع ذلك هناك من يراهن على أن اتفاقا جديدا في الملف النووي سيحتوي أي سخط آني تسببه هذه الجولة من الانتخابات الرئاسية.
في المقابل، تحجز الانتخابات كحدث مكانا لها على طاولة المفاوضات بصفة محفز للطرف المقابل على عقد اتفاق مع الفريق التفاوضي الحالي، بدل انتظار أشهر اكتمال الفريق التفاوضي الجديد، أو في حال استمرار الحالي، استجماع الإدارة الجديدة لتكتيكاتها في التفاوض والتباحث، فضلا عن أي تحولات أخرى قد تجري.
المعضلة اليوم في فيينا تخطت أمورا بنيوية لتتوقف عند الضمانات التي تريدها واشنطن والدول الغربية من طهران حول إمكانية تحول البرنامج النووي نحو العسكرة، ولا سيما مع وصول إيران لمرحلة التخصيب بنسبة 60%، وهو ما ينظر اليه البعض على أنه ناقوس خطر بأن البرنامج النووي الإيراني بدأ بدخول مرحلة الغموض النووي.
واشنطن، وخلال الأيام الماضية، حاولت الالتفاف قليلا على مبدأ التنازلات من خلال رفع عقوبات على بعض الشخصيات الهامشية، او السماح للعراق وكوريا الجنوبية بالإفراج عن مبالغ زهيدة محتجزة لإيران للاستخدام في شراء لقاحات كورونا ولدفع المستحقات المتأخرة للأمم المتحدة. لكن هذا من زاوية النظر الإيرانية لا يكفي لخطوات إيرانية بحجم تخفيض التخصيب بشكل كامل أو إعادة البرنامج إلى ما كان عليه ليلة الثامن من آيار 2018.
سيذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع وبالهم في فيينا لأن الانتخابات والمفاوضات في هذه المرحلة صنوان. فورقة الانتخابات حضرت بشكل غير مباشر كفزاعة للاطراف الغربية كي يستعجلوا الوصول لاتفاق، بينما كان عامل المفاوضات من بين النواظم الأساسية للصورة الانتخابية الحالية. بينما أطراف مفاوضات فيينا، وبعد استراحة تفرضها الانتخابات، سيعودوا إلى الطاولة بنفس جديد وقد اتضح من الذي سيتولى هذا المسار خلال السنوات المقبلة، فبغض النظر عن التبني الكامل لخيار المفاوضات من أعلى النظام، يبقى لكل شيخ طريقة.
لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا